بعد ثلاث سنوات تحت داعش، تمكنت قوات سورية الديمقراطية من تحرير مدينة الرقة قبل أسبوعين تقريبا/ وكالة الصحافة الفرنسية
بعد ثلاث سنوات تحت داعش، تمكنت قوات سورية الديمقراطية من تحرير مدينة الرقة قبل أسبوعين تقريبا/ وكالة الصحافة الفرنسية

تركيا – أحمد المحمود:

تشابكت أيادي الرجال والنساء على إيقاعات الدبكة الشعبية. لأول مرة منذ عامين، يرقص الناس في الشارع. حي الجزرة، قرب الرقة، تحرر من سيطرة داعش. لكن مخاوف السكان لم تنته تماما.

مع إعلان التحرير، صُدم سكان الرقة برفع صورة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في ساحة النعيم الشهيرة. وهي الخطوة التي اعتبرها رقاويون بداية صراع جديد بصبغة عرقية قد تشهده الرقة، ينضاف إلى الدمار الذي لحقها بسبب داعش.

وتسيطر قوات سورية الديمقراطية -التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الرئيسي- على الرقة، فيما تشكل العشائر العربية المكون الرئيسي في المحافظة التي يبلغ سكانها مليونا و400 ألف نسمة، وهي ثالث أكبر محافظة سورية من حيث المساحة.

​​

مخاوف من المحررين الجدد

فادي العمر مدرس ابتدائي في قرية السلحبية في أطراف الرقة. يقول في تصريح لموقع إرفع صوتك "تغيرت أوضاعنا كثيراً مقارنة بداعش. هؤلاء لا يوجد لهم مثيل على الإطلاق.. لكن نحن خائفون من احتكار وتسلط الأكراد على أرزاق الناس.. نخشى من الظلم.. نخشى أن يتحول الأكراد إلى عقلية سلطوية ديكتاتورية شبيهة بتلك التي عند النظام".

لكن رئيس دائرة الإعلام بقوات سورية الديمقراطية مصطفى بالي يقلل من شأن هذه المخاوف. يقول في اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك) "لا أعتقد أن هذه المخاوف منطقية. وهي لا تعبر عن أهل الرقة.. هناك مخاوف القومية التي يحاول البعض الترويج لها.. لكن، أعتقد أن مدينة الرقة لن تدار إلا من أهالي مدينة الرقة من جميع مكوناتهم وشرائحهم. وهؤلاء سيكونون منبثقين عن عمل انتخابي".

اقرأ أيضاً:

انتهاء حلم الخلافة... هل سيتحول داعش إلى عصابة؟

الأكراد.. الرقم الصعب في سورية

ويشدد بالي أن مهمة قوات سورية الديمقراطية هي تأمين عودة المدنيين. أما "بالنسبة للوضع السياسي، فمجلس الرقة المدني هو المخول بإدارة المدينة وإتاحة الأرضية المناسبة لانبثاق مجلس منتخب وموسع يمثل كل شرائح ومكونات الرقة".

ويتابع المتحدث باسم "قسد" "هذا المجلس المنتخب هو المخول بتقرير مصير المدينة، وإقرار إذا ما كانت ستدخل ضمن فيدرالية شمال سورية، أو أن تكون إدارة ذاتية قائمة بذاتها".

يقول رئيس دائرة الإعلام بقوات سورية الديمقراطية مصطفى بالي إن إدارة مدينة الرقة ستؤول إلى مجلس منتخب/ إرفع صوتك

​​نريد العودة

وخلال الأسبوع الماضي، تظاهر العديد من أهالي حي المشلب على الأطراف الشرقية لمدينة الرقة، مطالبين قوات سورية الديمقراطية بالسماح لهم بالعودة إلى منازلهم التي مضى على تحريرها أكثر من ثلاثة أشهر.

وما زال سكان الرقة نازحين في القرى المجاورة والمخيمات القريبة، مثل مخيم عين عيسى، ونزح بعضهم إلى مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا.

الناشط المدني بشير الهويدي من أهالي حي المشلب، والمقيم حالياً في تركيا، يصف حالة الرقة قائلا "الرقة بحالة فوضى وتخبط.. والمؤشرات لا تدل على استقرار. بالعكس هي مؤشرات حرب جديدة، خاصة في ضوء عمليات التجنيد الإجباري التي تقوم بها قوات سورية الديمقراطية.. المفروض بعد تحرير الرقة أن تصبح هناك زيادة في التنمية، وأن يتم تأمين أساسيات الحياة لعودة أهالي المدينة، وليس سوقهم للتجنيد الاجباري".

صورة أوجلان

وأثار رفع صورة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان حفيظة الكثير من أهالي الرقة ذات الأغلبية العربية.

ويعلق بشير الهويدي قائلا "الصدمة الأولى التي تلقيناها بعد التحرير هي رفع صورة عبد الله أوجلان. فرغم أنه غير سوري، احتفلوا به. كيف لنا أن نفهم هذا التصرف بمنحى إيجابي؟! نحن نعرف أن قوات سورية الديمقراطية تضم عربا وسريانا آشوريين وأكرادا.. لكن ما شاهدناه هو لون واحد كردي! لماذا سرق هذا اللون جميع انتصارات المساهمين بالتحرير؟ لماذا يسوق لمشروعه العسكري والقومي على حساب الآخرين؟".

ويسعى رئيس دائرة الإعلام في قوات سورية الديمقراطية طمأنة سكان الرقة، موضحا "حقيقة" رفع صورة أوجلان وسط ساحة النعيم: "بخصوص الصورة، لم ترفع في يوم الاحتفال الرسمي لإعلان التحرير، بل رفعت في اليوم السابق من التحرير. ورفعتها وحدات حماية المرأة فقط. وهي وحدات قتالية معروفة تستلهم أفكارها من طروحات السيد أوجلان في الحرية".

ويؤكد بالي أن رفع صورة الزعيم الكردي، في ذلك اليوم بالذات، كان رسالة من وحدات حماية المرأة للرأي العالمي. يقول القيادي الكردي "مع ظهور أخبار عن تدهور الأوضاع الصحية للسيد أوجلان في المعتقلات التركية، أرادت وحدات المرأة تشكيل نوع من الضغط على الرأي العام العالمي للكشف عن الوضع الصحي للسيد أوجلان، لكن في اليوم الرسمي لإعلان التحرير كان واضحا أنه لا توجد أي صورة لأي شخصية. حتى صور شهدائنا لم نرفعها".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".