يتركز مسيحيو دمشق في أحياء باب توما والقصاع وباب شرقي/ ارفع صوتك
يتركز مسيحيو دمشق في أحياء باب توما والقصاع وباب شرقي/ ارفع صوتك

بقلم أحمد المحمود:

غيرت الحرب الكثير على وجه العيد في العاصمة السورية دمشق.

في حي باب شرقي وسط دمشق، أحد أقدم أحياء العاصمة، تهيئ سابين لعيد الميلاد.

"نقوم بتحضير الشجرة والزينة والضيافة والثياب الجديدة وغذاء العيد، ونجهز للسهرات.. هي نفس الأمور التي نقوم بها في كل عيد"، تقول الشابة المسيحية، ذات الـ25 عاما، قبل أن تستدرك "ما يختلف هو البهجة".

ويحتفل المسيحيون الكاثوليك بعيد الميلاد، الكريسماس، في 25 كانون الأول/ديسمبر من كل عام، فيما يحتفل الأرثوذكس يوم 7 كانون الثاني/يناير.

"الفرحة لم تعد هي نفسها، رغم أننا نحاول أن نعيد إحياء الشعور القديم. الظروف التي نعيشها صعبة، والحزن يطغى بشكل أو بآخر"، تقول سابين.

ومع ذلك، يبدو هذا العام أفضل حالا من السنوات الماضية. وانتشرت في شوارع دمشق إعلانات لحفلات الكريسماس. وتزينت ساحة باب توما، حيث تقطن أغلبية مسيحية، ببعض الزينة المعتادة. أشجار صغيرة بحجم أفراح سكان العاصمة.

ويتركز مسيحيو دمشق في أحياء باب توما والقصاع وباب شرقي. ويوجدون بنسبة أقل في أحياء جرمانا ودويلعة.

"كنيسة الزيتون" كاثدرائية الروم الكاثوليك في باب شرقي بدمشق القديمة/ ارفع صوتك

​​ رغم الحرب، تقول سابين إنه لا يوجد أفضل من دمشق لقضاء العيد. "لا أتمنى أن أقضي العيد خارج دمشق. لا يوجد أجمل من العيد مع العائلة والأصدقاء. لكنني أتمنى لو أننا نحظى بظروف أكثر أمنا وأفضل لنستمتع بالعيد".

وتحتض الأحياء القديمة في دمشق أغلب الحفلات عيد الميلاد.

إعلانات حفلات عيد الميلاد في العاصمة السورية دمشق/ ارفع صوتك

​​لإلياس من حي الدويلعة في دمشق وجهة نظر أخرى. يقول إنه بات يمقت الاحتفال بالعيد في دمشق. يشعر بـ"العار" من وجود سوريين يعانون في مناطق محاصرة قريبة من العاصمة.

"شخصيا، أتمنى قضاء عيد الميلاد في الخارج، وبالتحديد في أوروبا، لعدم شعوري ببهجة العيد في بلادنا، أو بشكل أدق لعدم أخلاقية الاحتفال بالأعياد في منطقة لا تبعد عن المناطق المحاصرة في الغوطة الشرقية سوى كيلومترات قليلة".

وتحاصر قوات النظام السوري حي جوبر والغوطة الشرقية منذ عام 2013. ولا يبعد الحي المحاصر عن حيي القصور والقصاع، الذين تسكنهما أغلبية مسيحية، بأكثر من 700 متر. ولا يفصله عن حي التجارة سوى شارع واحد: شارع فارس خوري.

لجأ معظم أصدقاء إلياس إلى أوروبا هربا. "بقيت هنا وحيدا، لأنني لست مجبرا على أداء خدمة عسكرية"، يقول الشاب السوري. ويعفي القانون السوري "وحيد أسرته" من خدمة العلم.

كشافة الكنيسة يعودون

تعيش العاصمة السورية أمانا نسبيا هذا العام مع تراجع حدة الاشتباكات والنجاحات التي حققها النظام السوري على حساب المعارضة المسلحة.

وباستثناء بعض القذائف التي تتساقط بين حين وآخر، يعيش سكان دمشق حياة شبه طبيعية.

لكن الأسعار تبقى مرتفعة جدا. "يصل سعر شجرة عيد الميلاد المتوسطة إلى 50 ألف ليرة وأكثر (115 دولار)، أما زينتها فتتراوح تكلفتها بين 10 و20 ألفا".

يصل سعر شجرة عيد الميلاد المتوسطة إلى 50 ألف ليرة وأكثر (115 دولار)/ ارفع صوتك

​​

ويتوقع أن تشهد احتفالات هذا العام عودة أكبر لفرق الكشافة الكنسية التي كانت تمثل أحد مظاهر عيد الميلاد قبل الحرب.

وتمتلك كل كنيسة في دمشق فرقتها الخاصة. لكن في السنوات الماضية، سيرت كنائس قليلة جدا فرقها في الشوارع.

يقول ميشال، وهو عضو فريق الكشافة في كنيسة الصليب للروم الأرثوذكس بالقصاع وسط دمشق "في السابق، كنا نتجهز للأعياد مع بداية ديسمبر. وفي منتصف الشهر، تفتح معظم الكنائس قاعاتها للبازارات الخيرية. كنا نهيئ فرقة الكشافة ونزين الكنيسة. بعد الحرب، ألغت معظم الكنائس احتفالاتها، لكن هذا العام عادت من جديد كنائس دمشق للاحتفال".

يتوقع أن تشهد احتفالات هذا العام عودة أكبر لفرق الكشافة/ارفع صوتك

​​يشتكي ميشال بدوره من غلاء الأسعار "ديسمبر هو شهر الاحتفالات. لكن لا يمكننا الاستمتاع بجميع الأعياد بنفس التكلفة القديمة. هذا يفوق طاقتنا. رغم ذلك، الاحتفال بدمشق مع أصدقائي في فرقه الكشافة والأهل له طعم آخر. أشعر بأجواء العيد بشكل حقيقي هنا".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

كنيسة الشهداء في مدينة الرقة قبل أن يسيطر عليها داعش/ وكالة الصحافة الفرنسية
كنيسة الشهداء في مدينة الرقة قبل أن يسيطر عليها داعش/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم أحمد المحمود:

تعود ملامح الحياة تدريجيا إلى مدينة الرقة بعد طرد داعش منها قبل حوالي شهرين.

وسلمت قوات سورية الديمقراطية "مجلس الرقة المدني" أحياء المشلب والجزرة والطيار في أطراف الرقة، بعد تنظيفها من الألغام.

لكن العودة إلى الأحياء الداخلية ما تزال خجولة بسبب تعاقب الانفجارات. وحدهم من سلمت بيوتهم من الدمار، غامروا بالعودة إلى وسط المدينة. واقتصر الآخرون على زيارات خاطفة لتفقد منازلهم صباحا والعودة للأطراف مساء.

وقدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المئة من مساحة المدينة الواقعة في شمال شرقي سورية لم تعد قابلة للسكن.

تقول الأمم المتحدة إن 80 في المئة من الرقة غير قابلة للسكن/وكالة الصحافة الفرنسية

​​

لم تقرع أجراس كنائس الرقة منذ أكثر من أربع سنوات، بعد أن غادرها معظم المسيحيين عقب سيطرة داعش عليها في مستهل سنة 2014.

ونزح أغلب المسيحيين إلى مدينتي تل أبيض والطبقة القريبتين، بينما رحل بعضهم إلى مناطق سيطرة النظام السوري في حلب وحمص ودمشق.

حلم العودة ما يزال مؤجلا لدى الكثير من هؤلاء. على الأقل في الوقت الراهن.

الحلم المؤجل

يقول فادي. ز، وهو مسيحي من مدينة الرقة نزح إلى مدينة حمص، "استقرت أوضاعنا هنا، تعودنا على العيش في حمص. لا يمكننا الذهاب إلى منطقة غير مستقرة ومليئة بالألغام".

ويتابع، في اتصال هاتفي مع موقع (ارفع صوتك)، "من الممكن في قادم الأيام أن يذهب أحدنا وليس جميع أفراد العائلة لتفقد أملاكنا وبيوتنا. لكن الاستقرار من جديد في الرقة يحتاج إلى سنوات".

يقدر عدد المسيحيين في محافظة الرقة بـ4000 نسمة.

جيمي شاهنيان، 31 عاما، شاب مسيحي من مدينة الرقة ولاجئ في ألمانيا، لا يخفي شوقه للعودة إلى مدينته في أقرب فرصة. "إنها بلدي والمكان الذي أحبه. هنا كبرت وتعلمت"، يقول جيمي.

عاش الشاب الأرمني طوال حياته في الرقة في بيت يطل على ساحة النعيم وسط المدينة.

في هذه الساحة، كان يشغل الأغاني عبر مكبرات الصوت للمتظاهرين احتفالا بتحرير الرقة، أول مدينة تخرج عن قبضة النظام السوري في آذار/مارس 2013.

سيطر داعش على مدينة الرقة بحلول شباط/فبراير 2014/ وكالة الصحافة الفرنسية

​​

​​بعد استيلاء داعش على الرقة حول ساحة النعيم إلى ميدان إعدام، فأطلق عليها سكان المدينة "ساحة الجحيم".

يستبعد جيمي عودة المسحيين إلى مدينتهم قريبا. يقول "الرقة مليئة بالألغام. وحتى المناطق التي أزيلت منها الألغام لا يسكنها مسيحيون".

يقطن أغلب المسيحيين وسط المدينة، وهي المنطقة التي لم يتم تنظيفها بعد. "معظم بيوت المسيحيين سيطر عليها داعش وسكنها عناصره، لهذا هي مهدمة بفعل قصف الطيران أيضا"، يتابع جيمي.

قبل فراره إلى ألمانيا، شارك جيمي في تظاهرات أمام مقرات داعش احتجاجات على تجاوزات التنظيم، ومن بينها استيلاؤه على كنائس المدينة.

لاحق داعش المشاركين في الاحتجاجات وقتل عددا من النشطاء المدنيين، فغادر جيمي لمدينة أورفا التركية، قبل ان ينتهي به المطاف في ألمانيا لاجئا.  

لا يخشى الشاب الثلاثيني اليوم بقايا فكر داعش في المدينة. "لا أعتقد أنه مازال هناك من يحمل فكر داعش في الرقة.. داعش ألحق الضرر بالمسلمين أكثر من المسيحيين. أعتقد أنهم بعيدون جدا عن أفكار داعش".

ما يخشاه جيمي هي الألغام التي قتلت ابن عمه، وهو مسلم، قبل أسبوع من الآن أثناء تفقده لمنزله في الرقة.

​​

​​

من يعمر الجوامع يعمر الكنائس!

بسط تنظيم داعش يده على كنائس الرقة بالقوة. وحول "كنيسة الشهداء" للأرمن الكاثوليك إلى "مركز دعوي". دمر مقاتلوه جميع محتوياتها ورفعوا علم داعش بعد أن أزالوا الصليب من أعلى الكنيسة.

وينقسم مسيحيو الرقة إلى ثلاث طوائف: الروم الكاثوليك ولهم كنيسة سيدة البشارة (دمرها قصف قوات التحالف)، والأرمن الكاثوليك ولهم كنيسة الشهداء، والأرمن الأرثوذكس ولهم كنيسة في داخل مدرسة الحرية.

بعد سيطرته على الرقة، أزال تنظيم داعش الصليب من أعلى كنيسة الشهداء (الأرمن الكاثوليك) ورفع علمه فوقها/ وكالة الصحافة الفرنسية.

​​جيمي واثق من إعادة إعمار كنائس الرقة. "من سيعيد إعمار الجوامع، سيتولى إعمار الكنائس. لا توجد لجنة تتبنى الكنائس منفردة ولجنة للجوامع فقط. اللجنة موحدة للجميع".

رغم ذلك، يرى جيمي أن "موضوع دور العبادة مازال باكرا". الأولوية للبنية التحتية الآن.

يوافق رئيس لجنة الإعمار في مجلس الرقة المدني إبراهيم الحسين هذا الرأي. ويقول في اتصال هاتفي مع (ارفع صوتك) "نعمل حاليا على إعادة إعمار البنية التحتية فقط. لم نتطرق لإعادة إعمار الكنائس. يمكن في وقت لاحق طرح هذا المشروع، لكن أولويتنا الحالية هي للبنى التحتية".

ويقدر الحسين نسبة الدمار في الأحياء الواقعة في أطراف الرقة بـ30 في المئة. لكن نسبة الدمار وسط المدينة تصل إلى 90 في المئة.

ويؤكد لجنة إعادة الإعمار "إعادة إعمار الكنائس والجوامع تتطلب دعما أمميا. والأمم المتحدة لم تتواصل معنا إلى الآن بشكل جاد بخصوص إعادة الإعمار".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365