طفلة جريحة في الغوطة (أ ف ب)
طفلة جريحة في الغوطة (أ ف ب)

(ارفع صوتك)

"ليس هنالك كلمات بإمكانها أن تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم، بهذه العبارة وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة ما يجري في الغوطة الشرقية لدمشق.

اليونيسف التي تركت بقية بيانها فارغا، كتبت ملاحظة للصحافيين تقول فيها "تصدر اليونيسف هذا التصريح لأننا لم نعد نملك الكلمات لوصف معاناة الأطفال".

وقتل أكثر من 400 مدني خلال خمسة أيام في الغوطة نتيجة قصف عنيف نفذه النظام السوري والقوات الروسية. وأصيب أكثر من 1400 آخرين بجروح.

وركز القصف الجو والمدفعي على بلدات سقبا ومسرابا وحزة ودوما وبيت سوى وعربين.

وتخضع غوطة دمشق لحصار خانق منذ تشرين الأول/أكتوبر 2013 من قبل النظام السوري.

بيان اليونيسيف "الخالي من الكلمات" قد لا يكون دليل غضب فقط.. وأنما أيضا دليل عجز.

يقول نشطاء مدنيون إن المجتمع الدولي وقف عاجزا عن التدخل طيلة السنوات الخمس الماضية.

مجتمع دولي عاجز

تمثل الغوطة الشرقية إحدى مناطق خفض التصعيد التي أقرها مؤتمر أستانة.​​

ويفترض حسب الاتفاق أن تتوقف أعمال العنف في الغوطة وأن تنتشر فيها قوات مراقبة من الدول الضامنة وهي تركيا وروسيا وإيران.

ومناطق خفض التصعيد الأخرى هي أجزاء من محافظات حمص واللاذقية وحلب وحماة ودرعا والقنيطرة، إضافة إلى إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.

وينص اتفاق خفض التصعيد على ضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية للمناطق المحاصرة.

لكن الاتفاق لم يصمد في أغلب المناطق، ومنها الغوطة.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة معنية بتوثيق الانتهاكات في سورية، مقتل 729 مدنيا خلال ثلاثة أشهر من القصف المستمر على مدن وبلدات الغوطة.

يقول الناشط  أحمد الموصلي أن المواقف والبيانات التي تصدر عن مختلف الجهات، سواء في المعارضة أو المجتمع الدولي، "خجولة" مقارنة بما يحصل في الغوطة.

يسكن في الغوطة أكثر من 300 ألف مدني يعيشون محاصرين داخل مدن وبلدات تحيط بها قوات النظام من كل جهة.

ويقول الناطق باسم منظمة "سوريون لأجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد إن هناك اعتيادا على مشاهدة الحصار والقتل في الغوطة "هذه ليست أول مجزرة تحصل في الغوطة. إننا نتحدث عن سبع سنوات من القتل والحصار والقصف المستمر. للأسف البعض اعتاد على ذلك".

وحسب الأحمد، فإن الملف السوري "لم يعد أولوية" للمجتمع الدولي كما كان عليه الحال عامي 2011 و2012.

هل ينتقم النظام لـ"كيمياوياته" التي تنازل عنها

في 21 آب/ أغسطس 2013، تعرضت غوطة دمشق لهجوم كيماوي قتل أكثر من 1200 من سكانها.

بعد الهجوم، وافق النظام السوري على نزع أسلحته الكيماوية استنادا لقرار أممي سابق. رغم ذلك لم تتوقف الهجمات. آخرها كان قبل أسبوعين فقط.

وشهدت الغوطة الشرقية في الأشهر الأخيرة نقصا حادا في المواد الغذائية، تسبب في مجاعة.

وقالت اليونيسف، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إن الغوطة سجلت أعلى نسبة سوء تغذية بين الأطفال منذ اندلاع الأزمة السورية سنة 2011.

وأوضحت المنظمة أن نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية الحاد بلغت 11.9 في المئة، وهي النسبة الأعلى على الإطلاق منذ بدء الصراع.

وقبلها بشهر، ​أطلق نشطاء حقوقيون وإعلاميون من داخل الغوطة حملة للمطالبة بفك الحصار عنها. وكشف هؤلاء النشطاء وجود أكثر من 5250 حالة إعاقة دائمة بسبب الحرب.

وقالوا إن 40 مستشفى ومستوصفا طبّيا تعرض للتدمير في الغوطة، إضافة إلى نفاذ أدوية ولقاحات السل والحصبة واللقاحات الاضطرارية ومعدّات غسيل الكلى، وأدوية الأطفال والقلب والسل وضغط الدم والمستلزمات الجراحية الخاصة بالعمليات وأدوية التخدير.

ونشر ناشطون حينها صورا ومقاطع فيديو تُظهر أجساد الأطفال وقد تحولت إلى هياكل عظمية بوجوه شاحبة. وقالوا إن ثلاث طفلات توفين خلال أربعة أيام.

يقول مدير المعهد السوري للعدالة والمساءلة، وهو مركز مختص بتوثيق الانتهاكات ضد المدنيين في سورية، عبد القادر مندو إن هناك تقصيرا من المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية الغوطة. "هناك تقصير من منظمة الأمم المتحدة، فلم ينعقد مجلس الأمن ليأخذ قرارات بخصوص الغوطة، كما أن الدول التي تعتبر من أصدقاء سورية لم تفعل شيئا"، يقول المندو.

ويطالب المندو المجتمع الدولي بالتحرك الفوري، معتبرا أن ما يحصل في الغوطة "عملية تهجير وإبادة".

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".