رجب طيب أردوغان/وكالة الصحافة الفرنسية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

يترقب أهالي مدينة منبج، شمال سورية، بحذر شديد ما ستؤول إليه التصريحات السياسية اليومية للمسؤولين الأتراك حول مدينتهم.

وفي الوقت الذي أشار فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى تفاهم بين تركيا والولايات المتحدة حول الترتيبات الأمنية المرتقبة في منبج، يهدد مسؤولون أتراك بالسيطرة على المدينة عسكريا، لطرد قوات سورية الديمقراطية منها، إذا فشل الحل السياسي.

في المقابل، يؤكد الأميركيون وقوفهم إلى جانبهم حلفائهم.

وزار وفد عسكري وسياسي أميركي مدينة منبج في ريف حلب الشرقي لطمأنة حلفاء واشنطن من الأكراد والعرب، في خطوة تشكل تحديا لموقف أنقرة التي تلوح بعملية عسكرية.

وقال عضو في مجلس منبج المحلي لوكالة الأنباء الألمانية إن هدف زيارة الوفد الأميركي هو "تقديم الدعم لأهالي مدينة منبج، والتأكيد على أن مصيرها لن يكون كمصير مدينة عفرين"، التي سيطرت عليها القوات التركية.

وضم الوفد، الذي قام بجولة في المدينة، اللواء جيمي جيرارد والسفير الأميركي ويليام روباك.

وأمام التهديدات التركية، تقول قوات سورية الديمقراطية إن منطقة منبج خط أحمر لا يمكن الوصول إليه.

الهدف القادم!

تصريحات المسؤولين الأتراك التهديدية تشير أيضا إلى وجود محاولات لحل الأمر بانسحاب قوات سورية الديمقراطية بشكل سلمي من المدينة.

وتحتضن منبج المدينة الواقعة في ريف حلب الشرقي أكثر من نصف مليون نسمة. ولا يبعد مدخلها الشمالي عن نقاط سيطرة فصائل "درع الفرات" الحليفة لتركيا بأكثر من 20 كيلومترا.

يؤكد الصحافي السوري المقيم في تركيا تامر عصمان أن سيطرة الجيش التركي وحلفائه على عفرين وضعت منبج كهدف ثان. "إذا نظرنا للتصريحات التركية، فكل منطقة يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني هي هدف لهم، سواء كان ذلك على المدى البعيد أو القريب"، يقول.

لكن عصمان، المنحدر من منبج، يوضح أنه لا يتوقع حصول معارك في المدينة. "هناك تفاهمات حصلت مؤخرا بين تركيا وأميركا باعتبارها الداعم الأول لقوات سورية الديمقراطية".

مخاوف مدنيين!

يخشى سعيد (26 سنة)، وهو من أهالي المدينة، أن تشهد الأيام القادمة معركة بين فصائل "درع الفرات" المدعومة من تركيا وبين قوات سورية الديمقراطية.

يقول "لم تنس منبج المعركة الأخيرة التي حصلت عام 2016 لطرد تنظيم داعش. الأهالي يتخوفون تكرار الحادثة".

ويعتقد سعيد أن حصول معركة قد يؤدي إلى مغادرة الكثير من سكان منبج المدينة نهائيا.

"أحاديثنا مع الأصدقاء تدور كلها حول ما تخبئه الأيام لمنبج.. مصيرنا بيد الدول"، يقول الشاب السوري.

عدنان الحسين شاب في العشرينيات من عمره من ريف منبج يعلق آماله على التفاهمات الدولية.

ويستبعد، على الأقل في الوقت الحالي، عملية عسكرية تركية في ظل وجود قرى في ريف حلب الشمالي، أبرزها تل رفعت، لا تزال تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية.

وفق الحسين، ستكون هذه القرى أولا الهدف المقبل لتركيا وحلفائها.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".