“نحن على علم بالأخبار المتداولة حاليا، بأن جون كانتلي على قيد الحياة، لكن هذا الأمر لم يتم إثباته في الوقت الحاضر. ما زلنا نأمل ونصلي من أجل أن يصبح هذا صحيحا”.
كانت هذه أول تغريدة لعائلة الصحافي البريطاني جون كانتلي المختطف لدى “داعش” منذ قرابة سبع سنوات، تعليقا على تصريحات لوزير الدولة البريطاني للشؤون الأمنية بن والاس، قال فيها إن كانتلي “ما يزال على قيد الحياة”.
وقال ولاس للصحفيين، الثلاثاء 5 شباط/فبراير 2019، إن الحكومة البريطانية تعتقد أن جون كانتلي (49 عاما) ما يزال محتجزاً لدى داعش.
We are aware of the current news circulating that John Cantlie is alive, whilst this is not substantiated at present, we continue to hope and pray that this turns out to be true. Thank you for your continued support🙏
— Free John Cantlie💚 (@CantlieUK) February 5, 2019
لكن الوزير البريطاني لم يقدم أدلة بمكان وجود كانتلي الذي اعتبره أحد أشهر الرهائن البريطانيين المحتجزين في الخارج، حسبما ذكرت شبكة “سي ان ان” الأمريكية.
وهذه هي المرة الأولى التي تؤكد فيها لندن رسميا مصير كانتلي الذي عمل مصورا ومراسلا حرا لعدة صحف بريطانية قبل أن يختطف في سوريا.
وكانت أخبار وتقارير متضاربة رجحت سابقا مقتله خلال المعارك أو تحت القصف العنيف على معاقل التنظيم المتشدد.
اختطف مرتين
وقع جون كانتلي في قبضة تنظيم “داعش” للمرة الأولى في تموز/يوليو 2012، خلال توجهه إلى شمال سوريا لتغطية القتال هناك، قبل أن يتم تحريره مع زميله الألماني جورين جورلمان على أيدي مقاتلين من الجيش السوري الحر.
وقال كانتلي للصحفيين بعد إطلاق سراحه حينها إنه جرى تهديده هو وزميله الألماني بالموت إذا لم يعتنقا الإسلام.
وأصيب الاثنان بجروح طفيفة بعد إطلاق النار عليهما أثناء محاولة للهرب.
وخطف مسلحو “داعش” كانتلي مرة ثانية في تشرين الأول/نوفمبر 2012 إلى جانب المراسل الأميركي جيمس فولي الذي أعدمه التنظيم لاحقا ووثق ذبحه في تسجيل مصور في آب/أغسطس 2014 بمدينة الرقة شمالي سوريا.
واستغل تنظيم “داعش” خبرات جون كانتلي الصحفية للعمل في الآلة الإعلامية التابعة له والترويج له دعائيا، من خلال سلسلة تسجيلات تتحدث عن الحياة داخل "أراضي الخلافة" في سوريا والعراق.
أول ظهور لكانتلي كان في 18 أيلول/سبتمبر 2014، في شريط فيديو دعائي بعنوان “أعيروني سمعكم”. تلته سلسلة إصدارات بنفس العنوان، وأخرى على شكل تقارير صحفية، هاجم فيها السياسة الخارجية الغربية، خصوصا سياسة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
ولم يظهر كانتلي في الإصدارات الأخيرة كأسير، بل ظهر بصفته مراسلا صحفيا يطوف الأراضي التي يسيطر عليها داعش من مدينة الموصل وحتى كوباني (عين العرب).
وكان آخر ظهور للصحافي البريطاني في تسجيل فيديو بدا فيه هزيلا خلال معركة في الموصل بالعراق، منتصف كانون الأول/ديسمبر 2016، قال فيه “نحن في وسط الموصل، وخلفي يبدو كمشهد من فيلم لستيفن سبيلبرج، ولكنه حقيقي”.
مكافأة وفدية
تناولت وسائل الإعلام الغربية على نطاق واسع تصريحات الحكومة البريطانية الأخيرة بشأن مصير جون كانتلي، مجددة الحديث عن كيفية استخدامه من قبل التنظيم الإرهابي.
وكانتلي هو واحد من ثلاثة صحفيين أجانب على الأقل لم يعرف مصيرهم في سوريا، بما في ذلك الأميركي أوستن تايس والجنوب أفريقي شيراز محمد.
ورصدت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة بقيمة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى إنقاذ الصحافي الأميركي أوستن تايس المختفي في سوريا منذ 13 آب/أغسطس 2012.
وتجني التنظيمات الإرهابية ملايين الدولارات من أموال الفدية الناتجة عن عمليات اختطاف المدنيين والرهائن، الأجانب بالأخص.
وفيما ترفض دول عديدة بينها الولايات المتحدة دفع فدى للتنظيمات الإرهابية، دفعت حكومات أخرى أموالا لجماعات إرهابية مسلحة في السنوات الأخيرة، مقابل الإفراج عن الرهائن.
لكن وزير الأمن البريطاني بن ولاس قال الثلاثاء “إن بلاده لا تدفع فدية، كما أنها لا تشجع الدول الأخرى على فعل ذلك”.
هل تجاوب كانتلي مع داعش؟
تحظى قصص الصحافيين الأجانب المحتجزين لدى التنظيمات الإرهابية باهتمام كبير في وسائل الإعلام الغربية.
لكن ظهور جون كانتلي المتكرر في أنشطة داعش الدعائية فتح مجالا كبيرا للنقاش حول حقيقة وضعه ومدى تجاوبه مع مطالب التنظيم المتطرف.
ويعتقد جاسم محمد، وهو باحث عربي في قضايا الإرهاب والاستخبارات، أن داعش نجح بالفعل في استثمار جون كانتلي كذراع إعلامي لصالحه، “لذلك أبقى على حياته، وبالتأكيد بموافقة جون نفسه”.
في المقابل، علق أمين عام منظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار، في وقت سابق، على ظهور كانتلي قائلا “إن تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم بكل نذالة عمل جون كانتلي لخدمة مصالحه الدعائية”.
وأضاف ديلوار “هذه الجماعة تتمادى دون رحمة في ارتكاب جرائم الحرب وسط إفلات تام من العقاب”.
وتكررت في السنوات الأخيرة حوادث اختطاف الصحافيين من قبل التنظيمات المتطرفة.
في اليمن على سبيل المثال، لا يزال مصير الصحافي محمد المقري الذي اختطفه مسلحو تنظيم القاعدة في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أثناء بسط نفوذهم على مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت جنوبي شرق البلاد، مجهولا حتى اليوم.
وعلى الرغم من مرور قرابة أكثر من عامين ونصف على نجاح حملة عسكرية واسعة في طرد عناصر التنظيم من المدينة الساحلية على بحر العرب، تقول أبها باعويضان، زوجة الصحافي محمد المقري، لموقع (ارفع صوتك) “لا جديد لدينا، ولا نعلم عنه أي شيء منذ اختطافه. تواصلنا مع جهات حكومية ومنظمات وغيرها لكن دون جدوى”.
وتضيف باعويضان، وهي أيضا طبيبة وناشطة حقوقية، عبر الهاتف من مدينة المكلا، “في مناسبات معينة يكتفي الإعلام المحلي بذكر زوجي أنه مخفي قسرا لدى تنظيم القاعدة، لكن لم يحظ بأي حملات مناصرة أو دعم واضح. هذا أمر مؤسف”.
“حتى الإعلام العربي والغربي لم يتناول قصته كأحد ضحايا الإرهاب”، تابعت السيدة الثلاثينية، بنبرة حزينة.