صورة من آخر ظهور علني لجون كانتلي في مدينة الموصل نهاية سنة 2016 (الصورة نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية عن فيديو دعائي لداعش)
صورة من آخر ظهور علني لجون كانتلي في مدينة الموصل نهاية سنة 2016 (الصورة نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية عن فيديو دعائي لداعش)

“نحن على علم بالأخبار المتداولة حاليا، بأن جون كانتلي على قيد الحياة، لكن هذا الأمر لم يتم إثباته في الوقت الحاضر. ما زلنا نأمل ونصلي من أجل أن يصبح هذا صحيحا”.

كانت هذه أول تغريدة لعائلة الصحافي البريطاني جون كانتلي المختطف لدى “داعش” منذ قرابة سبع سنوات، تعليقا على تصريحات لوزير الدولة البريطاني للشؤون الأمنية بن والاس، قال فيها إن كانتلي “ما يزال على قيد الحياة”.

وقال ولاس للصحفيين، الثلاثاء 5 شباط/فبراير 2019، إن الحكومة البريطانية تعتقد أن جون كانتلي (49 عاما) ما يزال محتجزاً لدى داعش.

​​لكن الوزير البريطاني لم يقدم أدلة بمكان وجود كانتلي الذي اعتبره أحد أشهر الرهائن البريطانيين المحتجزين في الخارج، حسبما ذكرت شبكة “سي ان ان” الأمريكية.

وهذه هي المرة الأولى التي تؤكد فيها لندن رسميا مصير كانتلي الذي عمل مصورا ومراسلا حرا لعدة صحف بريطانية قبل أن يختطف في سوريا.

وكانت أخبار وتقارير متضاربة رجحت سابقا مقتله خلال المعارك أو تحت القصف العنيف على معاقل التنظيم المتشدد.

اختطف مرتين

وقع جون كانتلي في قبضة تنظيم “داعش” للمرة الأولى في تموز/يوليو 2012، خلال توجهه إلى شمال سوريا لتغطية القتال هناك، قبل أن يتم تحريره مع زميله الألماني جورين جورلمان على أيدي مقاتلين من الجيش السوري الحر.

وقال كانتلي للصحفيين بعد إطلاق سراحه حينها إنه جرى تهديده هو وزميله الألماني بالموت إذا لم يعتنقا الإسلام.

وأصيب الاثنان بجروح طفيفة بعد إطلاق النار عليهما أثناء محاولة للهرب.

وخطف مسلحو “داعش” كانتلي مرة ثانية في تشرين الأول/نوفمبر 2012 إلى جانب المراسل الأميركي جيمس فولي الذي أعدمه التنظيم لاحقا ووثق ذبحه في تسجيل مصور في آب/أغسطس 2014 بمدينة الرقة شمالي سوريا.

واستغل تنظيم “داعش” خبرات جون كانتلي الصحفية للعمل في الآلة الإعلامية التابعة له والترويج له دعائيا، من خلال سلسلة تسجيلات تتحدث عن الحياة داخل "أراضي الخلافة" في سوريا والعراق.

جون كانتلي باللباس البرتقالي أثناء اعتقاله (يسار) وعلى اليمين يصور تقريرا لداعش من مدينة الموصل

​​أول ظهور لكانتلي كان في 18 أيلول/سبتمبر 2014، في شريط فيديو دعائي بعنوان “أعيروني سمعكم”. تلته سلسلة إصدارات بنفس العنوان، وأخرى على شكل تقارير صحفية، هاجم فيها السياسة الخارجية الغربية، خصوصا سياسة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

ولم يظهر كانتلي في الإصدارات الأخيرة كأسير، بل ظهر بصفته مراسلا صحفيا يطوف الأراضي التي يسيطر عليها داعش من مدينة الموصل وحتى كوباني (عين العرب).

وكان آخر ظهور للصحافي البريطاني في تسجيل فيديو بدا فيه هزيلا خلال معركة في الموصل بالعراق، منتصف كانون الأول/ديسمبر 2016، قال فيه “نحن في وسط الموصل، وخلفي يبدو كمشهد من فيلم لستيفن سبيلبرج، ولكنه حقيقي”.

مكافأة وفدية

تناولت وسائل الإعلام الغربية على نطاق واسع تصريحات الحكومة البريطانية الأخيرة بشأن مصير جون كانتلي، مجددة الحديث عن كيفية استخدامه من قبل التنظيم الإرهابي.

وكانتلي هو واحد من ثلاثة صحفيين أجانب على الأقل لم يعرف مصيرهم في سوريا، بما في ذلك الأميركي أوستن تايس والجنوب أفريقي شيراز محمد.

ورصدت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة بقيمة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى إنقاذ الصحافي الأميركي أوستن تايس المختفي في سوريا منذ 13 آب/أغسطس 2012.

وتجني التنظيمات الإرهابية ملايين الدولارات من أموال الفدية الناتجة عن عمليات اختطاف المدنيين والرهائن، الأجانب بالأخص.

وفيما ترفض دول عديدة بينها الولايات المتحدة دفع فدى للتنظيمات الإرهابية، دفعت حكومات أخرى أموالا لجماعات إرهابية مسلحة في السنوات الأخيرة، مقابل الإفراج عن الرهائن.

لكن وزير الأمن البريطاني بن ولاس قال الثلاثاء “إن بلاده لا تدفع فدية، كما أنها لا تشجع الدول الأخرى على فعل ذلك”.

هل تجاوب كانتلي مع داعش؟

تحظى قصص الصحافيين الأجانب المحتجزين لدى التنظيمات الإرهابية باهتمام كبير في وسائل الإعلام الغربية.

لكن ظهور جون كانتلي المتكرر في أنشطة داعش الدعائية فتح مجالا كبيرا للنقاش حول حقيقة وضعه ومدى تجاوبه مع مطالب التنظيم المتطرف.

ويعتقد جاسم محمد، وهو باحث عربي في قضايا الإرهاب والاستخبارات، أن داعش نجح بالفعل في استثمار جون كانتلي كذراع إعلامي لصالحه، “لذلك أبقى على حياته، وبالتأكيد بموافقة جون نفسه”.

في المقابل، علق أمين عام منظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار، في وقت سابق، على ظهور كانتلي قائلا “إن تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم بكل نذالة عمل جون كانتلي لخدمة مصالحه الدعائية”.

وأضاف ديلوار “هذه الجماعة تتمادى دون رحمة في ارتكاب جرائم الحرب وسط إفلات تام من العقاب”.

جون كانتلي في سوريا قبل اختطافه سنة 2012

​​وتكررت في السنوات الأخيرة حوادث اختطاف الصحافيين من قبل التنظيمات المتطرفة.

في اليمن على سبيل المثال، لا يزال مصير الصحافي محمد المقري الذي اختطفه مسلحو تنظيم القاعدة في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أثناء بسط نفوذهم على مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت جنوبي شرق البلاد، مجهولا حتى اليوم.

وعلى الرغم من مرور قرابة أكثر من عامين ونصف على نجاح حملة عسكرية واسعة في طرد عناصر التنظيم من المدينة الساحلية على بحر العرب، تقول أبها باعويضان، زوجة الصحافي محمد المقري، لموقع (ارفع صوتك) “لا جديد لدينا، ولا نعلم عنه أي شيء منذ اختطافه. تواصلنا مع جهات حكومية ومنظمات وغيرها لكن دون جدوى”.

وتضيف باعويضان، وهي أيضا طبيبة وناشطة حقوقية، عبر الهاتف من مدينة المكلا، “في مناسبات معينة يكتفي الإعلام المحلي بذكر زوجي أنه مخفي قسرا لدى تنظيم القاعدة، لكن لم يحظ بأي حملات مناصرة أو دعم واضح. هذا أمر مؤسف”.

“حتى الإعلام العربي والغربي لم يتناول قصته كأحد ضحايا الإرهاب”، تابعت السيدة الثلاثينية، بنبرة حزينة.

 

مواضيع ذات صلة:

Syrian beekeeper Ibrahim Damiriya struggles to produce honey from his hives on parched land in Rankus village near the capital…
"لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل"

في أرض شبه قاحلة لولا عدد قليل من الأشجار قرب دمشق، يعاين إبراهيم ضميرية قفران النحل بحثاً عن العسل الذي انحسر إنتاجه، على وقع النزاع الدامي وتبعات التغير المناخي.

ويقول ضميرية (62 عاماً) من خلف قناع وبينما يرتدي زياً أبيض اللون يقيه لسعات النحل، لوكالة فرانس برس، "لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل".

قبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كان ضميرية يمتلك أكثر من مئة قفير، لم يبق منها اليوم إلا أربعين، تعود عليه بإنتاج ضئيل.

في بلدته رنكوس التي نالت نصيبها من دمار وتهجير جراء النزاع، يقول ضميرية "إذا استمرت المشاكل التي نواجهها لناحية تغيّر المناخ وغلاء الأسعار، من الممكن أن أتخلى عن المهنة بشكل كامل". 

وأنتج النزاع الدامي أزمة اقتصادية خانقة ضاعفت من حدتها عقوبات تفرضها دول غربية على دمشق. وتراجعت قدرة المواطنين الشرائية حتى باتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية. 

ويتنقّل ضميرية بين صناديق النحل المطلية باللونين الأخضر والأبيض التي تلقّاها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن أحد مشاريعها التنموية في سوريا.

وتشتهر بلدة رنكوس بصناعة العسل، لكن موجات الحرّ الشديد وقبلها البرد القارس خلال فصل الربيع قضت على مساحات من النباتات المزهرة التي يتغذّى النحل من رحيقها.

وانخفض عدد قفران النحل في سوريا من 635 ألف قفير قبل الحرب إلى 150 ألفاً عام 2016 حين كان النزاع في أوجه، قبل أن يعود ويتحسّن تدريجياً، وفق ما يقول رئيس اتحاد النحّالين العرب إياد دعبول.

400 ألف قفير 

وألحقت الحرب، وفق تقرير للأمم المتحدة عام 2019، أضراراً بإنتاج العسل الذي كان يعدّ صناعة تقليدية في البلاد، مع انخفاض عدد القفران بنسبة 86 في المئة جرّاء الدمار أو الإهمال من ريف دمشق وصولاً حتى اللاذقية.

وساهم استخدام القنابل على نطاق واسع خلال المعارك في مفاقمة التلوث، بينما يتسبّب سوء استخدام المبيدات وانتشار الطفيليات التي تهاجم الخلايا بارتفاع معدّل وفيات النحل، وفق التقرير ذاته.

ويوجد في سوريا اليوم 400 ألف قفير بلغ إنتاجها خلال العام الحالي نحو ألف و500 طن من العسل حتى الآن مقارنة مع ثلاثة آلاف طن عام 2010. وتراجع أيضاً عدد مربّي النحل من 32 ألفاً إلى 18 ألفاً. 

ويشرح دعبول أن "تطرّف المناخ أثّر كثيراً على النحل وخصوصاً في فصل الربيع الذي يُشكّل أساس دورة حياته"، لا سيما مع "انخفاض درجات الحرارة في موسم الحمضيات الذي يشكّل مرعى أساسياً للنحل".

كما أدى ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة تزداد عاماً بعد عام، إلى اندلاع عشرات الحرائق في المناطق الحرجية. وأودى ذلك، وفق دعبول، "بأكثر من ألف خلية نحل في جبال الساحل، وحرمان النحل من مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية".

وتنعكس مظاهر التغيّر المناخي من تصحّر وتراجع الأمطار وجفاف الأنهر وتطرّف درجات الحرارة بعكس الفصول، لا على النحل فحسب، بل أيضاً على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية.

وأدى النزاع وتداعيات التغير المناخي، وفق المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقّوت، إلى "خفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو خمسين في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة".

ابراهيم ضميرية يعاين قفير نحل

"يهاجر أو يموت"

وسوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي. لكنها أيضاً، بحسب زقوت، "من أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهة التغير المناخي".

وعلى غرار منظمات دولية أخرى تخصّص برامج لدعم تربية النحل في سوريا، وزّعت اللجنة بالتعاون مع منظمات محلية مئات قفران النحل ومستلزمات تربيته على مربين ومزارعين في مدن سورية عدة.

وتقول زقوت لـ"فرانس برس" إن اللجنة تحاول مساعدة الناس "على التكيّف مع تغيرات المناخ لعدم قدرتهم على ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى جانب تبعات الحرب والعقوبات".

في أحد بساتين رنكوس، يقطف المزارع ومربي النحل زياد رنكوسي ثمار تفاح تالفة من شجرة يبست أغصانها جراء قلة المياه.

ويتحسّر على أرض كانت تضمّ أكثر من ألف شجرة، لم يبق منها اليوم سوى 400 جراء الإهمال وتراجع الأمطار من ناحية، وتلف جزء كبير منها خلال فترة المعارك من ناحية أخرى.

وغالباً ما يقطع السكان الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يحلّ قارساً في تلك المنطقة، في ظل شحّ محروقات مزمن تعيشه سوريا في السنوات الأخيرة وانقطاع طويل في التغذية بالكهرباء.

ويقول رنكوسي لـ"فرانس برس" "منذ نحو خمس سنوات، يأتينا قحط وتصحّر لم نعتد عليهما، وهذا العام أتتنا موجة برد قارس (خلال الربيع) وذهب الثمر (..) هذه مظاهر غير مألوفة لسكان رنكوس".

ويضيف "عندما تختفي الأشجار والأزهار، لا يجد النحل ما يرعاه، فيهجر المنطقة أو يموت".