أعاد قرار سحب جنسية الشابة البريطانية شميمة بيغوم، ومنعها من العودة إلى بلادها على خلفية انضمامها لتنظيم داعش، النقاش حول موضوع نزع جنسية المنتمين إلى تنظيمات إرهابية أو المدانين في قضايا إرهاب.

وأقرت كل من بريطانيا وألمانيا وأستراليا وبلجيكا وكندا وهولندا وفرنسا وسويسرا، بدءا من سنة 2015، سلسلة إجراءات وقوانين تفتح الباب أمام سحب جنسية رعاياها المنضمين إلى تنظيمات إرهابية لقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلدانهم.

شميمة، 19 عاما، المعروفة إعلاميا بـ"عروس داعش" كانت سافرت وهي قاصر إلى سوريا قبل أربع سنوات، وتزوجت من مقاتل في التنظيم يحمل الجنسية الهولندية.

وأعلنت قبل أيام رغبتها في العودة إلى بريطانيا. لكن الرد جاء حازما من لندن التي سحبت جنسيتها.

وقال حينها وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد إنه "لن يتردد" في منع عودة أي شخص أيد التنظيمات الإرهابية.

شميمة بيغوم (يمين) عند مغادرتها مطار غاتويك في لندن إلى سوريا في شباط/فبراير 2015.

​​

​​​"قسد" ليست دولة

بمجرد إعلان بريطانيا نزع جنسية شميمة بيغوم، أعلنت حكومة بنغلاديش بدورها أنها لن تسمح بدخولها الشابة البريطانية إلى أراضيها لأنها لا تحمل الجنسية البنغالية (جنسية والديها).

وتقبع شميمة في قبضة "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن الميليشيا ذات الأغلبية الكردية لا تتمتع بنظام قضائي معترف به دوليا يسمح لها بمحاكمة معتقلي داعش.

ودعت القوات، المدعومة أميركيا، إلى تأسيس محكمة دولية لمحاكمة مقاتلي داعش الأجانب.

مصطفى بالي، الناطق الرسمي باسم سوريا الديمقراطية، قال إن قواته تعتقل أكثر من 1300 مقاتلي أجنبي، دون احتساب المقاتلين العراقيين.

وأوضح بالى في تصريحات لوكالة الصحافة الألمانية: "طلبنا من مختلف الدول أن ترحل مواطنيها إلى بلدانهم، ما دمنا لا نملك أرضية قانونية معترفا بها في شمال سوريا. لكننا لم نتلق أي رد".

وشدد الناطق الرسمي باسم "قسد": "نطالب الأمم المتحدة بأن تنشئ محكمة دولية خاصة لمحاكمة إرهابيي داعش".

وتسبب تردد الدول الأوروبية في تسلم مقاتليها الأجانب في غضب الولايات المتحدة الأميركية.

وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن “البديل لن يكون جيدا". وقال "سوف نضطر إلى إطلاق سراحهم”.

​​​​وتحتجر أكثر من 800 مقاتل أوروبي.

 

أدلة ناقصة!

تمثل محاكمة المقاتلين الأجانب في بلدانهم تحديا حقيقيا للدول الغربية.

في كندا، التي يوجد 13 من مواطنيها على الأقل في قبضة قوات سوريا الديمقراطية (بنهاية سنة 2018)، قال وزير الأمن العام رالف غوديل إن جمع الأدلة "يمثل تحديا للدول الغربية".

وأضاف "لا يمكن لدولة لوحدها أن تتعامل مع هذه (القضية)".

وكان الوزير الكندي يتحدث لهيئة الإذاعة الكندية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وفي بداية هذا الشهر، جدد غوديل تصريحاته السابقة: "الأمر صعب عندما يكون مصدر معظم الأدلة من ساحة معركة، في جزء مدمر من هذا العالم".

لكن مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات القتل خارج القضاء أغنيس كالامارد تدعم ترحيل المقاتلين ومحاكمتهم في بلدانهم.

وعللت لامارد موقفها بالقول إن قوات سوريا الديمقراطية لا تمثل دولة.

لكن المسؤولة الأممية أوضحت أن المقاتلين المحتجزين في العراق يمكم أن يعاقبوا وفق قانون العقوبات العراقي.

وينص قانون مكافحة الإرهاب في العراق على إعدام المتورطين في قضايا إرهاب (المادة 4)، وهو ما تتحفظ عليه كثير من الدول الغربية.

بدون جنسية!

تركز قرارات نزع الجنسية التي تصدرها حكومات أوروبية بالأساس على المقاتلين الأجانب مزدوجي الجنسية لدفعهم إلى الرحيل إلى بلدانهم الأصلية.

ويفسر أحمد حبيب السماوي، وهو باحث في القضايا الأمنية وشؤون الجماعات الجهادية، موقف الدول الأوربية هذا بالتخوف من تكرار الهجمات على أراضيها وعجز الاستخبارات الأوروبية في منع حصولها.

ومع ذلك، يعتقد السماوي، المقيم في فرانكفورت، بأن “عملية نزع الجنسية خطأ جسيم لن يحل المشكلة”، كما صرح لموقع (ارفع صوتك).

خلافا للسماوي، يقول يوسف عبد القادر، الباحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ومركزه بلجيكا، إن “نزع الجنسيات الأوروبية هو الحل الوحيد للخروج من أزمة عودة الدواعش إلى أوروبا”.

ويفضل عبد القادر محاكمة مقاتلي داعش في "أماكن ارتكاب الجرائم".

وقبل عامين، تسبب موضوع نزع جنسية المقاتلين الأجانب في استقالة وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا احتجاجا على مشروع قانون قدمته الحكومة ينص على إسقاط الجنسية الفرنسية مزدوجي الجنسية الذين يثبت تورطهم في أعمال إرهابية.

وبررت الوزيرة استقالتها بأن قانون نزع الجنسية التي اقترحته الحكومة الفرنسية يناقض مبدأ "حق الأرض"، أي حق اكتساب الجنسية بالولادة.

وتصطدم عملية نزع الجنسية أيضا بعقبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص مادته 15 على أن “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".