رجال ينتظرون في سيارة بعد خروجهم من قرية الباغوز
رجال ينتظرون في سيارة بعد خروجهم من قرية الباغوز

"خلافة" داعش تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لم يبق من "الدولة" التي كان يوما تضاهي مساحة بريطانيا سوى أقل من كيلومتر مربع في قرية الباغوز شمال شرق سوريا، يتحصن به حوالي بضع عشرات من المقاتلين.

يتصارع هؤلاء المقاتلون بينهم: هل يدافعون على ما تبقى من أرض "الخلافة" أم يستسلمون؟!

في نقطة الفرز المخصصة لتفتيش الخارجين من الباغوز، يشكك أحمد الجورة (32 عاما) في قدرة مقاتلي التنظيم على الصمود لفترة طويلة.

يقول أحمد في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: "هناك من يريد القتال، وآخرون لا يريدون، ومنهم من يريد الفرار".

وترجح قوات سوريا الديموقراطية وجود المئات من المقاتلين المحاصرين في نصف كيلومتر مربع داخل بلدة الباغوز، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المدنيين، رغم إجلاء أكثر من تسعة آلاف شخص في غضون أسبوع، غالبيتهم من عائلات الجهاديين.

يدعي أحمد المنحدر من محافظة حمص أنّه لم يقاتل يوما مع داعش رغم أنهم "يعيشون معنا في مساحة صغيرة جدا".

وقبل يومين، نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر عمليات استسلام لمقاتلين من داعش، ولخروج نازحين من الباغوز.

في أحد الفيديوهات، يقول أحد الخارجين من الباغوز: "أنا من زمان كنت أريد أطلع!"​

​​ويضيف، وهو يتنفس بصعوبة: "فيه ناس ظلوا هناك، يريدون القتال، هم يريدون الموت".

ويوضح الرجل، الذي يبدو في الثلاثينات من عمره، أن اسمه سلطان الشمري وأنه ينحدر من مدينة حائل في السعودية.

ويقول "في الباغوز، حصار وجوع.. وشدة".

أما أحمد، فيؤكد في تصريحاته لوكالة الصحافة الفرنسية أن مقاتلي داعش لم يعودوا يملكون "مقومات للقتال". ويسأل "لم يعد هناك من طعام. فكيف تقاتل؟ السلاح يحتاج إلى قوة لحمله".

وأحمد من بين قلة من الرجال سمحت قوات سوريا الديموقراطية لوسائل الإعلام بالتحدث إليهم، تقول وكالة الصحافة الفرنسية.

​​وأجلت قوات سوريا الديموقراطية منذ أسبوع أربع دفعات من الباغوز، غالبيتهم من النساء والأطفال من عائلات مقاتلي التنظيم.

ويقول قياديون في صفوف هذه القوات إنهم ينتظرون انتهاء عملية الإجلاء لشن هجوم على جيب التنظيم المحاصر في حال عدم استسلام المقاتلين المتبقين.

أحزمة ناسفة وسلاح

أقلت نحو ثلاثين شاحنة الثلاثاء المئات من الأشخاص من نساء ورجال وأطفال إلى نقطة الفرز الواقعة على بعد عشرين كيلومتراً شمال الباغوز.

وتروي عدد من النساء المنقبات، ويرتدين قفازات سوداء، لوكالة الصحافة الفرنسية أن سيارة تابعة لـ"الحسبة"، أي شرطة التنظيم، تجولت في المنطقة المحاصرة وأبلغت العائلات والجرحى أن لهم حرية الخيار بالبقاء أو الخروج إلى نقاط قوات سوريا الديموقراطية.

وتقول نور غروش (20 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما تفترش الأرض مع زوجة شقيقها وإلى جانبها طفل تكفلت بتربيته بعد مقتل والديه: "المقاتلون موجودون في كل مكان".

وتضيف الشابة المنحدرة من محافظ الحسكة (شمال شرق) "يمشون في الشوارع بأسلحتهم وجعبهم وأحزمتهم الناسفة".

ولا يزال الكثير من السوريين والعراقيين والأجانب موجودين داخل الجيب المحاصر وفق شهادات الخارجين حديثا. ويبدو أن الأجانب منهم يتمتعون بحظ أوفر من سواهم بسبب قدراتهم المادية.

وتوضح نور "هناك أنصار ومهاجرون.. يشترون ما يريدون، لكن نحن ويا لحسرتنا، لا شيء لدينا". وتضيف "ثمّة أشخاص لم يتغير عليهم شيء في الحصار بينما آخرون ماتوا".

* ارفع صوتك بتصرف عن وكالة الصحافة الفرنسية.

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".