"جاءت إلينا لجنة من وزارة الصحة وطلبت منا إخلاء المبنى"، يقول الطبيب محمد الشيخ.

أغلقت السلطات التركية، منذ بداية آذار/مارس الحالي، عدة مراكز طبية يديرها أطباء سوريون في مدينة إسطنبول.

"جاءت إلينا لجنة من وزارة الصحة وطلبت منا إخلاء المبنى، لأن هناك قرارا بإغلاق المراكز الطبية السورية غير المرخصة"، يقول الطبيب محمد الشيخ.

وتشن السلطات التركية حملة منظمة لضبط المراكز الطبية السورية التي تعمل دون ترخيص أو دون معادلة الأطباء العاملين بها لشهاداتهم لدى الجامعات التركية.

في اسطنبول وحدها يوجد أكثر من 20 مركزا كبيرا

​​

وظلت هذه المراكز تعمل بشكل غير قانوني طوال السنوات الماضية.

وغطت الحكومة التركية الطرف عنها بسبب الأعداد الهائلة من اللاجئين الذين تدفقوا على البلاد منذ سنة 2011.

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد هذه المراكز، لكن في اسطنبول وحدها يوجد أكثر من 20 مركزا كبيرا دون احتساب العيادات الطبية الخاصة.

وتضم هذه المراكز أقساما للطب العام، والجراحة، وطب الأسنان، ومختبرات ومراكز تحاليل.

فاجأت الحملة الأطباء السوريين. "توقعنا أن نحصل في البداية على إنذار، لأن هذا ما يحصل عادة لأي نشاط غير مرخص بتركيا"، يقول محمد الشيخ.

يلفت الطبيب السوري إلى أن إغلاق المراكز الطبية السورية يأتي أشهرا بعد حملة مماثلة لإغلاق المدارس السورية في تركيا.

مؤيدون ومعارضون

خلف إغلاق المراكز الطبية السورية ردود فعل مختلفة بين اللاجئين.

يقول اسماعيل جابر، وهو لاجئ سوري يقيم في اسطنبول، إن الحملة التركية الأخيرة "ستخلق أزمة صحية لدى اللاجئين السوريين، خاصة أولئك الذين لا يتقنون اللغة التركية".

لكنه يتفهم قرار الحكومة التركية. "لست مع عمل السوريين بشكل عشوائي"، يقول إسماعيل. ويضيف "ما دامت نيتنا الاستقرار في تركيا، علينا الاندماج مع المجتمع التركي وسلك الطرق التي يسلكها الأتراك في أي نشاط نفتتحه".

بالنسبة لإسماعيل، الذي يقيم في منطقة الفاتح في اسطنبول، فإن قرار الإغلاق كان طبيعيا. "دوام الحال من المحال. ولابد من تنظيم معين لهذه الأعمال مع مرور الوقت"، يقول الشاب السوري.

أما مالك الأحمر، وهو أيضا لاجئ سوري يعيش في اسطنبول، فيعترض على قرار الإغلاق.

"قبل أن يغلقوا المراكز الطبية، عليهم معالجة مشاكل المرضى من السوريين الذين يرتادون هذه المراكز، ومن ثم يتخذون مثل هذه القرارات"، يقول مالك.

ويحتج مالك بارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات التركية.

وتتراوح أجرة الكشف الطبي في المراكز الطبية السورية بين 20 و40 ليرة تركية، بينما ترتفع في المستشفيات التركية إلى 90 وحتى 150 ليرة أحيانا.

"ماذا سيفعل من لا يملك بطاقة الكيملك؟" يتساءل أحمد.

وتمكن بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) اللاجئين السوريين من الاستفادة من العلاج المجاني في المستشفيات التركية، لكن أغلب اللاجئين لا يمتلكونها.

وفي حالات كثيرة، اضطر لاجئون لدفع مبالغ تتراوح بين 100 إلى 700 دولار أميركي لسماسرة من أجل التوسط للحصول على هذه البطاقة.

"ماذا سيفعل من لا يملك بطاقة الكيملك؟" يتساءل أحمد

​​

وأوقفت مديرية الهجرة التركية منح "الكيملك" نهائيا في عدد من الولايات والمدن التركية، فيما عقدت ولايات أخرى إجراءات الحصول عليها.

وتداولت وسائل إعلام تركية، الشهر الفائت، صورا للاجئين سوريين يقضون الليل أمام مبنى الهجرة التركي في مدينة مرسين من أجل الحصول على موعد في اليوم التالي بسبب الازدحام الشديد.

مراكز تركية للاجئين؟

أشارت وكالة التركية الرسمية (الأناضول) إلى أن الحكومة التركية أطلقت العام الفائت، بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، دورات للأطباء السوريين لستة أسابيع لتدريبهم على الاندماج في النظام الصحي التركي.

وسيتم تعيين هؤلاء الأطباء في مراكز طبية للاجئين تنشأ مستقبلا.

وفي ولايتي عنتاب ومرسين، اللتين سبقتا إسطنبول في إغلاق المراكز الطبية السورية، تلقى الأطباء تدريبات لتأهيلهم للعمل في المشافي التركية. وهو ما تم لاحقا.

ويعيش في مدينة إسطنبول أكثر من نصف مليون لاجئ سوري، من ضمن ثلاثة ملايين ونصف لاجئ في مجمل تركيا.

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".