تحل اليوم الذكرى الثامنة لاندلاع "الثورة السورية"، التي بدأت بتظاهرات سلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن تتحول إلى حرب طاحنة.
وبعد ثماني سنوات من الفوضى والنزاع الدامي الذي خلف نحو نصف مليون قتيل، لا يزال المشهد العسكري والأمني والإنساني قاتما مع انعدام أي مؤشرات لحل سياسي قريب.
وعلى الرغم من انحسار نفوذ تنظيم داعش، الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك تحت ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهجمات قوات سورية الديمقراطية، فإن معظم المناطق غير الخاضعة للنظام السوري شمالي البلاد هي الآن تحت رحمة جماعات مصنفة إرهابية وحركات المعارضة المسلحة.
ومنذ الأشهر الأولى بدأت الاحتجاجات، بدأت تتشكل عشرات الحركات المسلحة، تحت مسميات عدة انخرطت جميعها في صفوف المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد.
وفي خضم هذه الفوضى والفراغ الأمني والسياسي واطلاق سراح مئات المعتقلين على ذمة قضايا إرهابية من قبل نظام الأسد في 2011، برزت فصائل جهادية (بعضها على لائحة الإرهاب)، أهمها “جيش الإسلام” و “أحرار الشام” و“صقور الشام” و“جبهة النصرة”، و“تنظيم حراس الدين” و“جيش الفتح” و“فيلق الشام” و“جند الأقصى”، و“جيش السُنة”، وتنظيم داعش.
ويلقي ثوار وناشطون وكتاب ومحللون سوريون بقدر كبير من اللوم على هذه الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في هزيمة المعارضة المسلحة أمام نظام الرئيس الأسد.
“منذ انطلاقة الثورة السورية برزت الشعارات الإسلامية المتطرفة. وتم توصيف النظام السوري بأنه نصيري كافر. الأمر الذي أزاح العديد من المكونات من المشهد بينها اليساريون”، يقول لموقع (ارفع صوتك) مصطفى الخليل، وهو صحافي وباحث سوري في شؤون الجماعات المتطرفة.
خارطة النفوذ السورية
عشية دخول الصراع في سوريا عامه التاسع، تُظهر أحدث خرائط تقسيم النفوذ تراجعا واضحا لمساحة سيطرة داعش إلى نسبة تقترب من الصفر، بعد أن كان التنظيم الإرهابي يسيطر على أكثر من نصف الأراضي السورية عام 2014.
التنظيم اليوم على وشك خسارة آخر جيوبه الرئيسة في منطقة الباغوز شرقي سورية قرب الحدود العراقية.
ورغم أهمية إلحاق هزيمة بداعش في الباغوز وتفكيك "خلافته"، إلا أن التنظيم مازال ينشط في مناطق نائية بسوريا.
وسيستمر كمصدر تهديد أمني بشن هجمات متفرقة ضمن خلايا صغيرة كوسيلة ضغط وانتقام.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا حاليا عل قرابة ثلث الأراضي السورية حسب تقرير لـمركز جسور للدراسات (منظمة مدنية سورية) أصدره مطلع الشهر الجاري.
وما تزال فصائل معارضة سورية (بما فيها المصنفة إرهابية) تسيطر على 10.3 في المئة من أراضي البلاد، حسب التقرير ذاته.
وارتفعت نسبة سيطرة نظام الأسد خلال الفترة الأخيرة لتبلغ 61.88 في المئة من الأرضي السورية.
النصرة وحراس الدين
وتتقاسم هيئة “تحرير الشام” التي كانت تعرف سابقا بجبهة النصرة، و “تنظيم حراس الدين” التابع لتنظيم القاعدة النفوذ في أغلب مساحات محافظة إدلب وريف حلب الغربي.
وتسيطر مجموعات أخرى تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”، بينها حركة “أحرار الشام” و “صقور الشام”، على بعض المناطق هناك.
لكن “تحرير الشام” أجبرت الكثير منها خلال الأشهر الأخيرة بقوة السلاح على تسليم مناطقها واخضاعها لقيادتها العسكرية، في مسعى واضح لتوجهات الهيئة بتوسيع نفوذها وإحكام السيطرة على الشمال السوري.
وعرفت جبهة النصرة منذ بداية صعودها بارتباطها بتنظيم “القاعدة”، قبل أن يعلن قائدها انشقاقه عن التنظيم العالمي منتصف 2016.
وتصنفها الولايات المتحدة الأميركية جماعة إرهابية. ورصدت مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على الإطاحة بزعيمها أبي محمد الجولاني.
ورغم الانشقاقات التنظيمية التي عصفت بهذه الجماعة في الفترة الماضية، لكن ثقلها تصاعد مع سيطرتها على الهيئة الإدارية لـ“حكومة الإنقاذ”، التي تدير الحياة اليومية في الشمال السوري.
ويعد “حراس الدين” الذي تشكل مطلع العام الماضي من أقوى الحركات الجهادية حاليا في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بحماة واللاذقية.
ولا يزيد عدد مسلحي هذا التنظيم، التابع رسميا “للقاعدة”، عن 2000 عنصر، كثير منهم من دول شبه الجزيرة العربية.
وشهدت الأسابيع الأخيرة أجواء توتر، لم تخلُ من الاشتباكات المسلحة المحدودة، بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين، على خلفية ترتيب الأوضاع الإدارية والعسكرية الهشة في إدلب
وتسع الهيئة إلى تقديم نفسها كفصيل "جهادي محلي معتدل" بحثا عن دور مستقبلي محتمل، حسب مركز جسور للدراسات في تقريره المفصل “حصاد الجماعات الإسلامية المعارضة في سورية عام 2018”، الصادر منذ شهرين تقريبا.
ومن بين الخلافات القائمة حتى اللحظة بين الجهتين، سلاح “تحرير الشام” المتنازع عليه منذ انشقاق قائد الجبهة أبي محمد الجولاني عن تنظيم “القاعدة” قبل أكثر من عامين ونصف، حيث يطالب قادة “حراس الدين” بحصتهم من ذلك السلاح، الذي يرفض الجولاني تسلميه.
وفضل قادة حراس الدين الحفاظ على ولائهم للقاعدة عقب فك الارتباط الذي أعلنه الجولاني.
وقال مركز جسور إن “التنظيمات السلفية والجهادية في منطقة إدلب الكبرى تعاني من هاجس البقاء والاستمرار.. فمثلا “حراس الدين” الباحث عن إعادة أمجاد القاعدة ينتظر الفرصة لفرض نفسه في الساحة، لكن الواقع المحيط به يحتم عليه خيارات ضيقة كالانضمام إلى الفصائل المحلية أو مواجهة خيار الاقتتال الحتمي، أو حل نفسه والعودة إلى استراتيجية الخلايا الصغيرة”.
ويؤكد تقرير المركز ذاته أن انتهاء دولة “داعش” في العراق والشام، “لا يعني انتهاء التنظيم وحلم الخلافة، لكن ظهوره العلني مرة أخرى يحتاج إلى فترة انتقالية يرتب فيها صفوفه واستراتيجياته”.