مقاتلون من جبهة النصرة بمدينة حلب سنة 2013
مقاتلون من جبهة النصرة بمدينة حلب سنة 2013

تحل اليوم الذكرى الثامنة لاندلاع "الثورة السورية"، التي بدأت بتظاهرات سلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن تتحول إلى حرب طاحنة.

وبعد ثماني سنوات من الفوضى والنزاع الدامي الذي خلف نحو نصف مليون قتيل، لا يزال المشهد العسكري والأمني والإنساني قاتما مع انعدام أي مؤشرات لحل سياسي قريب.

وعلى الرغم من انحسار نفوذ تنظيم داعش، الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك تحت ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهجمات قوات سورية الديمقراطية، فإن معظم المناطق غير الخاضعة للنظام السوري شمالي البلاد هي الآن تحت رحمة جماعات مصنفة إرهابية وحركات المعارضة المسلحة.

ومنذ الأشهر الأولى بدأت الاحتجاجات، بدأت تتشكل عشرات الحركات المسلحة، تحت مسميات عدة انخرطت جميعها في صفوف المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد.

وفي خضم هذه الفوضى والفراغ الأمني والسياسي واطلاق سراح مئات المعتقلين على ذمة قضايا إرهابية من قبل نظام الأسد في 2011، برزت فصائل جهادية (بعضها على لائحة الإرهاب)، أهمها “جيش الإسلام” و “أحرار الشام” و“صقور الشام” و“جبهة النصرة”، و“تنظيم حراس الدين” و“جيش الفتح”  و“فيلق الشام” و“جند الأقصى”، و“جيش السُنة”، وتنظيم داعش.

ويلقي ثوار وناشطون وكتاب ومحللون سوريون بقدر كبير من اللوم على هذه الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في هزيمة المعارضة المسلحة أمام نظام الرئيس الأسد.

“منذ انطلاقة الثورة السورية برزت الشعارات الإسلامية المتطرفة. وتم توصيف النظام السوري بأنه نصيري كافر. الأمر الذي أزاح العديد  من المكونات من المشهد بينها اليساريون”، يقول لموقع (ارفع صوتك) مصطفى الخليل، وهو صحافي وباحث سوري في شؤون الجماعات المتطرفة.

خارطة النفوذ السورية

عشية دخول الصراع في سوريا عامه التاسع، تُظهر أحدث خرائط تقسيم النفوذ تراجعا واضحا لمساحة سيطرة داعش إلى نسبة تقترب من الصفر، بعد أن كان التنظيم الإرهابي يسيطر على أكثر من نصف الأراضي السورية عام 2014.

التنظيم اليوم على وشك خسارة آخر جيوبه الرئيسة في منطقة الباغوز شرقي سورية قرب الحدود العراقية.

ورغم أهمية إلحاق هزيمة بداعش في الباغوز وتفكيك "خلافته"، إلا أن التنظيم مازال ينشط في مناطق نائية بسوريا.

وسيستمر كمصدر تهديد أمني بشن هجمات متفرقة ضمن خلايا صغيرة كوسيلة ضغط وانتقام.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا حاليا عل قرابة ثلث الأراضي السورية حسب تقرير لـمركز جسور للدراسات (منظمة مدنية سورية) أصدره مطلع الشهر الجاري.

وما تزال فصائل معارضة سورية (بما فيها المصنفة إرهابية) تسيطر على 10.3 في المئة من أراضي البلاد، حسب التقرير ذاته.

وارتفعت نسبة سيطرة نظام الأسد خلال الفترة الأخيرة لتبلغ 61.88 في المئة من الأرضي السورية.

النصرة وحراس الدين

وتتقاسم هيئة “تحرير الشام” التي كانت تعرف سابقا بجبهة النصرة، و “تنظيم حراس الدين” التابع لتنظيم القاعدة النفوذ في أغلب مساحات محافظة إدلب وريف حلب الغربي.

وتسيطر مجموعات أخرى تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”، بينها حركة “أحرار الشام” و “صقور الشام”، على بعض المناطق هناك.

لكن “تحرير الشام” أجبرت الكثير منها خلال الأشهر الأخيرة بقوة السلاح على تسليم مناطقها واخضاعها لقيادتها العسكرية، في مسعى واضح لتوجهات الهيئة بتوسيع نفوذها وإحكام السيطرة على الشمال السوري.

وعرفت جبهة النصرة منذ بداية صعودها بارتباطها بتنظيم “القاعدة”، قبل أن يعلن قائدها انشقاقه عن التنظيم العالمي منتصف 2016.

وتصنفها الولايات المتحدة الأميركية جماعة إرهابية. ورصدت مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على الإطاحة بزعيمها أبي محمد الجولاني.

ورغم الانشقاقات التنظيمية التي عصفت بهذه الجماعة في الفترة الماضية، لكن ثقلها تصاعد مع سيطرتها على الهيئة الإدارية لـ“حكومة الإنقاذ”، التي تدير الحياة اليومية في الشمال السوري.

ويعد “حراس الدين” الذي تشكل مطلع العام الماضي من أقوى الحركات الجهادية حاليا في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بحماة واللاذقية.

ولا يزيد عدد مسلحي هذا التنظيم، التابع رسميا “للقاعدة”، عن 2000 عنصر، كثير منهم من دول شبه الجزيرة العربية.

وشهدت الأسابيع الأخيرة أجواء توتر، لم تخلُ من الاشتباكات المسلحة المحدودة، بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين، على خلفية ترتيب الأوضاع الإدارية والعسكرية الهشة في إدلب

وتسع الهيئة إلى تقديم نفسها كفصيل "جهادي محلي معتدل" بحثا عن دور مستقبلي محتمل، حسب مركز جسور للدراسات في تقريره المفصل “حصاد الجماعات الإسلامية المعارضة في سورية عام 2018”، الصادر منذ شهرين تقريبا.

ومن بين الخلافات القائمة حتى اللحظة بين الجهتين، سلاح “تحرير الشام” المتنازع عليه منذ انشقاق قائد الجبهة أبي محمد الجولاني عن تنظيم “القاعدة” قبل أكثر من عامين ونصف، حيث يطالب قادة “حراس الدين” بحصتهم من ذلك السلاح، الذي يرفض الجولاني تسلميه.

وفضل قادة حراس الدين الحفاظ على ولائهم للقاعدة عقب فك الارتباط الذي أعلنه الجولاني.

وقال مركز جسور إن “التنظيمات السلفية والجهادية في منطقة إدلب الكبرى تعاني من هاجس البقاء والاستمرار.. فمثلا “حراس الدين” الباحث عن إعادة أمجاد القاعدة ينتظر الفرصة لفرض نفسه في الساحة، لكن الواقع المحيط به يحتم عليه خيارات ضيقة كالانضمام إلى الفصائل المحلية أو مواجهة خيار الاقتتال الحتمي، أو حل نفسه والعودة إلى استراتيجية الخلايا الصغيرة”.

ويؤكد تقرير المركز ذاته أن انتهاء دولة “داعش” في العراق والشام، “لا يعني انتهاء التنظيم وحلم الخلافة، لكن ظهوره العلني مرة أخرى يحتاج إلى فترة انتقالية يرتب فيها صفوفه واستراتيجياته”.

 

مواضيع ذات صلة:

FILE - Children gather outside their tents at the al-Hol camp, which houses families of members of the Islamic State group, in…
أطفال يلهون أمام خيامهم في معسكر "الهول"- أرشيفية

قررت 11 امرأة و30 طفلاً أستراليين محتجزين في مخيم "الهول" رفع دعوى قضائية ضد حكومة بلادهم للضغط من أجل إجبارها على إعادتهم إلى وطنهم.

ولا ترفض أستراليا استعادة مواطنيها المحتجزين في معسكرات اعتقال "عائلات داعش" لكنها تتبنّى سياسة بطيئة في هذا الشأن أسفرت عن استعادة 4 نساء و13 طفلاً العام الماضي فقط.

وسبق وأن اهتزَّ الرأي العام الأسترالي بأنباء معاناة عددٍ من الأطفال الأستراليين داخل المخيم، مثل الطفل يوسف ذي الـ11 عاماً الذي أصيب بالسُل ومات متأثراً به، وفي 2021 تعرضت فتاة أسترالية لمحنة مرضية صعبة بسبب سوء التغذية، وقبلها بعامٍ أصيبت طفلة في الثالثة من عُمرها بـ"قضمة صقيع" في أصابعها بسبب البرد القارص الذي اجتاح المخيم.

بسبب عملية الاستعادة الأخيرة تلك قرّرت مجموعة النساء الأستراليات رفع دعوى قضائية أمام المحكمة العُليا في ملبورن، يُطالبن فيها بإصدار "أمر إحضار" للحكومة لإنقاذهن من "الظروف البائسة والمروعة" التي يعشن بها منذ سنوات.

أعادت تلك القضية تسليط الضوء على الأوضاع المزرية التي تعيشها آلاف النساء والأطفال داخل مخيمات تقع في الأراضي السورية وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة الإنسانية، إلى درجة دفعت وسائل إعلام عالمية إلى وصفه بأنه "غوانتانامو جديد في سوريا".

بداية الأزمة

نشأت مشكلة مخيم "الهول" عقب نجاح التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في إنهاء دولة داعش التي امتدّت حدودها إلى شمال شرق سوريا.

بدءاً من شهر فبراير 2019 جرت عملية اعتقال واسعة بحق زوجات وقريبات وأطفال مقاتلي "داعش" الذين ماتوا في المعارك أو فرّوا إلى جبهات قتال أخرى.

الآن يعيش في مخيميْ "روج" و"الهول" قرابة 10 آلاف مواطن أجنبي ينتمون إلى 60 دولة تقريباً وتزيد نسبة الأطفال فيهما عن 60%.

أكثر من 80% من هؤلاء الأطفال أعمارهم تقلّ عن 12 عاماً فيما تبلغ نسبة الذين بلغوا الخامسة أو أقل قرابة 30%، وهو ما يعني أن بعضهم قضى أغلب حياته -أو حياته كلها- داخل المخيمات.

تقع هذه المخيمات في منطقة الإدارة الذاتية التي يديرها الأكراد بمعزلٍ عن سيطرة الحكومة السورية. مراراً أعلنت السُلطة الكردية أنها عاجزة عن إيواء هذا العدد الضخم من قاطني المخيّم وطالبت الدول الأجنبية العمل على إعادة مواطنيها إلى بلادهم.

رحلة العودة الصعبة

منذ 2019 أعادت بعض الدول مثل الدنمارك وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وأوزبكستان وغيرها جميع مواطنيها -أو أغلبهم على الأقل- إلى أراضيها.

في بداية العام الماضي وافقت الدنمارك على السماح للأطفال بالعودة إلى بلادهم لكن دون أمهاتهم حيث اعتبرتهن خطراً على أمنها القومي.

دولٌ أخرى تبنّت موقفاً رافضاً لإعادة مواطنيها مثل كندا والمغرب والمملكة المتحدة فيما اتخذت دول أخرى مثل أستراليا وفرنسا وهولندا موقفاً متأرجحاً بين تحفّظ أولي ثم تراجع وبدء جهود بطيئة لاستعادة مواطنيها تدريجياً.

حتى الآن لا يزال آلاف الأطفال يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل المخيمات حُرموا فيها من الطعام والمأوى وفي بعض الأحيان ماتوا بسبب الأمراض وحوادث العنف التي يشهدها المخيم من وقتٍ إلى آخر، وسط مخاوف من أن يستغلَّ مقاتلو "داعش" هذه الأوضاع لينشروا أفكارهم المتطرفة بين الأطفال وتكون بمثابة عودة جديدة للتنظيم في المستقبل القريب.

في ختام 2022 ماتت فتاتان داخل مخيم "الهول" تحملان الجنسية المصرية بسبب الأوضاع الصعبة التي عاشتا فيها لسنواتٍ طويلة، ما دفع بعددٍ من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأطفال إلى تكرار مناشدة الحكومات بالتدخل وإعادة جميع النازحين إلى بلادهم.

منذ عدة أشهر حاولت الإدارة الكردية للمخيّم حل مشكلة الأطفال عبر فصلهم عن أمهاتهم وإخضاعهم لبرنامج تأهيلي يشمل تعلُّم الرسم والموسيقى وبعض المهارات العملية وممارسة الرياضة إلا أن هذا البرنامج واجه انتقادات حقوقية دولية بسبب قيامه بحرمان الأطفال من أمهاتهم الامر الذي قد يعرّضهم إلى المزيد من الأضرار.

هذه الخطوة وصفتها ليتا تايلر المديرة المساعدة لقسم النزاعات في "هيومن رايتس ووتش"، بأن هذا الإجراء "احتجاز لأجلٍ غير مسمى دون تهمة للأطفال" معتبرة أن إبعاد المراهقين عن أُسرُهم يسبّب المزيد من الصدمات لهم.

خلال زيارة بعض صحفيي وكالة "أسوشييتد برس" أظهر بعض الصبية عداءً مفرطاً لهم فألقوا الحجارة عليهم وأشار أحدهم بحركة قطع الرأس.

وفي سبتمبر 2022 زار مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة مخيم الهول واطلع على أوضاعه عن كثب ووصفه بأنه "بؤرة للمعاناة الإنسانية" مهددة بالانفجار في أي وقت لصالح "داعش".

تحديات العودة

تستشعر العديد من الدول قلقاً من أن تؤدي استضافة عائلات مقاتلي "داعش" إلى متاعب أمنية داخل بلادهم لذا فإنها لا تمنحهم موافقتها إلا بعد تدبير إجراءات أمنية صارمة قد تصل إلى حدّ حرمان الأمهات العائدات من أبنائهن.

تمتلك هذه الدول بعض المخاوف الأمنية "المنطقية" من أن هؤلاء الأطفال يحملون أفكار آبائهم المتطرفة والدموية، وقد يجعلونها محلَّ التنفيذ يوماً ما أو على الأقل يعملون على نشرها في المحيط الخاص بهم. كل هذه الهواجس تعطّل كثيراً من جهود إعادة أبناء المخيم إلى بلادهم.

دولة مثل بريطانيا قرّرت إغلاق باب العودة تماماً فجردت بعض مواطنيها المنتمين إلى "داعش" من جنسياتهم الإنجليزية لتحوّلهم إلى "عديمي الجنسية" لا يحقُّ لهم المطالبة بالرجوع إلى بريطانيا ولا يقع أي التزام على الحكومة في هذا الصدد، وهو ما جرى مع الطالبة البريطانية شاميما بيجوم التي انضمت إلى تنظيم داعش وهي في الـ15 من عُمرها وانتقلت للعيش في مخيم لاجئين بعد سقوط التنظيم، والآن تُطالب بالعودة بعدما أصبحت حبيسة في المخيم، طلبٌ لم تلتفت له لندن بدعوى أن بيجوم لم تعد مواطنة بريطانية.

في ألمانيا تخضع الأمهات العائدات إلى محاكمات فورية بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وقد يحكم عليهن بالسجن عشرات السنوات مثلما جرى مع جنيفر دبليو التي هربت من ألمانيا إلى العراق حيث انضمّت إلى تنظيم "داعش" وهناك تسبّبت في مقتل فتاة إيزيدية بالاشتراك مع زوجها.

أما في السويد فلقد فُصلتْ الأمهات العائدات عن أبنائهن فور وصولهن إلى الأراضي السويدية ووضعوا في عُهدة وحدة متخصصة في رعاية الأطفال، وهو إجراء قابله الأطفال بالصراخ والبكاء وفي بعض الحالات ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق.

خضعت الأمهات لاستجوابٍ مكثّف استغرق من 24 إلى 48 ساعة بعدها حُرمن من الاتصال بأطفالهن لعدة أسابيع حتى سًمح لهن أخيراً برعايتهم، وفي بعض الحالات النادرة رفضت الحكومة السويدية السماح للأمهات باستعادة أطفالهن بدعوى أنهن ليسن مؤهلات لتربيتهن.

بعض الأبحاث اهتمّت بتأثير هذه التجارب القاسية على نفسية الأطفال الذين تربّوا في أجواء حرب ثم عاشوا بعدها أوضاعاً صعبة داخل المخيمات وهو ما شكّل صدمات متعددة في نفسية هؤلاء الصغار تجعل عملية إعادة دمجهم في المجتمعات الغربية أمراً بالغ الصعوبة.

هذه الصدمات قد تجعل الأطفال عُرضة لارتكاب سلوكيات خطرة في المستقبل مثل تعاطي المخدرات والكحوليات فضلاً عن الإصابة بأمراضٍ نفسية كالقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، كذلك تزداد بينهم احتمالية الإصابة بأمراضٍ مزمنة كالقلب والسكري والسرطان.

تقول ليليان موانري أستاذة الصحة العامة في جامعة تورينس الأسترالية، إنه إذا كان الوقت الذي قضاه الأطفال في المخيمات مؤلماً فإن عملية إعادتهم إلى وطنهم ستكون أيضاً مزعجة، مضيفة أن عملية إعادة توطينهم في بلادهم غالباً ستكون مصحوبة بالوصم والتمييز وهي سلوكيات ستخلّف آثاراً مدمرة على نفسياتهم.

لذا اعتبر قادة عسكريون أميركيون أن هذه العيوب التي تشوب عمليات إخلاء المخيم هي "أكبر عائق أمام ضمان هزيمة كاملة ونهائية لداعش".