تحت يدي أكرم، تتحول الصواريخ والعبوات الناسفة إلى لوحات فنية/ صفحة "الرسم على الموت" على فيسبوك
تحت يدي أكرم، تتحول الصواريخ والعبوات الناسفة إلى لوحات فنية/ صفحة "الرسم على الموت" على فيسبوك

بأدوات بسيطة، يحول الفنان السوري أكرم أبو الفوز، ابن مدينة دوما في ريف دمشق، الصواريخ والقذائف التي كانت تتساقط على مدينته إلى تحف فنية.

تحت يدي أكرم، تتحول الصواريخ والعبوات الناسفة وخوذ الجنود وحتى طلقات الرصاص إلى لوحات.

عرض معرض كامل

​​​سلمية.. سلمية!

يقول الفنان السوري، 40 عاما، إنه يريد برسومه أن يعيد "للثورة السورية" سلميتها.

"كانت بدايات الثورة رائعة بسلمتيها وتنظيمها وروح السلام فيها".

في بداية 2012، اعتقل أكرم أمام حاجز عسكري. ظل معتقلا في أحد الأفرع الأمنية 5 أشهر ونصف تقريبا.

"عند خروجي، كان قد تغير كل شيء. بدأت الثورة تتوجه للتسليح شيئا فشيئا، فشعرت أنه لا بد من عمل يعيد شيئا لسلمية هذه الثورة"، يقول أكرم.

في تلك المرحلة، كان الفنان السوري قد جمع بعض بقايا ومخلفات القصف على مدينة دوما.

حينها، "خطرت لي فكرة الرسم عليها وتجميلها. وبدأت بتنفيذ هذه الفكرة لما تحمله من روح السلام لهذه الثورة"، يقول.

يقول أكرم إنه يريد أن يعيد برسومه "للثورة السورية" سلميتها/ صفحة "رسم على الموت" في فيسبوك

​​اضطر أكرم إلى مغادرة دوما إلى إدلب شمال سوريا عقب موجة التهجير الأخيرة بداية سنة 2018. وما يزال يقيم هناك.

ولد أكرم في مدينة دوما سنة 1979، لعائلة متوسطة. لم يتعلم الرسم في أي مدرسة أو أكاديمية. اعتمد على نفسه وموهبته فقط.

أطلق الفنان السوري على مشروعه اسم "الرسم على الموت"، وعرضت لوحاته في معارض عديدة داخل سوريا وفي دول عربية وأوربية.

"مشروع الرسم على الموت له نصيب من اسمه. كل من رأى هذه المخلفات من الحرب بهذا الشكل وهذه الألوان ستتضح له الفكرة تماماً. لقد عانى الشعب السوري من ويلات الحرب كثيرا، لكنه أثبت أنه شعب يحب الحياة ويتوق لها ويبحث عنها"، يؤكد أكرم.

ويضيف: "هذه الأعمال تمثل حبنا للحياة كسوريين. وهي رسالة لكافة شعوب الأرض بأننا شعب نحب السلام ولسنا إرهابيين".

​​يؤمن أكرم ابو الفوز بـ"الثورة" التي اندلعت في بلاده للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، رغم أنه يفضل أنها لو بقيت سلمية.

"هذه الثورة ثورة كرامة وثورة حق. وهذا الشعب الثائر لديه جذور في الأرض وأصالة وعراقة وتاريخ. وهذا ما نريد أن نوصله للعالم أجمع".

في لوحاته، يظهر إيمانه بـ"الثورة السورية" واضحا. عبارات "ارحل" و"ثورة حتى النصر" تتكرر أكثر من مرة.

شعار "ثورة حتى النصر" نقشه أكرم على صاروخ أطلقه النظام السوري

​​يريد أكرم أن يتحول مشروعه إلى عمل يوثق معاناة شعبه. "عملت على توثيق ما يتم قصفنا به، وهو محرم دولياً. أكثر رسوماتي ركزت على القنابل العنقودية المضادة للأفراد وغيرها".

يتمنى الفنان السوري اليوم شيئا وحيدا: "يكفي قتل! يكفي دماء!. نحن كسوريين لنا الحق في الحياة مثل باقي شعوب العالم".

لوحات محاصرة

شارك أكرم في معارض عربية ودولية مختلفة. لكن دون أن تغادر أعماله جدران بيته في إدلب، حيث يقيم.

"أقمت معرضا خاصا في دولة قطر، وشاركت في ملتقى أوكسفورد ببريطانيا في متحف اوكسفورد. لكن المعارض اقتصرت على صور الأعمال فقط، لأن الحصار الجغرافي لم يتغير. فالشمال السوري مثل الغوطة الشرقية، لا خروج منه ولا دخول".

منعت الحرب أكرم من المشاركة في معارض أميركية وأوربية. لكنه يواصل العمل على مشروعه.

"بعد تهجيري القسري من مدينة دوما، أصبحت كحال كل المهجرين لا مأوى ولا ذكريات ولا عائلة ولا عمل. أنا اليوم أتابع ما بدأت به منذ خمسة أعوام وأجعل من مكان سكني مرسماً وأجهز قطعاً جديدة من مخلفات الحرب الموجودة"، يقول الفنان السوري.

ينقش أكرم رقم 8 على صاورخ عنقودي بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة السورية

​​في الذكرى الثامنة للثورة السورية، منتصف هذا الشهر، نقش أكرم على بقايا صاروخ عنقودي لطائرة حربية قصفت المدنيين في سوريا.

"أتمنى أن تنتهي كل الحروب على هذا الكوكب وتصبح الذخائر والأسلحة ملونة ومزخرفة كما نريدها أن تكون".

يقول إن مشروعه "الرسم على الموت "قتل الخوف في قلوب أبنائه. أصبح منظر هذه القطع المرسومة شيئا اعتياديا لديهم.. في مرحلة من المراحل، صاروا يعتقدون أن هذه الصواريخ والقذائف تسقط علينا مثلما يروها بالألوان والزخارف".

يتمنى أكرم أن يتمكن من نقل لوحاته إلى الخارج والمشاركة معارض عالمية

​​

لا يعرف الفنان السوري ما يخبئه له المستقبل في بلد أنهكته الحرب منذ ثماني سنوات. لكنه ينتظر اليوم الذي "يستطيع فيه الانطلاق والخروج لإقامة المعارض ويروي للعالم قصص السوريين من خلال هذه القطع".

"بصراحة هناك ضبابية حول مستقبلي.. لا أستطيع أن أقول إن هناك خططا موضوعة ومدروسة. أكثر ما يقال عنها إنها أحلام، ومن هذه الأحلام تأميم مستقبلي ومستقبل أطفالي وإقامة العديد من المعارض الخارجية.. لدي رغبة كبيرة في سرد معاناة الشعب السوري للشعوب الأخرى".

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".