عضوات من "المجلس النسائي الاستشاري" الذي أعلنه مبعوث الأمم المتحدة في سوريا يتحدثن إلى الصحافة عقب إحدى جلسات المفاوضات في جنيف سنة 2016
عضوات من "المجلس النسائي الاستشاري" الذي أعلنه مبعوث الأمم المتحدة في سوريا يتحدثن إلى الصحافة عقب إحدى جلسات المفاوضات في جنيف سنة 2016

لم تُفض جولات محادثات السلام المتعددة في سوريا إلى وضع حل نهائي للأزمة المستمرة هناك منذ أكثر من ثماني سنوات.

وظلت المرأة، طوال الفترة الماضية، مبعدة تقريبا عن عملية صنع السلام وصياغة مستقبل هذا البلد المضطرب.

ولم تتجاوز نسبة النساء 15 في المئة فقط من مجموع المفاوضين في مباحثات السلام السورية في جنيف نهاية 2017، وفي جنيف 3 (2016) شاركت سيدتان من 16 مفاوضا لوفد المعارضة.​

تعتقد أسماء كفتارو، وهي رئيسة منتدى السوريات الإسلامي في العاصمة دمشق، أن "هناك إقصاء واسعا للنساء السوريات في المباحثات.. جميع الأطراف لم تعتمد النساء كشريك رغم مشاركتهن الفاعلة منذ بدء الصراع في العمل الإغاثي والخيري والتنموي".

وتؤكد كفتارو لموقع (ارفع صوتك) "المرأة السورية لم تحقق ذاتها إلا في بعض المناطق المتحضرة في المدن وليس الأرياف".

ولا تتعدى نسبة مشاركة النساء في سوريا 3.1 في المئة في المجالس المحلية، ما يؤكد ضعف مشاركتهن في اتخاذ القرار.

وتشكل النساء في سوريا نصف إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 24 مليون نسمة.

وتشدد كفتارو، وهي أيضا إحدى عضوات المجلس الاستشاري النسائي للمبعوث الأممي الخاص بسوريا، أن المرأة السورية دفعت ثمنا كبيرا خلال سنوات الحرب. لكنها ظلت مهمشة في جولات المفاوضات.

وصنف تقرير منتدى الاقتصاد العالمي، حول "الفجوة بين الجنسين لعام 2018"، سوريا في المرتبة 146 من بين 149 دولة، كأسوأ الدول لمعيشة المرأة، على صعيد حقوق التعليم والاقتصاد والسياسة والصحة.

وترى أسماء كفتارو بأن دور النساء في محادثات جنيف السورية لم يكن أكثر من "مراقبة" فقط.

وفي محاولة لتجاوز هذا التهميش، سعت الأمم المتحدة للدفع بالنساء من خلال تشكيل مجلس نسائي استشاري لمبعوثيها إلى سوريا. ويضم حاليا 18 سيدة من كافة الأطراف والمكونات السورية.​

​​لكن أسماء كفتارو تطالب أن تكون للنساء السوريات مشاركة قوية تساعد في وضع حل لواقع البلاد.

وتتابع "ما نحتاجه بالفعل هو موقف حقيقي من النساء السوريات لإثبات أنفسهن على أنهن صانعات للسلام وقادرات على أن يكن شريكات في صناعة قرار سليم لسوريا بعد هذه الحرب الطاحنة والمؤلمة".

وتسعى الناشطات النسائيات في سوريا إلى تفعيل القرار الأممي 1325، "كي تكون المرأة شريكة في صناعة السلام وإدماجها في المفاوضات وجعلها جزءا من صناعة القرار ومستقبل سوريا"، تقول أسماء.

ويعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 المرأة "عنصرا فاعلا ومؤثرا في السلام والأمن خاصة أثناء تسوية النزاعات".

27 ألف امرأة​

ومطلع آذار/مارس الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إنه "يجب أن يكون للنساء السوريات دور رسمي وفعال في صياغة مستقبل البلاد. وتمثيلهن بفعالية في محادثات السلام، والمفاوضات، وصياغة الدستور، وعمليات بناء السلام الأخرى...".

المنظمة الحقوقية الدولية وثقت العديد من الانتهاكات التي تعرضت لها السوريات خلال سنوات النزاع تورطت فيها مختلف أطراف الصراع بينها جماعات إرهابية.

وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فإن أكثر من 27 ألف امرأة سورية قتلت منذ بدء النزاع عام 2011، بينهن 974 امرأة قتلن على يد تنظيم داعش.

القرارات الدولية

ترجع مية الرحبي، وهي طبيبة وناشطة سياسية ونسوية سورية، تهميش النساء في مسلسل السلام في سوريا إلى "الصفقات" التي قامت بها الدول الكبرى والحرب بالوكالة على الأراضي السورية.

وتدعو السياسية السورية إلى ضرورة تطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار 2254، الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وانتقال سياسي حقيقي.

"القرارات الدولية نصت على كوتا نسائية لا تقل عن 30 في المئة من الوفود المفاوضة، وعلى تمثيل حقيقي للمرأة في مفاوضات السلام، وما يتلوه من حلول لوضع السياسات وإقرار السلام لكن لم يتم الالتزام بذلك"، تقول الحربي لموقع (ارفع صوتك).

وتعتقد أن منح النساء كوتا خاصة في الوفود المفاوضة "ضروري جدا من أجل مشاركة حقيقية للمرأة في بناء ومستقبل سوريا، دون ذلك لا جدوى من أي حلول سياسية وكذلك المفاوضات".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".