متطوعة في الخوذ البيضاء- مصدر الصورة: مجلة فوغ.
متطوعة في الخوذ البيضاء- مصدر الصورة: مجلة فوغ.

نشرت مجلة فوغ مقالا للسوريّة أمل حمو تروي فيه تجربتها في العمل مع منظمة "الخوذ البيضاء" السورية" مدّة عامين.

تقول أمل: "خلال العامين الماضيين، عملت مع الخوذ البيضاء في إنقاذ المدنيين من التفجيرات المتكررة، وسحبهم من تحت الأنقاض وعلاجهم".

وتصف فترة تطوّعها بالقول إنها رأت "أشياء مروّعة". لكن أسوأ ما رأته كان خلال الأسابيع الأخيرة مباشرة بعد مرور الذكرى الثامنة "للثورة السورية".

"منذ شباط/فبراير، وحيث أعيش في شمال شرق سورية، شهدنا قصفاً متكرراً من قوات النظام السوري والروسي، معرّضة حياة نحو 4 ملايين مدنيّ للخطر" تقول أمل في مجلة فوغ في عددها الخاص باليافعين.

وتضيف "حتى 11 نيسان/ أبريل الجاري قُتل 190 شخصاً على الأقل، وفق إحصاءات الأمم المتحدة. نحن خائفون من استعادة النظام السيطرة على مناطقنا". 

خلال هذه الفترة، استمرت أمل في العمل في إنقاذ ضحايا القصف.

ورصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل متطوعين اثنين في "الخوذ البيضاء" في التاسع والعاشر من آذار/مارس الماضي. 

واضطرّت أمل للهرب من بيتها الشهر الماضي بسبب القصف. لكنها عادت مجدداً، لأنها لا تستطيع ترك مدينتها، وفق ما تقول. 

كيف التحقت بـ"الخوذ البيضاء"؟

"الانضمام إليهم كان قدري المحتوم"، تقول أمل.

وتضيف "أنهيت الثانوية وتعلمت التمريض ثم حصلت على وظيفة في مستشفى عام ببلدتي خان شيخون. وحين بدأت الثورة عام 2011، تطوعت مع المسعفين وفرق الإنقاذ". 

تطوعت أمل في مجموعة منقذين وأطبّاء لقرابة عام. في ذلك الوقت لم تكن تحصل على راتب. الوضع المالي في المجمل كان صعبا، ورغم ذلك لم تتوقف عن عملها، حسبما تروي.

بعدها، علمت بحاجة "الخوذ البيضاء" لمتطوعة في مركز "خان شيخون". شجعها أصدقاؤها على الالتحاق بحكم خبرتها الطبيّة. لكن زوجها أبدى بعض المخاوف، قبل يدعمها في النهاية، وتنضم رسمياً في كانون الثاني/ يناير 2017 لفريق النساء.

واجهت أمل معارضة من الرجال في عائلتها ومحيطها، لأن هذا العمل "لا يناسب النساء"، لكنها قررت المواصلة.

كانت هناك حاجة ملحّة لوجود نساء في "الخوذ البيضاء". ففي مجتمع محافظ، ليس مقبولاً لدى الجميع أن يُسعف رجل امرأة.

مجزرة خان شيخون

في أيام عملها الأولى كانت أمل واحدة بين ثماني نساء متطوعات في "خان شيخون".

إضافة إلى تقديم العلاجات الضرورية، كنا يقدمن دورات توعوية لطلاب المدارس حول إجراءات الأمان في حالة حدوث غارات جويّة أو كيفية التعامل مع العبوات غير المتفجرة 

وتم استهداف مركز "خان شيخون" مرات عدة من قبل قوات النظام. تقول أمل "كل يوم عمل خطر بالنسبة لنا، في أكثر من مرة أوشكت على الموت، حتى حين لم أكن مستعدة للأحداث بعد استهداف نظام الأسد للقرية بالأسلحة الكيماوية يوم 4 نيسان/أبريل 2017".

وعن ذلك اليوم، تروي أمل: "استيقظت السادسة فجراً على صوت ثلاث غارات متتابعة، وعبر الشّرفة رأيت الناس يركضون ويصرخون في الشوارع بعبارة (هجوم كيماوي). ركضت للشارع وأوقفت سائق دراجة نارية وطلبت منه إيصالي للمركز. هناك كان المنظر مؤلماً جداً: جميع الناس وأغلبهم نساء وأطفال مختنقون مرميون على أرضية المركز، أعجز عن وصف المشهد المرعب بالكلمات".

مات أكثر من 80 شخصاً. سيارات الإسعاف أحضرت المزيد من النساء والأطفال للمركز. بذلت أمل مع زملائها أقصى ما يستطيعون لإنقاذ الأرواح.

تقول أمل "رأينا الأطفال وقد تلونت وجوههم بالأزرق، لعدم قدرتهم على التنفس، وشهدنا موت نساء حوامل مع أجنتّهن، ورغم أن الأمم المتحدة أثبتت مسؤولية النظام عن المجزرة، لا يزال ينكر حتى هذا اليوم ذلك". 

الأمم المتحدة: الحكومة السورية مسؤولة عن هجوم خان شيخون

وتتابع أمل "بعد المجزرة لم نجد الوقت حتى لنستريح ودفن موتانا ليعود النظام ويجدد غاراته الجويّة التي أجبرت الكثير من الناس على الرحيل، لغاية الآن لا أعرف كيف نجونا، ولكن رغم كل شيء لم نتوقف في الخوذ البيضاء عن مساعدة الناس وإنقاذهم".

 بعد شهور من القصف الكيميائي على "خان شيخون"، استهدفت غارات النظام المستشفى، وفجرّته "لنقوم حينها بإخلاء الجرحى ذوي الإصابات الحرجة ونقلناهم لبلدات قريبة عبر سيارات الإسعاف، ولغاية الآن لا يوجد مستشفى في بلدتنا" وفق أمل.

تتساءل أمل مستنكرة "هل يمكنك تخيّل مدينة عدد سكانها قرابة 100 ألف نسمة لا يوجد فيها مستشفى لمدة عامين؟ هل يمكنك تخيّل ذلك في منطقة حرب؟".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".