استخدمت الأسلحة الكيماوية في سوريا أكثر من 100 مرة
استخدمت الأسلحة الكيماوية في سوريا أكثر من 100 مرة

في عام 1993، تبنت الأمم المتحدة اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، ودخلت حيز التنفيذ في 29 نيسان/أبريل 1997.

وشددت ديباجة الاتفاقية حينها أنه ’’من أجل البشرية جمعاء"على كل الدول  أن "تستبعد كليا إمكانية استعمال الأسلحة الكيمياوية‘‘.

ومنذ ذلك التاريخ، يخلد العالم الذكرى السنوية لجميع ضحايا الحرب الكيمياوية في مثل هذا اليوم.

وخلال الفترة الماضية، كان العراق وسوريا من ضمن البلدان التي شهدت استخداما مكثفا للأسلحة الكيماوية راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين.

في 16 و 17 آذار/مارس 1988، العام الأخير للحرب العراقية الإيرانية، قصف نظام الرئيس السابق صدام حسين مدينة حلبجة في إقليم كردستان بأسلحة كيماوية.

قتل نحو 5000 آلاف كردي عراقي يومها، ولحق بهم آلاف آخرون في الأعوام التالية، متأثرين بالسلاح الكيماوي الذي قصف مدينتهم.

وتمّ وصف الهجوم على مدينة حلبجة الواقعة على الحدود الإيرانية شمال شرقي العراق بالإبادة الجماعية.

​​

​​​يطلق مصطلح سلاح كيماوي تحديدا على الأسلحة التي تستخدم السموم والآثار السمية للمواد الكيميائية مباشرة لإحداث الضرر على نطاق واسع.

ويستطيع 15 طنا من السلاح الكيماوي فقط قتل 50% من البشر في مساحة 60 كيلومتر مربع.

ويعتقد أن الغازات التي استخدمها نظام صدام حسين حينها ضد المدينة الكردية حلبجة كانت تتضمن غازي الخردل والسارين.

ومنذ الحرب العالمية الأولى، استخدمت الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، مخلفة  100 ألف قتيل وملايين الضحايا.

وتطلب الأمر الانتظار حتى نهاية القرن العشرين للوصول إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.

واليوم، تمثل الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية 98 في المئة من سكان العالم، وتستحوذ على 98 في المئة من الصناعة في الكيماوية.

كيماوي سوريا

تكرّر استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب الأهلية السورية أكثر من مئة مرة، وهو ما أكدته الأمم المتحدة.

شملت تلك الهجمات المميتة خلال الحرب مناطق عدة، وأبرزها:

  • البياضة (أول هجوم)

في23  كانون الأول/ديسمبر 2012، تمّ الهجوم بغاز مجهول على حي البياضة في محافظة حمص، ما خلف سبعة قتلى، وهو أول استخدام للأسلحة الكيماوية في الصراع السوري.

  • خان العسل

لفت هجوم خان العسل الذي وقع في 19 آذار/مارس 2013، في محافظة حلب الأنظار إليه، إذ كان أكبر هجوم حينها، موقعا 26 قتيلا.

وتبادل النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة الاتهامات.

  • هجوم الغوطة (الأكثر دموية)

بعد ذلك شهدت سوريا عشرات الهجمات الكيماوية وصلت إلى أفظع مستوياتها في 21 آب/أغسطس 2013، خلال الهجوم على غوطة دمشق، والذي خلف 1429 قتيلا، حسب إحصائية الحكومة الأميركية، بينهم 426 طفلا على الأقل، فيما ذكر الجيش الحر أن الهجوم خلّف 1729 قتيلا، في حين أحصت الجمعية الطبية السورية الأميركية 1347 قتيل.

ووصفه الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، بالأسوأ منذ هجوم حلبجة في العراق سنة 1988.

​​

​​

  • الشيخ مقصود

جرى استخدام أسلحة كيماوية في حي الشيخ مقصود بمحافظة حلب، والذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردي في 7 نيسان/أبريل 2016، وأوقع 23 قتيلا.

  • خان شيخون

استهدف هجوم كيماوي مدينة خان شيخون في محافظة إدلب (شمال غرب سورية)، صباح الثلاثاء 4 نيسان/أبريل 2017. وتسبّب الهجوم بمقتل أكثر من 70 شخصا حسب إحصائيات الائتلاف الوطني السوري المعارض.

  • هجوم دوما

تعرضت مدينة دوما في الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق، في السابع من نيسان/أبريل 2018، لهجوم كيماوي تسبب بمقتل 60 شخصًا، وإصابة ألف آخرين بالاختناق، أثناء حملة عسكرية قادها النظام السوري بدعم روسي، للسيطرة على الغوطة الشرقية، وفقا لما أعلنته الحكومة الأميركية.

مواضيع ذات صلة:

FILE - Children gather outside their tents at the al-Hol camp, which houses families of members of the Islamic State group, in…
أطفال يلهون أمام خيامهم في معسكر "الهول"- أرشيفية

قررت 11 امرأة و30 طفلاً أستراليين محتجزين في مخيم "الهول" رفع دعوى قضائية ضد حكومة بلادهم للضغط من أجل إجبارها على إعادتهم إلى وطنهم.

ولا ترفض أستراليا استعادة مواطنيها المحتجزين في معسكرات اعتقال "عائلات داعش" لكنها تتبنّى سياسة بطيئة في هذا الشأن أسفرت عن استعادة 4 نساء و13 طفلاً العام الماضي فقط.

وسبق وأن اهتزَّ الرأي العام الأسترالي بأنباء معاناة عددٍ من الأطفال الأستراليين داخل المخيم، مثل الطفل يوسف ذي الـ11 عاماً الذي أصيب بالسُل ومات متأثراً به، وفي 2021 تعرضت فتاة أسترالية لمحنة مرضية صعبة بسبب سوء التغذية، وقبلها بعامٍ أصيبت طفلة في الثالثة من عُمرها بـ"قضمة صقيع" في أصابعها بسبب البرد القارص الذي اجتاح المخيم.

بسبب عملية الاستعادة الأخيرة تلك قرّرت مجموعة النساء الأستراليات رفع دعوى قضائية أمام المحكمة العُليا في ملبورن، يُطالبن فيها بإصدار "أمر إحضار" للحكومة لإنقاذهن من "الظروف البائسة والمروعة" التي يعشن بها منذ سنوات.

أعادت تلك القضية تسليط الضوء على الأوضاع المزرية التي تعيشها آلاف النساء والأطفال داخل مخيمات تقع في الأراضي السورية وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة الإنسانية، إلى درجة دفعت وسائل إعلام عالمية إلى وصفه بأنه "غوانتانامو جديد في سوريا".

بداية الأزمة

نشأت مشكلة مخيم "الهول" عقب نجاح التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في إنهاء دولة داعش التي امتدّت حدودها إلى شمال شرق سوريا.

بدءاً من شهر فبراير 2019 جرت عملية اعتقال واسعة بحق زوجات وقريبات وأطفال مقاتلي "داعش" الذين ماتوا في المعارك أو فرّوا إلى جبهات قتال أخرى.

الآن يعيش في مخيميْ "روج" و"الهول" قرابة 10 آلاف مواطن أجنبي ينتمون إلى 60 دولة تقريباً وتزيد نسبة الأطفال فيهما عن 60%.

أكثر من 80% من هؤلاء الأطفال أعمارهم تقلّ عن 12 عاماً فيما تبلغ نسبة الذين بلغوا الخامسة أو أقل قرابة 30%، وهو ما يعني أن بعضهم قضى أغلب حياته -أو حياته كلها- داخل المخيمات.

تقع هذه المخيمات في منطقة الإدارة الذاتية التي يديرها الأكراد بمعزلٍ عن سيطرة الحكومة السورية. مراراً أعلنت السُلطة الكردية أنها عاجزة عن إيواء هذا العدد الضخم من قاطني المخيّم وطالبت الدول الأجنبية العمل على إعادة مواطنيها إلى بلادهم.

رحلة العودة الصعبة

منذ 2019 أعادت بعض الدول مثل الدنمارك وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وأوزبكستان وغيرها جميع مواطنيها -أو أغلبهم على الأقل- إلى أراضيها.

في بداية العام الماضي وافقت الدنمارك على السماح للأطفال بالعودة إلى بلادهم لكن دون أمهاتهم حيث اعتبرتهن خطراً على أمنها القومي.

دولٌ أخرى تبنّت موقفاً رافضاً لإعادة مواطنيها مثل كندا والمغرب والمملكة المتحدة فيما اتخذت دول أخرى مثل أستراليا وفرنسا وهولندا موقفاً متأرجحاً بين تحفّظ أولي ثم تراجع وبدء جهود بطيئة لاستعادة مواطنيها تدريجياً.

حتى الآن لا يزال آلاف الأطفال يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل المخيمات حُرموا فيها من الطعام والمأوى وفي بعض الأحيان ماتوا بسبب الأمراض وحوادث العنف التي يشهدها المخيم من وقتٍ إلى آخر، وسط مخاوف من أن يستغلَّ مقاتلو "داعش" هذه الأوضاع لينشروا أفكارهم المتطرفة بين الأطفال وتكون بمثابة عودة جديدة للتنظيم في المستقبل القريب.

في ختام 2022 ماتت فتاتان داخل مخيم "الهول" تحملان الجنسية المصرية بسبب الأوضاع الصعبة التي عاشتا فيها لسنواتٍ طويلة، ما دفع بعددٍ من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأطفال إلى تكرار مناشدة الحكومات بالتدخل وإعادة جميع النازحين إلى بلادهم.

منذ عدة أشهر حاولت الإدارة الكردية للمخيّم حل مشكلة الأطفال عبر فصلهم عن أمهاتهم وإخضاعهم لبرنامج تأهيلي يشمل تعلُّم الرسم والموسيقى وبعض المهارات العملية وممارسة الرياضة إلا أن هذا البرنامج واجه انتقادات حقوقية دولية بسبب قيامه بحرمان الأطفال من أمهاتهم الامر الذي قد يعرّضهم إلى المزيد من الأضرار.

هذه الخطوة وصفتها ليتا تايلر المديرة المساعدة لقسم النزاعات في "هيومن رايتس ووتش"، بأن هذا الإجراء "احتجاز لأجلٍ غير مسمى دون تهمة للأطفال" معتبرة أن إبعاد المراهقين عن أُسرُهم يسبّب المزيد من الصدمات لهم.

خلال زيارة بعض صحفيي وكالة "أسوشييتد برس" أظهر بعض الصبية عداءً مفرطاً لهم فألقوا الحجارة عليهم وأشار أحدهم بحركة قطع الرأس.

وفي سبتمبر 2022 زار مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة مخيم الهول واطلع على أوضاعه عن كثب ووصفه بأنه "بؤرة للمعاناة الإنسانية" مهددة بالانفجار في أي وقت لصالح "داعش".

تحديات العودة

تستشعر العديد من الدول قلقاً من أن تؤدي استضافة عائلات مقاتلي "داعش" إلى متاعب أمنية داخل بلادهم لذا فإنها لا تمنحهم موافقتها إلا بعد تدبير إجراءات أمنية صارمة قد تصل إلى حدّ حرمان الأمهات العائدات من أبنائهن.

تمتلك هذه الدول بعض المخاوف الأمنية "المنطقية" من أن هؤلاء الأطفال يحملون أفكار آبائهم المتطرفة والدموية، وقد يجعلونها محلَّ التنفيذ يوماً ما أو على الأقل يعملون على نشرها في المحيط الخاص بهم. كل هذه الهواجس تعطّل كثيراً من جهود إعادة أبناء المخيم إلى بلادهم.

دولة مثل بريطانيا قرّرت إغلاق باب العودة تماماً فجردت بعض مواطنيها المنتمين إلى "داعش" من جنسياتهم الإنجليزية لتحوّلهم إلى "عديمي الجنسية" لا يحقُّ لهم المطالبة بالرجوع إلى بريطانيا ولا يقع أي التزام على الحكومة في هذا الصدد، وهو ما جرى مع الطالبة البريطانية شاميما بيجوم التي انضمت إلى تنظيم داعش وهي في الـ15 من عُمرها وانتقلت للعيش في مخيم لاجئين بعد سقوط التنظيم، والآن تُطالب بالعودة بعدما أصبحت حبيسة في المخيم، طلبٌ لم تلتفت له لندن بدعوى أن بيجوم لم تعد مواطنة بريطانية.

في ألمانيا تخضع الأمهات العائدات إلى محاكمات فورية بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وقد يحكم عليهن بالسجن عشرات السنوات مثلما جرى مع جنيفر دبليو التي هربت من ألمانيا إلى العراق حيث انضمّت إلى تنظيم "داعش" وهناك تسبّبت في مقتل فتاة إيزيدية بالاشتراك مع زوجها.

أما في السويد فلقد فُصلتْ الأمهات العائدات عن أبنائهن فور وصولهن إلى الأراضي السويدية ووضعوا في عُهدة وحدة متخصصة في رعاية الأطفال، وهو إجراء قابله الأطفال بالصراخ والبكاء وفي بعض الحالات ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق.

خضعت الأمهات لاستجوابٍ مكثّف استغرق من 24 إلى 48 ساعة بعدها حُرمن من الاتصال بأطفالهن لعدة أسابيع حتى سًمح لهن أخيراً برعايتهم، وفي بعض الحالات النادرة رفضت الحكومة السويدية السماح للأمهات باستعادة أطفالهن بدعوى أنهن ليسن مؤهلات لتربيتهن.

بعض الأبحاث اهتمّت بتأثير هذه التجارب القاسية على نفسية الأطفال الذين تربّوا في أجواء حرب ثم عاشوا بعدها أوضاعاً صعبة داخل المخيمات وهو ما شكّل صدمات متعددة في نفسية هؤلاء الصغار تجعل عملية إعادة دمجهم في المجتمعات الغربية أمراً بالغ الصعوبة.

هذه الصدمات قد تجعل الأطفال عُرضة لارتكاب سلوكيات خطرة في المستقبل مثل تعاطي المخدرات والكحوليات فضلاً عن الإصابة بأمراضٍ نفسية كالقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، كذلك تزداد بينهم احتمالية الإصابة بأمراضٍ مزمنة كالقلب والسكري والسرطان.

تقول ليليان موانري أستاذة الصحة العامة في جامعة تورينس الأسترالية، إنه إذا كان الوقت الذي قضاه الأطفال في المخيمات مؤلماً فإن عملية إعادتهم إلى وطنهم ستكون أيضاً مزعجة، مضيفة أن عملية إعادة توطينهم في بلادهم غالباً ستكون مصحوبة بالوصم والتمييز وهي سلوكيات ستخلّف آثاراً مدمرة على نفسياتهم.

لذا اعتبر قادة عسكريون أميركيون أن هذه العيوب التي تشوب عمليات إخلاء المخيم هي "أكبر عائق أمام ضمان هزيمة كاملة ونهائية لداعش".