بين سنتي 2003 و2015، قتل أكثر من 435 صحافيا في العراق.
بين سنتي 2003 و2015، قتل أكثر من 435 صحافيا في العراق.

إذا كنت في بلد يستطيع فيه الصحافي أداء عمله بكل حرية، فأنت من بين 10 في المئة فقط من سكان العالم الذين يعيشون حاليا في بلدان يتمكن فيها الصحافيون من مزوالة مهنتهم بظروف جيدة تتسم بالحرية والاستقلال.

هذا ما يؤكده مؤشر حرية الصحافة الصادر اليوم عن شبكة "مراسلون بلا حدود".

وحل العراق في الرتبة 156 عالميا من أصل 180 دولة شملها تقرير الشبكة، بينما جاءت سوريا في الرتبة 174. 

العراق.. جرائم القتل مستمرة

على الرغم من التقدم الطفيف الذي حققه العراق عالميا من الرتبة 160 في 2018 إلى 156 في 2019، إلا أنه ما يزال يعتبر بلدا خطرا على الصحافيين.

وأفادت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، مقتل سبعة صحافيين على الأقل بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2018، أثناء تغطيتهم للمظاهرات التي شهدتها محافظات عدة احتجاجا على الفساد وقلة الخدمات.

وفي إقليم كردستان، تعرض 15 صحافيا للملاحقة من قبل السلطات خلال شهر آذار/مارس 2018، ونتج عن ذلك اعتقال سبعة منهم أثناء تغطيتهم لمظاهرات انطلقت في الإقليم.

ويتعرض الصحافيون في العراق للتهديدات المستمرة من قبل المليشيات المسلحة. وتلقى بعضهم رسائل تقول "أنتم تعملون ضدنا. هذه الفيديوهات المرفقة تثبت ذلك، وستدفعون الثمن".

وبين سنتي 2003 و2015، قتل أكثر من 435 صحافيا في العراق.

ووثق مرصد الحريات الصحافية العراقي 15 حالة على الأقل لصحافيين تعرضوا للاعتداء أو الاحتجاز أو منعوا من تغطية الاحتجاجات من طرف القوات الأمنية والجماعات المسلحة، سنة 2018.

اللافت في الأمر أن جرائم قتل الصحافيين تمر دون عقاب. ولا تسفر التحقيقات عادة عن نتيجة، حسب ما قالته عائلات الضحايا لشبكة "مراسلون بلا حدود".

ولا يوجد في العراق حتى الساعة قانون يمكن للصحافي من الوصول إلى المعلومات التي تملكها الدولة.وحذرت الحكومة المنتخبة مؤخرا الصحافيين من عدم احترام الرموز الدينية والوطنية.وضمن قائمة مخاطر العمل الصحافي في العراق، قانون الجرائم الالكترونية الذي يحذر من نشر مواد تمس وحدة أو سلامة البلاد.  ويعاقب هذا القانون المخالفين بالسجن.​​​​

​​​سوريا.. بيئة لا تحتمل

على الرغم من تقدم سوريا بثلاث درجات على مؤشر حرية الصحافة، من المرتبة 177 في 2018 إلى 174 في 2019، إلا أن بيئة العمل الصحافي في البلاد توصف بأنها "لا تحتمل" حسب "مراسلون بلا حدود".

وقالت لجنة حماية الصحافيين إن عدد الصحافيين الذين قتلوا في دول شهدت حروباً كسوريا، سجل تراجعاً منذ 2011.

لكن السبب في ذلك هو صعوبة وصول الصحافيين إلى هذه المناطق بالدرجة الأولى.

وقتل تسعة صحافيين في سوريا على الأقل بين عامي 2017 و2018 مقارنة بـ31 سنة 2012.

وتشكل ممارسة الصحافة في سوريا أمرا بالغ الخطورة. فثلاثة من الصحافيين المقتولين في 2018، أعدموا في ظروف غامضة لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

أما في السجون التابعة للنظام السوري، فأكدت منظمات حقوقية مقتل خمسة صحافيين العام الماضي.

ويتعرض الصحافيون في سوريا إلى الترهيب من مختلف أطراف النزاع، سواء النظام السوري أو فصائل المعارضة المسلحة، وكذلك التنظيمات المصنفة إرهابية مثل هيئة تحرير الشام.

وازداد الأمر صعوبة بسبب قيام دمشق بإنشاء محاكم للنظر في جرائم الأنترنت، ما قيد حرية الناس على الشبكة العنكبوتية.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".