قبل أن تنطلق الحافلة التي ستنقلها من دمشق إلى حلب، أواخر آذار/مارس 2012، قدم أربعة أشخاص مسلّحين بزي مدني نحو نورا الجيزاوي، وجّهوا مسدساتهم إلى رأسها، وقالوا "هاتي هويتك (البطاقة الشخصية)".
اقتيدت الجيزاوي إلى مكان مجهول، وأغلقت عليها زنزانة انفرادية، مكثت فيها 40 يوماً.
تقول في مقابلة نشرتها جامعة تورنتو "اجتاحوا بيتي، أخذوا مني كل شيء. أرادوا إفراغي من الذكريات".
السبب؟ نشاطها في الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فقد كلّفها الاحتجاز بلا محاكمة سبعة شهور. وتعرضت خلال التحقيق للتعذيب مثل الصعق بالكهرباء، وإجبارها على رؤية سجين آخر يتعذب، عدا عن شهادتها الحية لمقتل عدد من أصدقائها الذين شاركوا في الثورة، على يد قوّات النظام.
في حينه، أطلق نشطاء في "تويتر" هاشتاغ #Freedom4Noura
نورا الجيزاوي حرة طليقة، لم أعمل معها من قبل و لكن عملها و إسمها و سمعتها وصلت حدود السماء، عقبال باقي المعتقليين يارب، عقبالك يا طل الملوحي
— Mulham | ملهم الجندي (@MulhamJundi) September 18, 2012
بداية الرحلة
بعد إطلاق سراحها هربت الجيزاوي إلى تركيا، وهناك أنشأت منظمة لمساعدة الناجين من التعذيب في سجون النظام خصوصا النساء، ثم أصبحت النائبة لرئيس ائتلاف المعارضة السورية، وكانت من نساء قليلات عشن لحظات المواجهة مع فريق المفاوضات الذي يمثل الأسد، لتجلس "عيناً بعين قُبالة عدوّها"، وفق مقال نُشر في موقع جامعة تورنتو.
قررت الحصول على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية، تقول الجيزاوي "كل ما أؤمن به يمس قضايا عالمية. ما حدث في سوريا لا يخصّ أهالي البلد وحدهم، إنه شأن عالمي".
وتضيف في المقابلة المصوّرة التي نشرتها جامعة تورنتو في موقعها الرسمي "الثورة السورية لم تكن ملهمة للسوريين فقط بل أصبحت مصدر إلهام للعالم".
من الثورة إلى الدراسة
خلال نشاطها في الثورة السورية، تعرّض البريد الإلكتروني للجيزاوي إلى محاولة اختراق، أحبطها باحثون في مختبر "سيتيزن" بكليّة "مونك" للعلاقات الدولية، التابعة لجامعة تورنتو.
وكشف الباحثون في حينه أن المحاولة كانت جزءاً من حملة تجسس إلكترونية متقنة على نشطاء الثورة، انطلقت من إيران.
يذكر أن مختبر "سيتيزن" متعدد التخصصات، ويركز على البحث والتطوير والسياسة الإستراتيجية رفيعة المستوى والمشاركة القانونية عند تقاطع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات وحقوق الإنسان ، والأمن العالمي".
بعد هذا التعاون بين الجيزاوي وCitizen Lab، دعاها المعهد للمشاركة في ورشة عمل صيفية عام 2017 تتعلق بالأمن الإلكتروني وحقوق الإنسان.
وقبل الهجرة من سوريا، كانت الجيزاوي تدرس الماجستير في الأدب المقارن، إلا أنها لم تحصل على الشهادة، فقبل عرض الأطروحة، تم احتجازها، ثم احتجاز المشرف على أطروحتها بعدها، من قبل قوات النظام السوري.
التحقت بجامعة تورنتو عام 2017 لإتمام الماجستير في العلاقات الدولية، بواسطة برنامج تخصص الجامعة لـ"العلماء المعرّضين للخطر".
بدأت الدراسة وهي حامل في شهرها السابع، وأنجبت أثناء الدراسة، وكانت تحضر طفلتها معها إلى الحصص، فيداعبها زملاء الدراسة "طفلة العلاقات الدولية MGA".
تقول الجيزاوي "قررت تحدي نفسي، حاولت تجنب أي شيء يركز على سوريا، أو أي قضايا مرتبطة بالعدالة وحقوق الإنسان".
الرغبة في التغيير، دفعت الجيزاوي إلى دراسة "الابتكار والذكاء الاصطناعي" تتويجاً لشهادتها في العلاقات الدولية، وإضافة لذلك، تدرس برنامج الملاريا في غينيا، ومن المقرر أن تسافر إليها هذا الصيف لإجراء البحوث الميدانية.
"إنها رحلتي الأولى إلى إفريقيا"، تقول الجيزاوي، مضيفةً "المرة الأولى أيضاً في القضايا الصحيّة. كل شيء جديد".
تخطط الجيزاوي لتسلّم شهادة التخرّج بصحبة طفلتها، تقول "في اللحظة التي أحمل شهادتي، أهزم الديكتاتوريين في سوريا، فهذه رسالة لهم: لا يمكنك هزيمتي. أنا من سيفوز".
ولا تزال الجيزاوي تناضل من أجل حقوق السوريين النازحين داخل سوريا، وتتمنى أن تستفيد من دراستها في بناء سوريا المستقبل.