رجل يمني يسير في أحد شوارع محافظة عمران اليمنية
رجل يمني يسير في أحد شوارع محافظة عمران اليمنية

مع استمرار الصراعات التي تعصف بالمنطقة، تتفاقم حالات التمييز والعنصرية التي تطال شرائح مختلفة من المجتمعات العربية.

وتعتمد الأمم المتحدة يوم 29 تموز/يوليو باعتباره اليوم العالمي للتنوع الثقافي ومحاربة التمييز والعنصرية.

وتؤكد المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن الناس جميعا يولدون "أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق".

وتنص المادة الثانية على مناهضة التمييز بجميع أشكاله لا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المعتقد أو الفكر أو الرأي.

لكن التنوع الثقافي ومحاربة التمييز والعنصرية لا تعتبر أولوية خاصة في حالة الحروب والصراعات.​

​​​نماذج يمنية

"لأول مرة أسمع بيوم لمحاربة التمييز والعنصرية!" قال اليمني ذو البشرة السمراء أحمد عبد الله ردا على استفسار مراسل (ارفع صوتك) عما تعني له هذه المناسبة.

وأضاف "منذ طفولتي ومعظم الناس ينادونني وريا (شخص أقل شأنا يخدم الآخرين) وخادما لأن بشرتي سوداء.. كان هذا يضايقني في السابق كثيراً، لكنه غدا مألوفا".

في أيلول/سبتمبر الماضي، اتهم تحالف "رصد" (تكتل لمنظمات مدنية يمنية) جماعة الحوثيين بممارسة أشكال من التمييز العنصري تجاه اليمنيين الذين لا ينتسبون إلى سلالتهم.

ويؤمن الحوثيون بأفضلية آل البيت الذين ينحدرون من نسل  علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت النبي محمد، وتنسب قيادة الجماعة نفسها لنسل النبي محمد.

وقال التحالف في كلمة ألقاها أحد أعضائه أمام مجلس حقوق الإنسان إن جماعة الحوثي "تعتبر التمييز العنصري جزءاً من موروثها الديني، وهذا ما دفعها لحمل السلاح والسيطرة على السلطة بالقوة".​

​​واستدل على ذلك بممارسات عنصرية تمارسها الجماعة الموالية لإيران كتهجير مئات الأسر اليمنية وتفجير منازل أخرى، وإحلال آلاف ممن ينتمون إلى سلالتها في المؤسسات الحكومية بدلا عن الموظفين الرسميين.

وفي مدن جنوب اليمن التي يسعى قطاع واسع من أبنائها للانفصال، تصاعدت خلال السنوات الأخيرة موجة العداء ضد كل ما هو شمالي.

يقول قاسم علي (32 عاما) الذي يعمل في العاصمة المؤقتة للبلاد عدن، وينحدر من محافظة تعز الشمالية "دائما ينعتوني بكلمة دحباشي (كلمة للتحقير من دحباش وهو ممثل ساخر قديم من مدينة تعز) ويطلبون مني العودة إلى الشمال".

ويؤكد لموقع (إرفع صوتك) أن ممارسات التضييق على الشماليين تتم من مختلف أفراد المجتمع الجنوبي ولا تقتصر على رجال الأمن والمسلحين المدنيين فقط.

فكرتان عصبيتان

وفي هذا السياق يقول المفكر السياسي وأستاذ الأدب العربي بجامعة صنعاء عبد الله الصنوي، إن التمييز العنصري في اليمن يقوم على فكرتين عصبيتين أساسيتين هما دعوى التميز السلالي والتميز القبلي وله مظاهر عدة، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "تعمل مفاهيم التمييز العنصري على تعزيز الصراع ومبرراته بل وإنتاج ما يديم عوامله وترسيخها".

يتابع الصنوي "التنوع الثقافي في أي مجتمع دليل قبولٍ بالآخر، وهذا أمر لا يوجد في مجتمعات التمييز العنصرية، وإن وجد فمن السهل تغييبه من قبل الفئة المهيمنة بسلطة القوة التي تعمل على احتقار مميزات غيرها".

العراق

وفقا للمادة الثالثة من الدستور فالعراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب والثقافات ويمتاز بالتعدد الاثني والعرقي، لكن تقريرا صدر نهاية العام الماضي كشف عكس ذلك.

وقال تقرير "الظل" حول التمييز العنصري في العراق المقدم من منظمات المجتمع المدني في تشرين أول/أكتوبر 2018 إلى لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إن أقلية "الغجر" العرقية تعاني التمييز والاقصاء من قبل السلطات الرسمية.

"يحرمون (الغجر) من الخدمات والتوظيف والمناصب لأنهم بلا جنسية وبدون مبرر قانوني لذلك".​

​​وأشار إلى حرمان الأقليات من المشاركة في المواقع السيادية والمناصب الرفيعة والوظائف الأمنية، وأن الحكومة لم تتخذ اجراءات وتدابير لحماية (الأيزيديين) رغم استمرار المؤشرات بعدم استتباب الأمن في مناطقهم.

وأوضح أن 70% من سكان قضاء الزبير في البصرة هم من ذوي البشرة السمراء وهي نسبة تؤهلهم لحصد مقعدين في مجالس المحافظات ومقعد برلماني لكنهم غير مشمولين بقانون الكوتا الانتخابية.

يبين التقرير "رصد اعتداءات بحق من ترشحوا للانتخابات من تلك الفئة".

ومنتصف كانون أول/ديسمبر الماضي أقرت الأمم المتحدة بوجود "تمييز عنصري" ضد أصحاب البشرة السوداء في العراق، وطالبت الحكومة بالاعتراف بحقوقهم في التمثيل السياسي.

ويحرم البهائيون بنصوص قانونية تعود لعام 1970 من بعض الحقوق ما يجعلهم يعزفون عن التمثيل السياسي أو الوظيفي والتخوف من الكشف عن هويتهم، فيما تحرم بعض الأقليات كالصابئة المندائيين من حقها في دور العبادة لممارسة شعائرهم كغيرهم لعدم اهتمام الحكومة بذلك.

ولا يوفر الجهاز المركزي للإحصاء معلومات دقيقة عن الحالة الاجتماعية للمجموعات العرقية والاثنية، كما لم تتخذ الحكومة أية تدابير لازمة لحماية مثليي الجنس.

وأشار التقرير إلى وجود مواد تعليمية في مقررات المدارس الابتدائية والثانوية تتضمن الدعوة للتمييز والعنصرية والكراهية وانتقاص المرأة كما تزرع بعض مضامينها بذور العنف والتفرقة.

سوريا

يمتاز المجتمع السوري بتنوع الثقافات نظراً لموقع سوريا الجغرافي الهام وتنوع التيارات والمذاهب الفكرية والدينية.

لكن الدستور النافذ أغلق المجال أمام القوميات الأخرى للمشاركة في الوظائف السيادية في سورية (باستثناء العناصر التي تنكر أصولها القومية)، فضلا عن أنه ينافي قيم المساواة بين مكونات المجتمع السوري القومية والدينية.

ومنذ اندلاع الحرب السورية في 2011 تفاقم التمييز الفردي وبلغ مستويات في غاية العنصرية لدى أغلب المجموعات التي وصلت حد القتل تبعا للانتماء العرقي أو الديني واستعباد المختلف وسبي النساء ومصادرة الاملاك والتمييز القانوني.

وحرم الأكراد بنصوص قانونية تعود لعام 2008، من جميع معاملات البيع والشراء والايجار للعقارات التي كانوا يحلمون بها في محافظة الحسكة الحدودية الواقعة شمال شرقي البلاد.

وما يزال التمييز الطبقي قائما بشكل واضح لدى عدد من القبائل العربية وبشكل أقل في العشائر الكردية.

يقول الباحث والموجه التربوي أحمد السوري إن الثقافة السورية بمزيجها المتنوع وعاداتها المختلفة "تأثرت بواقع الحرب"، لكنه يرجع جذور التمييز العميقة إلى وصول حزب البعث إلى سدة الحكم أواخر القرن العشرين.

ويضيف لموقع (ارفع صوتك) "سيطرت الطائفة العلوية على مفاصل الجيش والدولة والمؤسسات.. تم حصر طائفة العلويين وأغنياء الشعب ورجال الأعمال المقربين من الأسرة الحاكمة بزاوية منح الحقوق والتفضيل"، مشيرا إلى ما مارسه نظام البعث من تمييز جلي ضد أهل السنة والجماعة وضد أي حزب ينافس على السلطة، وكذلك الفقراء ورجال الدين والمصلحين وأصحاب الفكر والمبدعين.

ويبين أحمد السوري أنه خلال فترة حكم بشار الأسد "زاد التعصب والشرخ والإجرام والتمسك بسدة الحكم".

ويتهم الباحث ذاته النظام السوري بالتضييق على الأكراد وتهميشهم وعدم ادراجهم في مفاصل الحكم، "أما بقية الاقليات كالمسيحيين، الأرمن، الأشوريين، والدروز والسريان فقد اعتمدهم (النظام) ورقة رابحة في يده يضغط بها على الدول الأوربية".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".