أليكساندا كوتي خلال مقابلة مع مراسل قناة الحرة
أليكساندا كوتي خلال مقابلة مع مراسل قناة الحرة

كان ملفتا أن يطلب أليكساندا كوتي، عضو تنظيم داعش المعتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية، إعادته إلى بريطانيا ومحاكمته هناك.

كوتي، 35 عاما، قال في مقابلة مع مراسل قناة "الحرة" من داخل سجنه في سوريا إنه يريد أن تكون المحاكمة في بريطانيا التي وصفها بـ"بلده" الذي "ولد وترعرع فيه".

لكن هذا يبدو مستبعدا، على الأقل في الوقت الحالي. فالحكومة البريطانية سحبت جنسيتها من كوتي وزميله في صفوف داعش الشفيع الشيخ. وهو ما يجعل عودتهما أمرا صعبا.

المستغرب في مطلب كوتي هو أنه يعتبر هذه المحاكم التي يطلب أن تحاكمه في بريطانيا "محاكم طاغوتية" لا يتجوز التحاكم إليها، بل إن تنظيم داعش الذي ينتمي إليه يعتبر التحاكم إليها كفرا.

​​وتؤمن التنظيمات الجهادية أن المحاكم والقوانين الوضعية تدخل ضمن خانة "الحكم بغير ما أنزل الله" وهو "كفر أكبر مخرج مِن الدين". وعلى هذا، لا يجوز لأي مسلم أن يتحاكم إليها، وإلا فإن إيمانه "ينتقض".

في بيانه المعروف، "هذه عقيدتنا"، يقول التنظيم على عهد أميره السابق أبي عمر البغدادي: "نرى وجوب التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية، والبحث عنها في حالة عدم العلم بها، كون التحاكم إلى الطاغوت من القوانين الوضعية والفصول العشائرية ونحوها من نواقض الإسلام".

بمعايير داعش، يكون ما ارتكبه ألكسندا كوتا من طلب محاكمته في بريطانيا ناقضا من "نواقض الإسلام".

وحتى في الحالات التي يُرخص فيها بعض الفقهاء بالتحاكم إلى القوانين الوضعية،  بدعاوى مثل "عموم البلوى" أو "الضرورة" أو السعي إلى "استيفاء الحقوق"، لا يرد في بيان داعش ما يشير إلى هذه الحالة.

ويرفض داعش كل ما يتعلق بالقوانين الوضعية أو الديمقراطية أو الدولة المدنية. وسبق له أن كفر تنظيمات، بعضها ينتمي إلى التيار الإسلامي، لمجرد تحالفها مع تنظيمات أخرى تؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية.

ففي بداية سنة 2014، أصدر التنظيم بيانا يكفر فيه فصائل "الجبهة الإسلامية" (أهمها أحرار الشام وجيش الإسلام) في سوريا لتحالفها مع الائتلاف السوري الموحد الذي يعلن سعيه لإقامة دولة مدنية ديمقراطية في سوريا.

وقال بيان داعش حينها أن الديمقراطية "تنافي أصول الإسلام وقواعده"، وأن "الدعوة إلى إقامة حكومة مدنية تعددية ديمقراطية عمل مخرج من ملة الإسلام" لأنها تدعو "لصرف التحاكم" من الله إلى "الطاغوت".

بل إن التنظيم المتطرف سبق له أن اعتبر، في كتاب صدر عن مركز البحوث والدراسات التابع له، مجرد التحاكم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في القضايا المتعلقة باللعبة "كفر ا أكبر مخرجا من الملة".

لذا، تبدو مطالب ألكسندا كوتي بمحاكمته في بريطانيا أمام "محاكم وضعية" غريبة تماما.

​​وكانت المهمة الأبرز للمقاتل البريطاني السابق في "داعش" هي الإشراف على الرهائن الأجانب لدى التنظيم.

وشارك كوتي في عدة عمليات بسوريا خلال فترة انضمامه لتنظيم داعش، كما خطط لإنشاء خلايا نائمة داخل الدول الأوروبية.

وهو واحد من أربعة أفراد أطلق عليهم رهائنهم اسم خلية "البيتلز" (الخنافس) نسبة إلى الفريق الغنائي الشهير بسبب لكنتهم البريطانية.

وكان كوتي ينسق أيضا مع قائمين على حملات تبرع بالنقود في لندن لصالح داعش.

وألقي عليه القبض في سوريا عام 2018 برفقة الشفيع الشيخ، واحتجزتهما قوات سوريا الديمقراطية.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".