سيدة سورية داخل حافلة عائدة إلى سوريا ضمن حملة طوعية لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم
سيدة سورية داخل حافلة عائدة إلى سوريا ضمن حملة طوعية لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم

"الحملة الحالية خربت بيوت ناس كتير"، يتحدث أيمن عن حملة الترحيل الكبيرة التي تقودها السلطات التركية ضد اللاجئين السوريين في مدينة إسطنبول.

يقيم أيمن في تركيا منذ ست سنوات. ورغم أنه يملك بطاقة حماية مؤقتة (كملك) تمكنه من الإقامة في إسطنبول، إلا أنه حذر جدا. فالنزول إلى الشارع بدون هذه البطاقة قد يكلفه الترحيل إلى مدينة تركية أخرى أو حتى إلى سوريا. سوريون كثر تم ترحيلهم فقط لأنهم نسوا "الكملك" في البيت.

ومنحت وزارة الداخلية التركية السوريين، في 22 تموز الماضي، مهلة شهر واحد لمغادرة إسطنبول والعودة إلى المدن التي منحتهم بطاقة الحماية المؤقتة. وفعليا انتهت المهلة يوم أمس الثلاثاء. لكن السلطات التركية مددتها.

وإسطنبول هي أكبر مدينة تركية. ويوجدها فيها أكثر من نصف مليون لاجئ سوري. وتحاول السلطات التخفيف من الضغط الذي تعيشه المدينة السياحية.

"أصبحت منطقة الفاتح في إسطنبول التي تعج بالسوريين منطقة أشباح. لا يوجد موظفون في المحال التجارية، معظمهم إما طفشوا أو هربوا أو مختبئون" يقول أيمن.

وحسب الشاب السوري، 32 عاما، أغلقت محلات سورية كثيرة أبوابها.

مهلة جديدة

أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أمس الثلاثاء، تمديد المهلة الممنوحة للسوريين، الذين يقيمون في إسطنبول والذين استخرجوا بطاقات حماية مؤقتة من ولايات تركية أخرى، إلى نهاية شهر أكتوبر القادم للعودة إلى هذه الولايات أو مواجهة الترحيل.

الوزير التركي قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة محلية: "انتهت اليوم المهلة التي منحها والي إسطنبول للسوريين المخالفين"، لكنه شدد أن بلاده ستواصل "سياستها الإنسانية" ولن ترحل السوريين "دون تأمين مناطق آمنة".

وجاءت الحملة الحالية بعد تصريح لوزير الداخلية خلال لقائه بعدد من الصحفيين السوريين نهاية شهر يوليو الماضي. وهو التصريح الذي أكد فيه أن بلاده ستبدأ في تطبيق القوانين التي كان يتم التساهل فيها.

وبدورها أصدرت ولاية إسطنبول بيانا على موقعها الرسمي أعلنت فيه بداية الحملة. وشرعت بعدها أجهزة الأمن بالتدقيق في إقامات السوريين والأجانب.

وأكد البيان نية الولاية ترحيل كل من لا يعود إلى ولايته بعد 20 أغسطس، فيما أعلن والي إسطنبول أن عدد السوريين الذين تم ضبطهم حتى الآن وصل إلى 2630 شخصا.

وأشار البيان إلى أن عدد الأجانب المسجلين في إسطنبول يصل إلى مليون و70 ألفا.

أوضاع مأساوية

انتشرت خلال الشهر الماضي عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور لسوريين معتقلين داخل باصات في انتظار ترحيلهم إلى سوريا.

وقال بعضهم إنهم أجبروا على التوقيع على وثائق العودة الطوعية لبلادهم، وفعلا تم ترحيل عدد كبير منهم إلى مدينة إدلب شمال سوريا.

أ.ع سوري انتقل حديثا من مدينة إسطنبول إلى مدينة العثمانية جنوب تركيا يؤكد أن حملة الترحيل كانت مفاجئة. "عندي إعاقة ووضعي المادي سيء. كنت أشتغل بورشة خياطة ودائما علي ديون. الآن أوقفت عملي وانتقلت لمدينة ثانية. بعت أثاث بيتي بسعر رخيص. كتير من السوريين فعلوا الشيء نفسه".

ويضيف الشاب السوري، الذي لا يريد التصريح باسمه، أن الكثير من السوريين يعانون من العنصرية بسبب "الترويج أننا أثرنا بشكل سلبي على اقتصاد البلد، وأننا نأخذ المخصصات التركية".

ويقول أ.ع: "في بداية أول يومين لتنفيذ القرار كان هناك ترحيل عشوائي جدا. أعرف الكثير من الأشخاص دخلوا على بيوتهم وطلبوا منهم الكملك ورحلوهم إلى سوريا... كتير من أصدقائي تم إجبارهم على التوقيع على وثيقة عودة طوعية وتم ترحيلهم".

خطوات عملية لصد الحملة

أعلن رئيس منبر الجمعيات السورية في مدينة إسطنبول مهدي داود عن وجود تنسيق بين المنبر ودائرة الهجرة في المدينة ووالي إسطنبول.

وقال إنه تم التوصل لنقاط مهمة يمكن تنفيذها لمساعدة الحالات الخاصة. "أطلقنا عدة روابط يمكن من خلالها تسجيل الأيتام الموجودين في الولاية وستقوم دائرة الهجرة بمنحهم بطاقة الحماية المؤقتة، وكذلك الأمر بالنسبة للطلاب الذين لا يملكون أي شيء يثبت شخصيتهم"، يقول مهدي داود.

ويتابع: "أشدد على ضرورة حمل اللاجئين السوريين وثائق الإثبات الشخصية الخاصة بهم في أي مكان يذهبون إليه. وأنصح السوريين بالالتزام بكافة القوانين وتقديم طلبات الاسترحام للحالات الخاصة. التشديد الأمني ضخم جدا ولن يكون هناك تغاض عن المخالفين".

نائب رئيس الجمعية الدولية لحقوق اللاجئين في تركيا عبد الله دمير، وفي تصريحه لوكالة الأناضول الرسمية، دافع عن حقوق اللاجئين السوريين وأشار إلى أن المهلة لم تكن كافية، مشددا على ضرورة تمديدها.

ولفت دمير الانتباه إلى أن ضيق الوقت دفع السوريين للبقاء في منازلهم خوفا من إلقاء القبض عليهم وإرسالهم قسرا إلى ولاياتهم.

مواضيع ذات صلة:

FILE - Children gather outside their tents at the al-Hol camp, which houses families of members of the Islamic State group, in…
أطفال يلهون أمام خيامهم في معسكر "الهول"- أرشيفية

قررت 11 امرأة و30 طفلاً أستراليين محتجزين في مخيم "الهول" رفع دعوى قضائية ضد حكومة بلادهم للضغط من أجل إجبارها على إعادتهم إلى وطنهم.

ولا ترفض أستراليا استعادة مواطنيها المحتجزين في معسكرات اعتقال "عائلات داعش" لكنها تتبنّى سياسة بطيئة في هذا الشأن أسفرت عن استعادة 4 نساء و13 طفلاً العام الماضي فقط.

وسبق وأن اهتزَّ الرأي العام الأسترالي بأنباء معاناة عددٍ من الأطفال الأستراليين داخل المخيم، مثل الطفل يوسف ذي الـ11 عاماً الذي أصيب بالسُل ومات متأثراً به، وفي 2021 تعرضت فتاة أسترالية لمحنة مرضية صعبة بسبب سوء التغذية، وقبلها بعامٍ أصيبت طفلة في الثالثة من عُمرها بـ"قضمة صقيع" في أصابعها بسبب البرد القارص الذي اجتاح المخيم.

بسبب عملية الاستعادة الأخيرة تلك قرّرت مجموعة النساء الأستراليات رفع دعوى قضائية أمام المحكمة العُليا في ملبورن، يُطالبن فيها بإصدار "أمر إحضار" للحكومة لإنقاذهن من "الظروف البائسة والمروعة" التي يعشن بها منذ سنوات.

أعادت تلك القضية تسليط الضوء على الأوضاع المزرية التي تعيشها آلاف النساء والأطفال داخل مخيمات تقع في الأراضي السورية وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة الإنسانية، إلى درجة دفعت وسائل إعلام عالمية إلى وصفه بأنه "غوانتانامو جديد في سوريا".

بداية الأزمة

نشأت مشكلة مخيم "الهول" عقب نجاح التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في إنهاء دولة داعش التي امتدّت حدودها إلى شمال شرق سوريا.

بدءاً من شهر فبراير 2019 جرت عملية اعتقال واسعة بحق زوجات وقريبات وأطفال مقاتلي "داعش" الذين ماتوا في المعارك أو فرّوا إلى جبهات قتال أخرى.

الآن يعيش في مخيميْ "روج" و"الهول" قرابة 10 آلاف مواطن أجنبي ينتمون إلى 60 دولة تقريباً وتزيد نسبة الأطفال فيهما عن 60%.

أكثر من 80% من هؤلاء الأطفال أعمارهم تقلّ عن 12 عاماً فيما تبلغ نسبة الذين بلغوا الخامسة أو أقل قرابة 30%، وهو ما يعني أن بعضهم قضى أغلب حياته -أو حياته كلها- داخل المخيمات.

تقع هذه المخيمات في منطقة الإدارة الذاتية التي يديرها الأكراد بمعزلٍ عن سيطرة الحكومة السورية. مراراً أعلنت السُلطة الكردية أنها عاجزة عن إيواء هذا العدد الضخم من قاطني المخيّم وطالبت الدول الأجنبية العمل على إعادة مواطنيها إلى بلادهم.

رحلة العودة الصعبة

منذ 2019 أعادت بعض الدول مثل الدنمارك وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وأوزبكستان وغيرها جميع مواطنيها -أو أغلبهم على الأقل- إلى أراضيها.

في بداية العام الماضي وافقت الدنمارك على السماح للأطفال بالعودة إلى بلادهم لكن دون أمهاتهم حيث اعتبرتهن خطراً على أمنها القومي.

دولٌ أخرى تبنّت موقفاً رافضاً لإعادة مواطنيها مثل كندا والمغرب والمملكة المتحدة فيما اتخذت دول أخرى مثل أستراليا وفرنسا وهولندا موقفاً متأرجحاً بين تحفّظ أولي ثم تراجع وبدء جهود بطيئة لاستعادة مواطنيها تدريجياً.

حتى الآن لا يزال آلاف الأطفال يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل المخيمات حُرموا فيها من الطعام والمأوى وفي بعض الأحيان ماتوا بسبب الأمراض وحوادث العنف التي يشهدها المخيم من وقتٍ إلى آخر، وسط مخاوف من أن يستغلَّ مقاتلو "داعش" هذه الأوضاع لينشروا أفكارهم المتطرفة بين الأطفال وتكون بمثابة عودة جديدة للتنظيم في المستقبل القريب.

في ختام 2022 ماتت فتاتان داخل مخيم "الهول" تحملان الجنسية المصرية بسبب الأوضاع الصعبة التي عاشتا فيها لسنواتٍ طويلة، ما دفع بعددٍ من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأطفال إلى تكرار مناشدة الحكومات بالتدخل وإعادة جميع النازحين إلى بلادهم.

منذ عدة أشهر حاولت الإدارة الكردية للمخيّم حل مشكلة الأطفال عبر فصلهم عن أمهاتهم وإخضاعهم لبرنامج تأهيلي يشمل تعلُّم الرسم والموسيقى وبعض المهارات العملية وممارسة الرياضة إلا أن هذا البرنامج واجه انتقادات حقوقية دولية بسبب قيامه بحرمان الأطفال من أمهاتهم الامر الذي قد يعرّضهم إلى المزيد من الأضرار.

هذه الخطوة وصفتها ليتا تايلر المديرة المساعدة لقسم النزاعات في "هيومن رايتس ووتش"، بأن هذا الإجراء "احتجاز لأجلٍ غير مسمى دون تهمة للأطفال" معتبرة أن إبعاد المراهقين عن أُسرُهم يسبّب المزيد من الصدمات لهم.

خلال زيارة بعض صحفيي وكالة "أسوشييتد برس" أظهر بعض الصبية عداءً مفرطاً لهم فألقوا الحجارة عليهم وأشار أحدهم بحركة قطع الرأس.

وفي سبتمبر 2022 زار مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة مخيم الهول واطلع على أوضاعه عن كثب ووصفه بأنه "بؤرة للمعاناة الإنسانية" مهددة بالانفجار في أي وقت لصالح "داعش".

تحديات العودة

تستشعر العديد من الدول قلقاً من أن تؤدي استضافة عائلات مقاتلي "داعش" إلى متاعب أمنية داخل بلادهم لذا فإنها لا تمنحهم موافقتها إلا بعد تدبير إجراءات أمنية صارمة قد تصل إلى حدّ حرمان الأمهات العائدات من أبنائهن.

تمتلك هذه الدول بعض المخاوف الأمنية "المنطقية" من أن هؤلاء الأطفال يحملون أفكار آبائهم المتطرفة والدموية، وقد يجعلونها محلَّ التنفيذ يوماً ما أو على الأقل يعملون على نشرها في المحيط الخاص بهم. كل هذه الهواجس تعطّل كثيراً من جهود إعادة أبناء المخيم إلى بلادهم.

دولة مثل بريطانيا قرّرت إغلاق باب العودة تماماً فجردت بعض مواطنيها المنتمين إلى "داعش" من جنسياتهم الإنجليزية لتحوّلهم إلى "عديمي الجنسية" لا يحقُّ لهم المطالبة بالرجوع إلى بريطانيا ولا يقع أي التزام على الحكومة في هذا الصدد، وهو ما جرى مع الطالبة البريطانية شاميما بيجوم التي انضمت إلى تنظيم داعش وهي في الـ15 من عُمرها وانتقلت للعيش في مخيم لاجئين بعد سقوط التنظيم، والآن تُطالب بالعودة بعدما أصبحت حبيسة في المخيم، طلبٌ لم تلتفت له لندن بدعوى أن بيجوم لم تعد مواطنة بريطانية.

في ألمانيا تخضع الأمهات العائدات إلى محاكمات فورية بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وقد يحكم عليهن بالسجن عشرات السنوات مثلما جرى مع جنيفر دبليو التي هربت من ألمانيا إلى العراق حيث انضمّت إلى تنظيم "داعش" وهناك تسبّبت في مقتل فتاة إيزيدية بالاشتراك مع زوجها.

أما في السويد فلقد فُصلتْ الأمهات العائدات عن أبنائهن فور وصولهن إلى الأراضي السويدية ووضعوا في عُهدة وحدة متخصصة في رعاية الأطفال، وهو إجراء قابله الأطفال بالصراخ والبكاء وفي بعض الحالات ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق.

خضعت الأمهات لاستجوابٍ مكثّف استغرق من 24 إلى 48 ساعة بعدها حُرمن من الاتصال بأطفالهن لعدة أسابيع حتى سًمح لهن أخيراً برعايتهم، وفي بعض الحالات النادرة رفضت الحكومة السويدية السماح للأمهات باستعادة أطفالهن بدعوى أنهن ليسن مؤهلات لتربيتهن.

بعض الأبحاث اهتمّت بتأثير هذه التجارب القاسية على نفسية الأطفال الذين تربّوا في أجواء حرب ثم عاشوا بعدها أوضاعاً صعبة داخل المخيمات وهو ما شكّل صدمات متعددة في نفسية هؤلاء الصغار تجعل عملية إعادة دمجهم في المجتمعات الغربية أمراً بالغ الصعوبة.

هذه الصدمات قد تجعل الأطفال عُرضة لارتكاب سلوكيات خطرة في المستقبل مثل تعاطي المخدرات والكحوليات فضلاً عن الإصابة بأمراضٍ نفسية كالقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، كذلك تزداد بينهم احتمالية الإصابة بأمراضٍ مزمنة كالقلب والسكري والسرطان.

تقول ليليان موانري أستاذة الصحة العامة في جامعة تورينس الأسترالية، إنه إذا كان الوقت الذي قضاه الأطفال في المخيمات مؤلماً فإن عملية إعادتهم إلى وطنهم ستكون أيضاً مزعجة، مضيفة أن عملية إعادة توطينهم في بلادهم غالباً ستكون مصحوبة بالوصم والتمييز وهي سلوكيات ستخلّف آثاراً مدمرة على نفسياتهم.

لذا اعتبر قادة عسكريون أميركيون أن هذه العيوب التي تشوب عمليات إخلاء المخيم هي "أكبر عائق أمام ضمان هزيمة كاملة ونهائية لداعش".