حمل أحمد. د، وهو مدرّس تابع لمديرية التربية بدمشق، أكياساً مليئاً بالأوراق النقدية السورية من فئة 200 ليرة بعد ان قبض راتبه من محاسب المديرية. هذه الأموال التي تبدو لوهلة كأنها تساوي ثروة، ليست لها قيمة تذكر، "حتى الأولاد عندما يجدون في الأرض عملة من فئة 200 ليرة لا يلمّونها، لأنها أصلاً لا تساوي شيئاً، ولا يمكن أن تشتري لهم حبة علكة صغيرة".
معاناة أحمد ليست فردية، بل إن الكثير من زملائه يعانون من أزمة تتعلق بقبض رواتبهم بالعملة السورية المنهارة، و"بعض محاسبي المديرية يفرضون على الموظف في بعض الأحيان استلام الراتب من فئة الـ 200 ليرة"، وهذا يرتّب عليهم أن يخرجوا، كما يقول أحمد، "بعد استلام الراتب وقد حملنا عدة أكياس مليئة بالنقود المكدّسة". والمشكلة، بحسب أحمد، أن "الباعة والتجار لم يعودوا يقبلون منا هذه الفئة، ما يُدخلنا في دوّامة تصريف المبلغ في شراء الحاجيات اليومية".
تنعكس الآثار السلبية لانخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع التضخم إلى مستويات تاريخية، على السكان الذين يعيشون في مناطق النظام السوري.
صعوبة تداول الفئات الورقية من الليرة السورية التي تترواح بين فئة الخمسين ليرة إلى فئة الخمسة آلاف ليرة، بدت كإحدى المظاهر اللافتة للأزمة المعيشية السورية، بينما ظهرت منذ عامين شائعات حول إصدار فئة الـ 10 آلاف، إلا أن النظام امتنع عن القيام بهذه الخطوة، في مسعى لإقناع السكان أن حالة انهيار العملة طارئة، في ظل الهلع الاقتصادي الذي يثيره إصدار ورقة نقدية بهذه القيمة المرتفعة.
عمليات عدّ مُضنية
أمام هذا الواقع، تبرز لدى السوريين مشكلة التعامل بهذه الفئات الورقية، القليلة نسبياً مقارنة بارتفاع الأسعر، الذي بات يطاول أبسط حاجات السوريين اليومية.
عبد الرحيم حاج محمد يملك مخزناً لتجارة الجملة والمفرق في منطقة البرامكة وسط العاصمة السورية دمشق، يقول إن ضعف العملة الورقية باتت تشكّل أزمة حقيقية، سواء للزبائن أو للعاملين في المتجر، وتبدو المشكلة للعاملين أكبر وأكثر تعقيداً.
يقول حاج محمد لـ"ارفع صوتك"، إن الزبائن يأتونه لأخذ بضاعة لمحلاتهم الصغيرة، وتبلغ قيمة بعض الفواتير العادية عشرات ملايين الليرات، فيما أكبر ورقة متاحة في البلاد هي 5000، يضيف: "تخيّل أن يكون ثمن البضاعة 50 مليوناً أو 100 مليون، يأتينا الزبائن يحملون مبالغهم في أكياس وحقائب، وليست هنا المشكلة، المشكلة تكمن في عدّ هذه المبالغ الذي يستغرق أحياناً نصف ساعة رغم وجود العدّاد الآلي".
بعد انهيار العملة السورية.. إدلب تتداول العملة التركية رسميا
وجاء هذا الإجراء قبيل بدء تطبيق قانون "قيصر" الأميركي الذي يدخل حيز التنفيذ الأربعاء ويفرض عقوبات مشددة على النظام السوري والمتعاونين معه، من شأنها وفق محللين أن تطيح أكثر بالليرة السورية
يتابع التاجر السوري أن المشكلة الأعظم عندما يأتي الزبون بعملات من فئة 2000 أو 1000 مثلاً، "حينها يجب أن أترك عملي وأمضي نهاري في العدّ"، وفق ما يقول، ويكمل مُتندّراً: "ليت التجار يتّفقون على وزن كل مبلغ من كل فئة، هذا سيوفّر علينا بالتأكيد جهداً ووقتاً كبيرين".
الحال التي يتحدّث عنها حاج محمد لا تختلف عن وضع بقية التجار وأصحاب المحال الصغيرة كذلك، الذين يجب عليهم عدّ مبالغ كبيرة أيضاً خلال دقائق معدودة أمام الزبون.
وفي ظل هذا الواقع أكد مصرف سورية المركزي مجدداً عدم وجود نية لديه بإصدار ورقة نقدية بتصميم جديد أو فئة جديدة، وذلك على خلفية ما يتم تداوله عن إصدار فئات نقدية جديدة من فئة الـ10 آلاف ليرة، وفق ما قالت صحيفة "الوطن" المحلّية.
اختفاء الفئات النقدية الصغيرة
ارتفاع الأسعار الكبير في الأسواق السورية فرض واقعاً على السكان حول التعامل فقط بالفئات النقدية 500 و 1000 و 2000 و 5000، بينما تغيب عن الأسواق الفئات 50 و 100 و 200 في ظل صعوبة التعامل بها في البيع والشراء، نظراً لتراجعها إلى مستويات تجعلها من دون قيمة تذكر.
ونقلت صحيفة "الوطن" عن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، قوله، إنه "كلما ازداد التضخم تصبح الفئات النقدية الصغيرة لا قيمة لها، وبالتالي فإن السوق بحاجة لإصدار فئات نقدية جديدة، بديلة عن العملات التالفة أيضاً، ولتخفيف عبء حمل أكياس نقود بأوزان كبيرة، فأغلبية الباعة مهما كان اختصاصهم أصبحت لديهم عدادة نقود أو أصبحوا يكيلون الرزم النقدية على الميزان بدلاً من عدّها".
ويشير حزوري إلى أن المصرف المركزي "يبرر بشكل دائم عدم وجود نية بإصدار فئات نقدية كبيرة لأنه يسعى إلى استبدال الدفع النقدي بالدفع الإلكتروني، ولكن هذا الأمر صعب المنال نوعاً ما في الوقت الحالي لعدم وجود بنى تحتية مجهّزة".