يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود نحو 200 ألف مفقود في سوريا، نصفهم تقريبا في سجون النظام.
يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود نحو 200 ألف مفقود في سوريا، نصفهم تقريبا في سجون النظام.

عشرات آلاف المخفيين قسرا والمحتجزين بشكل تعسفي لا يزال مصيرهم مجهولا، وفقا لثماني منظمات حقوقية دولية وسورية، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

وتعيش عائلات هؤلاء المفقودين في دوامة من القلق والشك، وينفق أفرادها مدخراتهم لمعرفة مكان احتجازهم أو حتى إذا ما زالوا على قيد الحياة لدى أطراف النزاع.

تعتبر مسؤولة الحملات في منظمة العفو الدولية لين هاشم البحث عن المفقودين "مسألة إنسانية جدا"، مضيفة في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الأهالي يعيشون فعليا في جحيم يومي ولا يعرفون أين أولادهم وما هو مصيرهم".

وطالبت المنظمات الثمان المجتمع الدولي بالضغط على كافة أطراف النزاع في سوريا للكشف عن مصير هؤلاء المخفيين.

وفي بيان مشترك، شددت المنظمات على ضرورة "إنهاء عذاب عائلات المخفيين والمحتجزين بشكل تعسفي" عبر "الضغط على الحكومة السورية والجماعات المسلحة المعارضة للحكومة وحليفاتها روسيا وإيران وتركيا".

ودعت هذه المنظمات الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى "التطرق فورا إلى ملف الاعتقالات التعسفية وعمليات الخطف والتعذيب وأنواع سوء المعاملة الأخرى والإخفاء القسري بشكل واسع النطاق لعشرات الآلاف من السوريين"، موضحة أن "المئات ماتوا في الاعتقال بسبب التعذيب أو سوء المعاملة".

وحملت المنظمات الثمان الحكومة السورية وجماعات مسلحة معارضة للدولة وتنظيم داعش، مسؤولية "إخفاء الآلاف بشكل قسري".

لكن السياسي السوري المقرب من نظام الأسد شادي أحمد يعتبر الأرقام الواردة بالبيان "مبالغا فيها"، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "لا سيما أنها نفس السجون القديمة في سوريا ولم تفتتح سجون جديدة، أي أن الطاقة الاستيعابية للسجون ما زالت نفسها".

ومنذ بدء النزاع السوري في العام 2011، وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمجتمع المدني السوري "مخالفات خطيرة وصادمة ضد الأفراد المحرومين من حريتهم".

ولا يُعرف ما إذا كان هؤلاء المخطوفون والمعتقلون لدى أطراف النزاع كافة أحياء أو أمواتا.

تقول هاشم إن الأهالي لا يتلقون "إجابات من الحكومة السورية أو من الجماعات المعارضة المسلحة".

ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود نحو 200 ألف مفقود في سوريا، نصفهم تقريبا في سجون النظام.

وددت المنظمات بـ"غياب أي جهود فعلية" لحل المسألة.

وتعد قضية المفقودين والمخفيين قسراً من أكثر الملفات تعقيدا في النزاع السوري الذي أودى منذ اندلاعه بحياة أكثر من 370 ألف شخص.

أما السياسي السوري شادي أحمد فيعتبر أن "هناك فرقا بين المغيبين قسرا والموقوفين لأسباب جنائية أو أعمال إرهابية".

ويضيف "صدرت العديد من مراسيم العفو وتم إخلاء أشخاص كثيرين ممن شاركوا بأعمال تخريبية".

وفي العام 2017، اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات السورية بارتكاب عمليات شنق جماعية سرا و"خارج نطاق القضاء" طالت 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا قرب دمشق.

وفي عام 2018، حدثت الحكومة السورية سجلات الأحوال الشخصية في مناطق عدة لتظهر وفاة مئات الأشخاص في السجون، بتاريخ تعود به معظم شهادات الوفاة إلى العام 2013، وجرى في بعضها تحديد سبب الوفاة بـ"نوبة قلبية".

ولم تتسلم العائلات حتى الآن جثامين المتوفين، كما لا تملك أي طريقة للتأكد من الوفاة.

واتهمت المنظمات أيضا الفصائل المقاتلة في سوريا وبينها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) التي تسيطر على محافظة إدلب (شمال غرب) أو تلك الموالية لتركيا في شمال سوريا بارتكاب "عمليات الخطف والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة".

ولا يزال مصير الآلاف ممن اختطفهم تنظيم داعش مجهولا رغم تجريده من كافة مناطق سيطرته.

واقترحت المنظمات المعنية مجموعة من التوصيات، بينها "الكشف عن أسماء ومواقع ومصير الأشخاص الذي تعرضوا للإخفاء القسري والخطف والذين أُعدموا خارج نطاق القضاء أو وفق إجراءات موجزة أو ماتوا في مراكز الاحتجاز"، و"إعادة جثامين الضحايا فورا إلى العائلات" ووقف المحاكم العسكرية للمدنيين، ومنح المراقبين الدوليين المستقلين التحقيق في ظروف الاحتجاز.

ودعت أيضا إلى إنشاء "نظام موحد" لتسجيل جميع المفقودين.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".