لاجئين سوريين بمدرسة ألمانية
لاجئين سوريين بمدرسة ألمانية

قبل أربع سنوات، كان سكان بلدة  "غولزو" في الريف الشرقي لألمانيا، يتحسرون على انخفاض عدد الأطفال، حتى أن مدرسة البلدة كانت مهددة بالإغلاق.

ثم فجأة وصل "أطفال غولزو"، حسب وصف رئيس البلدة، وهم مجموعة من أطفال لاجئين سوريين، فتغير حال البلدة إلى الأفضل.

"لقد أنقذوا قريتنا، لقد أنقذ السوريون مدرستنا"،  يقول رئيس البلدة شوتز، وبطريقة ما أنقذت "غولزو" نفسها"، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

كانت مدرسة القرية، كما القرية نفسها، بدأت تندثر، بسبب انخفاض عدد السكان وخاصة الأطفال.

وصل الأطفال السوريون مع عائلاتهم ليغيروا حياة "غولزو" للأفضل، كما يتفق أغلب سكان القرية على ذلك.

بعد أربع سنوات من وصول السوريين، دبت الحياة في الشقق الفارغة، حسب تقرير الصحيفة الأميركية، وأصبحت المعجنات العربية تعرض بجانب فطائر التفاح الألمانية في معرض البلدة السنوي.

قصة هؤلاء اللاجئين هي قصة عن صداقة الآخر حتى رغم أن واحدا من بين كل أربعة أشخاص في البلدة صوت لصالح البديل اليميني المتطرف لألمانيا في الانتخابات الأخيرة.

غير أن القصة لم تكن وردية في بدايتها، فقد قابل سكان القرية قرار استقبال اللاجئين بالتشكيك والخوف من هؤلاء القادمين بلغة ودين مختلفين.

"إنه الجنون" يقول مصفف شعر بالقرية، "الأمر مستحيل" يضيف مزارع بالقرية، فيما احتجت ماركو سيدلت:  "هذا لا يمكن أن ينجح، لديهم دين مختلف، أطفالنا لن يتكلموا الألمانية الصحيحة بعد الآن".

هكذا تكلم سكان البلدة عندما جمع شوتز القرويين لأول مرة لشرح فكرته لجلب السوريين.

لكن بعد ذلك اندمج ابن ماركو سيدلت، البالغ من العمر 11 عاماً، مع ثلاثة سوريين في صفه الأمر الذي غير نظره الأم لهم.

اللاجئون كانوا متخوفين، فالبلدة تعرف أنها معقل لليمين المتطرف، تقول السورية حليمة طه، حذرتها صديقاتها قبل أن تصل إلى القرية." ألمانيا الشرقية؟ هل أنت مجنونة؟"

 ولكن بعد ذلك بذل كلا الجانبين جهدا - وفوجئا بمدى إعجابهما ببعضهما البعض.

 في اليوم الأول من المدرسة، استقبل الآباء الألمان الأسر السورية بكعكة - غير مدركين أنهم كانوا صائمين لأنه كان رمضان. كانت هناك لحظة من الإحراج. ثم ضحك الجميع، وقطعت السيدة حليمة الكعكة.

طلبت السيدة حليمة من أطفالها أن يحيوا كل قروي في الشارع منذ اليوم الأول - باللغة الألمانية، لتسهيل الاندماج.

وقال غابي توماس، مدير المدرسة المحلية، عن الأسر السورية "لقد أصبحوا جزءا مهما من مجتمعنا".

وقد تبنى أحد القرويين، الذي يعيش أحفاده على بعد مئات الأميال، ثلاثة أطفال سوريين تحت جناحه، وبدأ تعليمهم كيفية الصيد والسباحة. فيما يطلق الأطفال عليه "أوبا"، الكلمة الألمانية للجد.

اكتشف السكان المحليون وجيرانهم السوريون الجدد أن لديهم بعض الأشياء المشتركة. كلاهما يشعر بالمحنة التي يعيشها النازحون. فالألمان الشرقيون، بطريقة ما، لديهم تجربة هجرة خاصة بهم - في بلدهم.

فقد استقر العديد من القرويين في غولزو كأطفال، بعد أن فروا من الأراضي الألمانية في بولندا في نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان من بينهم عمدة سابق، أصحبت القرية عائلتهم، تماما كما هو الحال للقادمين الجدد من السوريين.

"نحن الآن جزء من تلك العائلة" تقول اللاجئة السورية حليمة.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".