"ديريا. و" خلال حوارها مع مجلة بيلد الألمانية
"ديريا. و" خلال حوارها مع مجلة بيلد الألمانية

بدأت في مدينة دوسلدروف الألمانية محاكمة مواطنة ألمانية بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش.

ووصفت "ديريا. و"، 27 عاما، رحلتها الاستثنائية من تعاطي الدعارة في شوارع مدينة درورتموند إلى الارتماء في أحضان تنظيم داعش متنقلة بين الرقة في سوريا والموصل في العراق.

وقالت ديريا للمحكمة إنها غادرت المدرسة في الصف التاسع، وعمرها لم يتجاوز 17 سنة، قبل أن تلتحق بالعمل في الملاهي الليلية. وهناك التقت بشخص أجبرها على احتراف الدعارة لسنوات. تقول إنه كان يضربها ويأخذ مالها، وإنها حاولت الفرار مرارا.

خلال هذه الفترة، التي استمرت أربع سنوات، تعاطت الكوكايين أيضا وتحولت إلى مدمنة. 

في فبراير الماضي، حكت ديريا قبل اعتقالها جزءا من قصتها لصحيفة "بيلد" الألمانية. قالت إنها في هذه الفترة كانت حزينة جدا، وتبحث عن مخرج.

على فيسبوك، التقت "ماريو. س" الذي لم يكن سوى أحد مقاتلي داعش الألمان في سوريا. حكى لها عن الأوضاع هناك.

"سألته: هل أنت متزوج؟ فأجاب بِلا. قلت له: لنتزوج إذن"، تقول ديريا لصحيفة بيلد.

ديريا مع زوجها ماريو.س وهو ملاكم ومغني راب سابق من مدينة ليفركوزن

الطريق إلى سوريا

بعد شهرين فقط، سافرت ديريا إلى تركيا، البلد الأصلي لوالديها. ومنها دخلت إلى سوريا، عبر مدينة أعزاز الحدودية بمساعدة مهربين.

"عندما رأيت ماريو لأول مرة، كان بزي عسكري ويحمل سلاحا وملتحيا. كان ذلك جميلا".

تتذكر الشابة الألمانية ليلتها الأولى مع ماريو: "كنا في قبو تعذيب سابق.. كانت آثار الدم لا تزال على الجدران".

تنقل الزوجان الجديدان في مدن مختلفة شمال سوريا قبل أن يستقرا في الرقة. كان ذلك قبل إعلان تنظيم داعش للخلافة.

في الرقة، أخبر ماريو ديريا أن التنظيم أعلن الخلافة. "ظننت في البداية أن ذلك شيء سيء"، تقول. "لكنّه أخبرني، على العكس، أنه أمر جيد. أردت الاحتفال بإطلاق النار في الهواء".

في سنة 2015، انتقل الزوجان إلى العراق وهناك أنجبا طفلا. لكن علاقتهما سرعان ما ساءت وانتهت بالطلاق، رغم محاولات ماريو التشبث بالزواج.

تلقت ديريا، عقب ذلك، عدة عروض بالزواج. كان أحدها من دينيس كوسبيرت، وهو مغني راب ألماني سابق كان معروفا بلقب ديزو دوغ. كان الأخير مقربا من زوجها السابق، لكنها رفضت هذا العرض.

ماريو.س مع مغني الراب السابق الألماني ديزو دوغ أشهر مقاتل ألماني في صفوف داعش

في المقابل، قبلت ديريا أن تصبح زوجة ثانية لمقاتلي بلجيكي في داعش اسمه أبو صلاح الدين. وعادت من أجل ذلك من العراق إلى سوريا.

لم يدم الزواج طويلا، قتل المقاتل البلجيكي بعد شهرين فقط في قصف نفذته طائرة مسيرة.  "حظي تعيس مع الرجال. كلهم يموتون بين يدي"، تقول ديريا لصحيفة بيلد.

الزوج الجاسوس

وجدت نفسها وحيدة، فعادت إلى العراق وإلى زوجها السابق ماريو. كان ماريو مدربا في أحد معسكرات التدريب التابعة لداعش. علمها هي أيضا استخدام السلاح.

"كنا نطلق النار على قناني الزجاج، باستعمال الأسلحة اليدوية وبنادق الكلاشينكوف وبنادق M16. يمكنني إطلاق النار بشكل جيد".

أعطى ماريو لزوجته حزاما ناسفا أيضا "للدفاع عن نفسها عن تكون وحيدة في البيت".

وكما في السابق، لم يكتب لهذا الزواج الاستمرار أيضا. كان الزوجان يعيشان في الموصل، سنة 2016، عندما حلت شرطة تنظيم داعش بمنزلهما.

اعتقل رجال الشرطة ماريو، ولم تره ديريا بعد. ظلت تبحث عن مكانه لأشهر. في الأخير، أخبرها أحد أطباء سجون داعش بما حدث لزوجها.

"ضربوه بالعصي، أولا على ساقيه، ثم ظهره حتى أصيب بالشلل". في الواقع، اعتبر التنظيم أن زوجها صار جاسوسا.

ما قاله الطبيب أكدته شرطة داعش لاحقا، فقد التحق عناصر من الشرطة ببيت ديريا وأخبروها بأن زوجها أعدم وطالبوها بألا تحزن عليه لأنه أصبح "كافرا" بسبب التجسس.

تقول الشابة الألمانية إن وفاة ماريو شكلت صدمة لها. لتقرر مباشرة بعدها مغادرة "أرض الخلافة". وهو ما نجحت فيه بمساعدة مهربين أوصلوها إلى مناطق الفصائل المسلحة المعادية لداعش في الشمال السوري.

أوصل مقاتلون من الشمال السوري ديريا وطفلها إلى الحدود التركية. وهناك تم اعتقالها من قبل الشرطة التركية، قبل ترحيلها إلى ألمانيا. وهو ما تم في أغسطس 2017.

عاشت ديريا في ألمانيا من جديد دون أن تتعرض للاعتقال لفترة طويلة، بل إنها عادت إلى حياتها السابقة واشتغلت كـ"فتاة مرافقة" (escort girl).

في نوفمبر 2018، اعتقلت الشرطة ديريا من سيارتها. وحملتها طائرة هليكوبتر إلى كارلسروه، كما تحكي والدتها لصحيفة "بيلد".

أمام المحكمة وجهت لديريا تهم الانتماء لمنظمة إرهابية، والتدرب على الأسلحة، وامتلاك حزام ناسف ومحاولة بيعه لنساء ألمانيات في سوريا.


 

مواضيع ذات صلة:

Syrian beekeeper Ibrahim Damiriya struggles to produce honey from his hives on parched land in Rankus village near the capital…
"لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل"

في أرض شبه قاحلة لولا عدد قليل من الأشجار قرب دمشق، يعاين إبراهيم ضميرية قفران النحل بحثاً عن العسل الذي انحسر إنتاجه، على وقع النزاع الدامي وتبعات التغير المناخي.

ويقول ضميرية (62 عاماً) من خلف قناع وبينما يرتدي زياً أبيض اللون يقيه لسعات النحل، لوكالة فرانس برس، "لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل".

قبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كان ضميرية يمتلك أكثر من مئة قفير، لم يبق منها اليوم إلا أربعين، تعود عليه بإنتاج ضئيل.

في بلدته رنكوس التي نالت نصيبها من دمار وتهجير جراء النزاع، يقول ضميرية "إذا استمرت المشاكل التي نواجهها لناحية تغيّر المناخ وغلاء الأسعار، من الممكن أن أتخلى عن المهنة بشكل كامل". 

وأنتج النزاع الدامي أزمة اقتصادية خانقة ضاعفت من حدتها عقوبات تفرضها دول غربية على دمشق. وتراجعت قدرة المواطنين الشرائية حتى باتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية. 

ويتنقّل ضميرية بين صناديق النحل المطلية باللونين الأخضر والأبيض التي تلقّاها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن أحد مشاريعها التنموية في سوريا.

وتشتهر بلدة رنكوس بصناعة العسل، لكن موجات الحرّ الشديد وقبلها البرد القارس خلال فصل الربيع قضت على مساحات من النباتات المزهرة التي يتغذّى النحل من رحيقها.

وانخفض عدد قفران النحل في سوريا من 635 ألف قفير قبل الحرب إلى 150 ألفاً عام 2016 حين كان النزاع في أوجه، قبل أن يعود ويتحسّن تدريجياً، وفق ما يقول رئيس اتحاد النحّالين العرب إياد دعبول.

400 ألف قفير 

وألحقت الحرب، وفق تقرير للأمم المتحدة عام 2019، أضراراً بإنتاج العسل الذي كان يعدّ صناعة تقليدية في البلاد، مع انخفاض عدد القفران بنسبة 86 في المئة جرّاء الدمار أو الإهمال من ريف دمشق وصولاً حتى اللاذقية.

وساهم استخدام القنابل على نطاق واسع خلال المعارك في مفاقمة التلوث، بينما يتسبّب سوء استخدام المبيدات وانتشار الطفيليات التي تهاجم الخلايا بارتفاع معدّل وفيات النحل، وفق التقرير ذاته.

ويوجد في سوريا اليوم 400 ألف قفير بلغ إنتاجها خلال العام الحالي نحو ألف و500 طن من العسل حتى الآن مقارنة مع ثلاثة آلاف طن عام 2010. وتراجع أيضاً عدد مربّي النحل من 32 ألفاً إلى 18 ألفاً. 

ويشرح دعبول أن "تطرّف المناخ أثّر كثيراً على النحل وخصوصاً في فصل الربيع الذي يُشكّل أساس دورة حياته"، لا سيما مع "انخفاض درجات الحرارة في موسم الحمضيات الذي يشكّل مرعى أساسياً للنحل".

كما أدى ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة تزداد عاماً بعد عام، إلى اندلاع عشرات الحرائق في المناطق الحرجية. وأودى ذلك، وفق دعبول، "بأكثر من ألف خلية نحل في جبال الساحل، وحرمان النحل من مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية".

وتنعكس مظاهر التغيّر المناخي من تصحّر وتراجع الأمطار وجفاف الأنهر وتطرّف درجات الحرارة بعكس الفصول، لا على النحل فحسب، بل أيضاً على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية.

وأدى النزاع وتداعيات التغير المناخي، وفق المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقّوت، إلى "خفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو خمسين في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة".

ابراهيم ضميرية يعاين قفير نحل

"يهاجر أو يموت"

وسوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي. لكنها أيضاً، بحسب زقوت، "من أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهة التغير المناخي".

وعلى غرار منظمات دولية أخرى تخصّص برامج لدعم تربية النحل في سوريا، وزّعت اللجنة بالتعاون مع منظمات محلية مئات قفران النحل ومستلزمات تربيته على مربين ومزارعين في مدن سورية عدة.

وتقول زقوت لـ"فرانس برس" إن اللجنة تحاول مساعدة الناس "على التكيّف مع تغيرات المناخ لعدم قدرتهم على ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى جانب تبعات الحرب والعقوبات".

في أحد بساتين رنكوس، يقطف المزارع ومربي النحل زياد رنكوسي ثمار تفاح تالفة من شجرة يبست أغصانها جراء قلة المياه.

ويتحسّر على أرض كانت تضمّ أكثر من ألف شجرة، لم يبق منها اليوم سوى 400 جراء الإهمال وتراجع الأمطار من ناحية، وتلف جزء كبير منها خلال فترة المعارك من ناحية أخرى.

وغالباً ما يقطع السكان الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يحلّ قارساً في تلك المنطقة، في ظل شحّ محروقات مزمن تعيشه سوريا في السنوات الأخيرة وانقطاع طويل في التغذية بالكهرباء.

ويقول رنكوسي لـ"فرانس برس" "منذ نحو خمس سنوات، يأتينا قحط وتصحّر لم نعتد عليهما، وهذا العام أتتنا موجة برد قارس (خلال الربيع) وذهب الثمر (..) هذه مظاهر غير مألوفة لسكان رنكوس".

ويضيف "عندما تختفي الأشجار والأزهار، لا يجد النحل ما يرعاه، فيهجر المنطقة أو يموت".