تظهر الصورة كنيسة "سانت إلياس" في منطقة حرستا شمال شرقي دمشق/ ا ف ب
تظهر الصورة كنيسة "سانت إلياس" في منطقة حرستا شمال شرقي دمشق/ ا ف ب

قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير لها بعنوان "استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا تهديد للتراث العالمي"، إن استهداف أماكن العبادة المسيحية يعتبر شكلاً من أشكال تخويف وتهجير الأقلية المسيحية في سوريا.

ووصفت النظام السوري بأنه غير آبه بالدمار الحاصل في سوريا، الذي يمحو تاريخاً وحضارات مرّت على البلاد، وحمّلته المسؤولية عن تدمير أكثر من 60% من الكنائس المسيحية في سوريا، مضيفة أن قرابة 76 كنيسة تضررت بسبب الاعتداءات من جماعات مسلحة وأطراف أخرى. 

وأكدت الشبكة على أهمية بعض أماكن العبادة المسيحية في سوريا التي يعود بناؤها إلى القرن الأول الميلادي ككنيسة "أم الزنار" في مدينة حمص، وكنيسة "قلب اللوزة" في ريف إدلب التي يعود بناؤها إلى القرن الخامس الميلادي. 

وطالبت الشبكة مجلس الأمن والمجتمع الدولي بإحالة "الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين"، بالإضافة لدعوتها إلى "فرض عقوبات على النظام السوري والإيراني، وإدراج الميليشيات الأجنبية والطائفية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري على قائمة الإرهاب الدولية".

"قمع وإرهاب النظام"

"أصبحنا ندخل للصلاة في أي كنيسة تابعة لأي طائفة أخرى، المهم أن نؤدي صلاتنا، وهناك أديرة تعرضت للدمار الكلي مثل دير وارطان في منطقة الميدان تدمر كلياً وصار رماداً"، يقول السوري المسيحي طوني (اكتفى باسمه الأول) لـ"ارفع صوتك".

وطوني هو صحافي من حلب شمال سوريا، يخبرنا أن "الأحياء المسيحية لم تسلم من الحصار وغلاء الأسعار والقصف الممنهج خلال الحرب، من هذه الأحياء، السليمانية والعزيزية والميدان والتل".

وأوضح: "عندما وصلت الحرب بدورها عام 2012 لهذه الأحياء، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وتضررت كنائس كثيرة مثل كنيسة المارونية في ساحة فرحات وكنيسة الروم الكاثوليك، أما الإنجيلية وكنيسة أم المعونات التابعة للأرمن الكاثوليك، فتلاشتا تماماً، بينما تضررت أغلبية كنائس منطقة الميدان نتيجة القصف العشوائي بنسبة 80%".

وعن هجرة المسيحيين من سوريا، يقول طوني إن أكثر أصدقائه ومعظم المسيحيين الذين سكنوا أحياء حلب المسيحية هاجروا منذ بداية الحرب إلى دول أوروبية، بحثاً عن الأمان والاستقرار.

ويتابع "الناس خافت على مصيرها في حلب لذا قرروا الهجرة، آخرون باعوا بيوتهم لبدء حياة من الصفر في المهجر، أما من تبقى حسب إحصائيات من الفاتيكان، فهم أقل من 10% من السوريين، بينما كانت نسبتهم 25%".

في ذات السياق، أعرب جورج دخل الل عن حزنه الشديد جراء ما حصل للكنائس والمسيحيين بشكل عام في دمشق وريفها، قائلاً "كأننا رجعنا للعصور الوسطى. شكل استهداف كنائس تاريخية صدمة كبيرة لنا، أنت ترى تاريخاً كبيراً يختفي، مثل كنيسة دير مارتقلا في مدينة معلولا".

وأضاف لـ"ارفع صوتك": "الكنائس بيت الله ولو مهما حصل ستبقى أجراسها تبث الروح فينا. استهدفوا كل شي يخص الكنائس ودمروه تحت مسمى الكفر، ودمروا وقصفوا وحرقوا كتباً سماوية وخطفوا وقتلوا، لكن الله أكبر منهم وسنتجاوز حتماً هذه المرحلة".

بدوره، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن "النظام السوري يتحمل المسؤولية الأكبر من استهداف الكنائس في سوريا. طالما رفع النظـام السوري شعارات جيدة، لكن في أرض الواقع كنا نرى العكس. النظام مارس عمليات نوعية في قمع و إرهاب كل من طالب بتغييـر وإصلاح سياسـي مهما كان دينـه أو عرقـه، ولـو تسـبَّب ذلـك في تدمـير تـراث سـوريا وتهجيـر أقلياتهـا، لـن تسـتقر سـوريا دون انتقـال إلى الديمقراطيـة واحتـرام حقـوق الإنسـان".

هل يعودون؟

يرى الصحافي طوني،عودة المسيحيين "مستحيلة" رغم تشجيع المطارنة والقساوسة على العودة للوطن خلال خطبة الأحد، بغية تحقيق التوازن الديني في سوريا.

ويضيف أن "هذا التوازن لن يحدث ما دامت الحرب قائمة. بعض المسيحيين هربوا خشية الزج بأولادهم في الصراع الدائر ولا يريدون لهم أن يشاركوا في الخدمة العسكرية الإلزامية، الكثير سافر إلى أرمينيا وعدد كبير نحو أوروبا".

وتضمن التقرير المشار إليه في الأعلى حصيلة حالات الاعتداء التي نفذتها أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا، التي استهدفت الكنائس منذ آذار 2011 حتى أيلول 2019.

وتم تسجيل نحو 124 حالة اعتداء، 75 منها على يد قوات النظام، و10 على يد عناصر داعش، في حين كانت هيئة تحرير الشام مسؤولة عن هجومين اثنين.

ووفقاً للتقرير فإن 33 اعتداء جرى بيد فصائل في المعارضة المسلحة، و4 اعتداءات على يد جهات مجهولة، وتم تحويل 11 كنيسة إلى مقرات عسكرية أو إدارية من قبل أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة، ستة تحت سيطرة النظام، والبقية بين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وداعش وفصائل مسلحة.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".