سيدات في مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية ويأوي مخيم الهول الجزء الأكبر من عائلات عناصر "داعش" من أصل 70 ألفا يقطنون فيه
سيدات في مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية ويأوي مخيم الهول الجزء الأكبر من عائلات عناصر "داعش" من أصل 70 ألفا يقطنون فيه

أثار الهجوم التركي في شمالي سوريا الخشية حول مصير الآلاف من مقاتلي تنظيم "داعش" وأفراد عائلاتهم المحتجزين في سجون ومخيمات يديرها المقاتلون الأكراد المنهمكين حاليا في صد العملية العسكرية ضدهم.

وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي على المعركة ضد خلايا تنظيم "داعش" الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

كما كررت قوات "قسد" مؤخرا خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلبا على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات.

عدد المعتقلين

تعتقل قوات سوريا الديموقراطية 12 ألف عنصر من تنظيم "داعش"، بينهم 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة. ويُعتقد أن التونسيين يشكلون العدد الأكبر من المتشددين الأجانب.

ويقول مسؤولون فرنسيون إن بين المعتقلين الأجانب 60 إلى 70 فرنسيا.

أما المعتقلون الآخرون فينقسمون بين نحو أربعة آلاف سوري، وأربعة آلاف عراقي. 

أين؟

تحتجز قوات "قسد" المتشددين ومعظمهم جرى اعتقالهم خلال المعارك ضد تنظيم "داعش" في سبعة سجون على الأقل.

لا يفصح المقاتلون الأكراد عن مواقع السجون كافة، ويقع اثنان منها على الأقل في مدينة القامشلي، وآخر في قرية الدشيشة ورابع في مدينة المالكية (ديريك) في محافظة الحسكة.

واتهم المقاتلون الأكراد الأسبوع الماضي تركيا باستهداف محيط سجني نفكور وجيركين في القامشلي.

وحذرت الإدارة الذاتية الكردية مرارا من أن العديد من تلك المنشآت غير مهيأة، مطالبة المجتمع الدولي بدعمها، وقال مسؤول إن بعضها "مجرد أبنية".

احتمالات الفرار

بعدما حذروا من أن ينعكس انصرافهم إلى قتال القوات التركية سلبا على جهودهم في حفظ أمن مراكز الاعتقال، أعلن الأكراد الأسبوع الماضي أن خمسة متشددين فروا من سجن نيفكور في القامشلي بعد سقوط قذائف تركية قربه.

إلا أن مسؤولا أميركيا قال إن بلاده لم ترصد "أية عملية فرار كبيرة واسعة للمعتقلين حتى الآن".

كما قالت فرنسا إن الهجوم التركي لم يشكل حتى الآن تهديدا على السجون.

عائلات المتشددين 

قد لا ينطبق الأمر ذاته على عائلات المتشددين، حيث يقبع 12 ألف إمرأة وطفل من عائلات عناصر تنظيم داعش في ثلاث مخيمات يديرها الأكراد، هي: روج والهول (الحسكة) وعين عيسى (الرقة). ويُعد مخيم الهول الذي يؤوي الجزء الأكبر من هؤلاء من أصل 70 ألفا يقطنون فيه، الأهم.

أعلنت الإدارة الذاتية الكردية الأحد "فرار 785 شخصا" من أفراد عائلات تنظيم "داعش" من مخيم عين عيسى بعد سقوط قذائف أطلقتها القوات التركية قربه.

وقد عاد بعض الفارين إلى المخيم، إلا أن ثلاث فرنسيات بينهم أصبحنّ في عهدة مقاتلي التنظيم مجددا بعد مغادرتهم المخيم، وفق ما قالت عائلتهنّ.

والأسبوع الماضي، أحبط حراس مخيم الهول أعمال شغب قامت بها نسوة من عائلات مقاتلي التنظيم، وفق ما أفاد مسؤولون أكراد.

إمكانية نقلهم

منذ إعلانهم القضاء على "خلافة" تنظيم "داعش"، يطالب الأكراد الدول المعنية باستعادة مواطنيهم المحتجزين لديهم أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المتشددين.

إلا أن غالبية الدول، وخصوصا الأوروبية، أصرت على عدم استعادة عناصر التنظيم.

ويبدو أن الهجوم التركي أجبر تلك الدول على البحث عن حلول بديلة.

وتبحث فرنسا ودول أخرى إمكانية نقل هؤلاء إلى العراق لمحاكمتهم، ومن المتوقع أن يبحث وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الأسبوع الحالي الأمر في بغداد.

وتحذر منظمات حقوقية من محاكمات "غير نزيهة" في العراق. وقد أصدرت محاكم عراقية خلال الصيف أحكاما بالإعدام على 11 فرنسيا لانتمائهم إلى التنظيم بعدما اعتقلوا في سوريا ونقلوا إلى العراق.

وأمام المخاوف على مصير المعتقلين، عمدت الولايات المتحدة إلى نقل متشددين بارزين كانا في مجموعة تطلق على نفسها اسم "البيتلز"، إلى خارج سوريا.

انتعاش التنظيم

لا يتعلق الأمر فقط بمعتقلي التنظيم المتطرف، بل ازدادت الخشية مؤخرا من انتعاشه مجددا خصوصا أن الهزيمة الميدانية التي مُني بها على يد قوات سوريا الديمقراطية، لم توقف خلاياه النائمة عن شن هجمات دموية.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية وإثر إعلان القضاء على "الخلافة" في مارس الماضي، انكبت بدعم أميركي على ملاحقة الخلايا النائمة للتنظيم وخصوصا في محافظة دير الزور (شرقي سوريا).

وتبنى التنظيم خلال الأشهر الماضية اعتداءات دموية عدة، كان آخرها تفجير آلية مفخخة في مدينة القامشلي، أسفرت عن مقتل ستة أشخاص في اليوم الثالث من الهجوم التركي ضد المقاتلين الأكراد.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".