الصورة لطوبا وليزا نشرتها صحيفة تلغراف البريطانية
الصورة لطوبا وليزا نشرتها صحيفة تلغراف البريطانية

نشر موقع "التلغراف" البريطاني، أمس الأبعاء، قصة مجندتين سابقتين في تنظيم داعش، تم القبض عليهما من قبل ميليشيا "الجيش الوطني السوري" التي تشارك برياً في القتال إلى جانب القوات التركية داخل شمال شرق سوريا.

وكانت البريطانية طوبى غوندال (25 عاماً) والآيرلندية ليزا سميث (38 عاماً)، تمكنتا من الهرب في وقت سابق، من مخيم "عين عيسى" القريب من الحدود التركية، بعد قصف القوات التركية للمخيم، الذي يضم آلاف النازحين إلى جانب المئات من عائلات عناصر داعش وأطفالهم.

وهما الآن رهن الاحتجاز فيما يدعى "البيت الآمن" لدى قوى تابعة "للجيش الوطني السوري"، وفق التلغراف.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، الأحد الماضي، هروب  785 شخصاً من أفراد عائلات تنظيم داعش من مخيم "عين عيسى" للنازحين، بعدما طاله قصف القوات التركية.

"ليس سجناً"

وقال أحد عناصر "الحيش الوطني" الموالي لتركيا، إن "البيت الآمن ليس سجناً، لكنهما لا تستطيعان المغادرة الآن". زاعماً أن جماعته تحتجز غيرهما من النساء، من دول "ألمانيا ومقدونيا وقيرغيزستان وأذربيجان وتركيا" كنّ أيضاً في صفوف داعش.

من جهته، قال شقيق غوندال، ويُدعى عارب، لـ"التلغراف" إن العائلة سمعت أخباراً منها، الثلاثاء.وقالت طوبى في آخر اتصال مع أهلها في لندن إنها وطفليها الصغيرين "بأمان ويتغذون جيداً في مكان حدودي".

وأضافت أنهم "اضطرّوا للهروب من المخيم بعد نشوب شجار عنيف قريب منهم كما أن المكان بات شديد الخطورة".

وأضافت أنهم غادروا المخيم في السادسة صباحاً ولم يصلوا إلى مكان آمن حتى وقت متأخر من المساء، حيث يبلغ أحد طفليها أربعة أعوام، ومشى طيلة الوقت ما جعل الطريق صعبة.

وقالت طوبى في ذات الاتصال إنهما وبعد وصولهم "البيت الآمن" حصلوا على "حمامات وطعام وتمت معاملتهم بشكل جيد" مشيرةً "أعتقد أنها كانت أول وجبة مناسبة تناولها طفليّ منذ وقت طويل جداً".

وهناك مخاوف من أن يتم تسليم المحتجزتين لتركيا، وهناك تُحاكمان أو تُرحّلان إلى بريطانيا وآيرلندا، وهو سيناريو غير مرغوب بالنسبة للحكومتين الغربيتين، وفق "التلغراف".

ويُعتقد أن مركز الاحتجاز المشار إليه موجود في قرية على مشارف مدينة "تل أبيض" التابعة لمحافظة الرقّة، وتم الاستيلاء عليها من قبل القوات التركية وحلفائها.

صورة تقريبية للمسافة بين عين عيسى وتل أبيض/ المصدر: غوغل مابس

ومن بين جميع النساء الهاربات وهنّ من أقرباء مقاتلي داعش، ما الذي يميّز طوبى وليزا؟

عُرفت كلاهما بدورهما البارز في استدراج عناصر جدد للانخراط في تنظيم داعش. ومن هؤلاء، البريطانية شميم بيجوم، التي أغرتها طوبى غوندال بالعثور على زوج في "دولة الخلافة" وكانت شميم طالبة مدرسة آنذاك.

وقبل أسابيع من هروبها ، كتبت طوبى رسالة مفتوحة تقول فيها إنها "نادمة وأرادت العودة إلى المنزل" وجاء في نصّها "أعي نظرة الناس لي، لكني أريد فقط فرصة لأثبت لهم أنني تغيّرت".

وعرفت طوبى بـ"الخطّابة" لتدبيرها الزيجات بين مقاتلي داعش والنساء في معاقلهم أو خارجه.

وقال والدها، محمد غوندال، الثلاثاء، إن الأسرة كانت قلقة على سلامتها، مضيفاً "لقد عانينيا طيلة أربع سنوات. هذا ليس سهلاً، نحن قلقون على أحفادنا أيضاً، فهما مجرد طفلين صغيرين".

وفي حال وصلت تركيا، فإن عائلتها ستناشد الحكومة البريطانية لإعادتها، حسبما قال محمد للموقع البريطاني.

وتزوجت طوبى ثلاث مرات، وبعد هزيمة داعش وهروب عائلات المقاتلين، حاولت العودة لبريطانيا، لكنها محظورة من دخول البلاد، لكن ابنها إبراهيم (3 أعوام) يملكحق في الحصول على الجنسية البريطانية لأن والده بريطاني.

يقول والدها "حين نطمأن أنها في مكان آمن سنستأنف طلبنا بالسماح لها بدخول البلاد، لقد حاولنا ثلاث مرات سابقاً. أنا أعلم أنها نادمة فعلاً على انخراطها في تنظيم داعش". 

وترى الحكومة البريطانية في عودة مواطنيها الذين قاتلوا أو عرفوا بنشاطهم داخل تنظيم داعش "تهديداً للأمن القومي".

وهناك نحو 10 رجال بريطانيين و20 امرأة و30 طفلاً، محتجزين حالياً في معسكرات وسجون تابعة للأكراد في شمال شرق سوريا.

أما ليزا سميث أكدت عائلة غوندال أنها كانت برفقتها. وكانت جندية في قوات الدفاع  الآيرلندية قبل أن تنتقل للعمل في سلاح الجو، كمضيفة طيران في طائرة حكومية.

ليزا سميث قبل انضمامها لداعش/ المصدر: ديلي ميل

وسافرت سميث إلى سوريا عام 2015، وهناك التقت البريطاني الجهادي في داعش ساجد أسلم، الذي قتل لاحقاً خلال معارك التنظيم.

وأكدت "غاردا" أنها "قيد التحقيق الجنائي في الجرائم الإرهابية وسيتم استجوابها إذا عادت إلى آيرلندا".

غاردا، هي اختصار لعبارة The Guardian of the Peace، وتعني حارس السلام، ويقصد بها شرطة جمهورية آيرلندا.

وفي نيسان/ أبريل من العام الجاري 2019، ناشدت سميث عبر صحيفة "ديلي ميل" البريطانية بالسماح لها بالعودة لبلادها.
وقالت "ابنتي (عمرها عامان) أولويتي الأولى، ولهذا السبب أريد المغادرة للبلاد وأخذها معي لتعليمها".




وتابعت سميث: "لا أريد أن أتسبب في مشاكل لأي شخص، فقط أريد العودة لبلادي".

وأضافت "لا أحب قتل أي شخص، ولا أؤمن بالهجمات الانتحارية".

وقال رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فرادكار "أعلم برغبة سلطات البلاد في استجواب ليزا سميث للوقوف على حقيقة موقفها وما إذا كانت متورطة في أي جرائم ارتكبت هناك. ولكن من المحتمل للغاية أنها لم تكن من بين المقاتلين" حسبما نشرت صحيفة "الإندبنبت" البريطانية في آذار/ مارس 2019.

وأضاف "نحن بحاجة ماسة للوقوف على حقيقة الأمر بشأنها، ثم إجراء تقييم أمني لوضعها الحالي لمعرفة ما إذا كانت السلطات السورية ترغب في محاكمتها من عدمها. ولكن في خاتمة المطاف، فإنها مواطنة آيرلندية، ولا نعتقد أن سحب الجنسية الآيرلندية عنها أو عن طفلها وتركها من دون جنسية تنتمي إليها سوف يكون القرار الصحيح أو الرحيم"

وفي نفس الوقت قال فرادكار إن عودتها "لن تكون سهلة ويسيرة، أو أن الحياة ستمضي بها وكأن شيئاً لم يكن، إذ ستخضع للستجواب والمحاكمة في سوريا أولاً، وإن عادت سنحرص أنها لن تشكل تهديداً لأي أحد".

في المقابل، صرّح السياسي البارز في الخارجية البريطانية دومينيك راب، الثلاثاء الماضي، بعد تداول الأخبار عن فرار عائلات الدواعش "يجب إعادة الأطفال من أيتام البريطانيين إلى المملكة المتحدة" مشيراً إلى إمكانية عودة مقاتلين بريطانيين سابقين في التنظيم أيضاً نظراً للأوضاع الجارية في سوريا ووصفها بـ"الرخوة".

بينما صرّح متحدّث من وزراة الداخلية لـ"التلغراف" أن سياسة البلاد تجاه المقاتلين السابقين أو الفارّين من التنظيم "لم تتغيّر"، مضيفاً "ما زلنا نعتقد أن عناصر داعش  يجب أن يُحاكموا على جرائمهم في أماكن وقوعها"، في إشارة إلى أنهم لن يُحاكموا في بريطانيا.

مواضيع ذات صلة:

People protest against the latest decisions by Syrian government on increasing the prices of fuels in Sweida
الاحتجاجات حملت رسائل سياسية واضحة ضد الاستبداد والفساد- أرشيفية

بعد مرور شهر ونيّف، لا تزال محافظة السويداء السورية، ولا سيما مركز المدينة، تواصل الاحتجاجات السلمية والمظاهرات ضد النظام السوري وحكومته، بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات منتصف أغسطس الماضي، الذي أشغل غضباً شعبياً في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، تحول من مطالب معيشية إلى شعارات سياسية تطالب برحيل الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254.

ولعلّ أهم ما يميز مظاهرات السويداء أن المتظاهرين انتقلوا فيها من مرحلة العفوية الشعبية إلى مرحلة العمل التنظيمي، خلال الفعاليات التي ترافق الاحتجاجات، من كتابة اللافتات إلى الأهازيج الشعبية، ليصل الأمر مؤخراً إلى استخدام طقوس وعادات شعبية، تُظهر الوجه الثقافي والحضاري لأهالي السويداء، وتؤكّد مبدأ سلمية الاحتجاجات، وتبعث برسائل سياسية مبطّنة.

ليس بسبب الجوع فقط

في ساحة الكرامة، مركز المظاهرات في السويداء، تجد أطباق العنب والتين، التي جلبتها النسوة المتظاهرات من كروم جبل العرب الذي يُشتهر بزراعة هذين النوعين من الفواكه التي يحين موسم قطافها أواخر الصيف، فيما جلبت أخريات مناسف "المليحي" التي تعدّ من الأكلات الشعبية في الجنوب السوري.

ويقول ناشطون إن تقديم هذه الأطعمة خلال التظاهرات يحمل رسالة مفادها أن الناس خرجوا للتظاهر ليس من أجل الجوع كما يروّج النظام السوري، إنما لإيصال رسائل سياسية تتعلق بمصير البلد.

ومن المظاهر التي رصدتها وسائل الإعلام والمواقع السورية في تظاهرات السويداء تقديم "القهوة العربية" للمتظاهرين، بأسلوب تقديمها التقليدي في "دلّة" نحاسية، وفناجين خاصة، تعكس التراث والتقاليد في منطقة جبل العرب.

وترمز القهوة العربية "المُرّة" لدى العشائر السورية عامة، وفي محافظة السويداء خصوصاً، إلى كرم الضيافة وحسن استقبال الضيف، وتُقدّم في مختلف المناسبات سواء الأفراح أو الأحزان أو الأعياد وغيرها.

وحسب العادات والتقاليد المتوارثة في آداب تقديم القهوة، يجب إمساك الدلّة باليد اليسرى، ويُقدّم الفنجان للضيف باليد اليمنى، ويكون الفنجان الأول للأكبر سنّاً أو شأناً ومنزلة، ثم تُدار يميناً ثم يساراً حتى نهاية الحضور.

رسائل تتجاوز التراث

تيم فارس هو أحد الشباب الذي يلتزمون حضور التظاهرات في ساحة الكرامة وسط السويداء بشكل يومي، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن تقديم القهوة العربية المرّة صار أحد أهمّ مَعالم التظاهرات في ساحة الكرامة، وتصرّ بلدات وقرى أخرى في المحافظة على تكرار هذا المشهد في تظاهراتها.

ويرى فارس أن تقديم القهوة العربية المرة في التظاهرات ظهر بداية كحركة عفوية لم تكن موجودة في بداية الحراك، لكن تواصل التظاهرات واستمرارها جعل بعض الفعاليات تظهر مؤخّراً بشكل لافت من بعض المشاركين.

ويشرح فارس الرسالة وراء تقديم القهوة هو أن أهالي السويداء يحرصون على تغيير سياسي يحافظ على الوجه الحضاري والتراثي للسويداء: "نحن لا نريد تدخّلاً أجنبياً، ونريد حلاً سلميّاً لا فوضى فيه ولا دمار ولا دماء، تقديم القهوة رسالة للجميع، أننا شعب مِضياف يحافظ على عاداته، تغيير النظام الذي حكمنا منذ عام 1970 لا يعني أننا نسعى إلى تبديل جلودنا ووجهنا الحضاري العريق".

أثار علم الدروز الاهتمام بعد رفع المتكرر في تظاهرات مدينة السويداء.
بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

الصحفي السوري ريان معروف، وهو مسؤول تحرير موقع "السويداء 24"، يؤكد لـ"ارفع صوتك" أن القهوة المرّة أو القهوة العربية هي جزء من تراث أهالي السويداء وعاداتهم، وهي دلالة على الكرم اجتماعياً، أما سياسياً، بحسب معروف "فهي رسالة أن الحراك الشعبي في السويداء لا يبحث عن إصلاحات اقتصادية أو معيشية كما يُشاع، إنما مطالبه سياسية بحتة، وكان تقديم المناسف في إحدى المظاهرات خير دليل على ذلك".

أما الصحفيّة والأكاديميّة بيسان أبو عسلي، فتوضح أن القهوة العربية وإعدادها هي طقس يلازم جميع المضافات في جبل العرب، وأول ما يفعله صاحب البيت أو المضافة هو إعداد القهوة كي تظل "عامرة"، أي جاهزة لاستقبال الضيوف، وأكثر ما يهتمّ به الشخص الذي يحضّرها هو النظافة، نظافة الدلة والفناجين وحتى منقل النار الذي تُطبخ عليه، بحيث لا يوضع معها أي شيء حتى تبقى رائحتها خاصة ومميّزة.

وحول تقديمها في التظاهرات تقول أبو عسلي: "المظاهرات مثل فنجان القهوة العربية، تتّسم بالأصالة ونظافة وأحقّية المقاصد التي يطلبها المُحتجّون، ويقول الناس عبرها بشكل غير مباشر: مطالبنا شعبية خالصة، ولا تقبل التدخّل من أي جهة كانت".