نساء من عائلات داعش في مخيم الهول شمال شرق سوريا
نساء من عائلات داعش في مخيم الهول شمال شرق سوريا

يرنّ منبه الرسائل في هاتف أحد أقارب زوجة عنصر في داعش، كانت محتجزة لدى قوات سوريا الديمقراطية.

تفيد الرسالة، نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية، "علمنا أنها الدولة التي تولت أمرنا"، في إشارة إلى دولة الخلافة التي أعلنتها داعش.

ووفقا لإحدى القريبات أيضاً، الرجال الذين تسلموا الفرنسيات قالوا لهنّ "نحن إخوتكم من الدولة الإسلامية، سنضعكن بالصحراء في أمان" و"أنتنّ جزء من الدولة الإسلامية وستبقين هنا".

ما حصل، أن ثلاث فرنسيات على الأقلّ، محتجزات لدى الأكراد في مخيم عين عيسى شمال شرق سوريا، أصبحن في عهدة التنظيم، بعد بدء الهجوم التركي في 9 تشرين الأول/ أكتوبر ضد الأكراد، وفق معلومات حصلت عليها العائلات وأحالتها إلى محامية.

فيما أعلنت القوات الكردية الأحد أن 800 من أفراد عائلات مقاتلي داعش فروا من مخيم في عين عيسى بسبب القصف التركي، وأن خمسة جهاديين فروا من مركز احتجاز الجمعة.

اختفوا في الصحراء

ولا تعرف الأماكن التي توجهوا إليها "حتى اللحظة"، وفقا لمدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، الذي صرح للحرة قائلا "لا يعلم أماكن تواجدهم أو إلى أين توجهوا حتى اللحظة".

وكان المخيم تحت سيطرة الأكراد منذ انتصارهم على تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ويحتجز في السجون التي يسيطر عليها الأكراد نحو 12 ألف مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية بينهم 2500 إلى 3 آلاف أجنبي، وفق مصادر كردية.

ويعيش في مخيمات النازحين في شمال شرق سوريا نحو 12 ألف أجنبي بينهم 8 آلاف طفل و4 آلاف امرأة.

 

تكرار سيناريو 2014

ولا يمكن تجاوز أنباء هروب عناصر أو عائلات داعش دون خشية من عودة أحداث عام 2014، خصوصا بعد رصد عودة لنشاط صفحات موالية للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي.

تروج تلك الصفحات والحسابات لأفكار التنظيم، وتتداول مقاطع فيديو لمسلحين يقومون بالاستعداد لعمليات مسلحة، نشرت بعضها في نفس وقت كتابة هذا المقال.

وبدأ ذلك السيناريو في تموز/يوليو 2013، عند هروب 500 معتقل من سجن أبو غريب إثر هجوم على السجن.

وتبنى تنظيم القاعدة حينها ذلك الهجوم.

وكان من بين الهاربين قيادات بارزة في القاعدة، تولت تشكيل وقيادة تنظيم داعش في عام 2014.

يشدد الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي على "حجم خطر عودة التنظيم"، ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن "التخوف من صعود قدرات تنظيم داعش قائم بسبب توفر فرص العودة وضعف الموانع الرادعة لها".

ويسرد الهاشمي جملة معلومات توصل إليها عبر مصادره ورصده، منها:

- بحسب التقارير، فإن داعش أخذ المبادرة في قرى جنوب الرقة وقرى ريف عين عيسى. والتقارير تؤكد فرار ٢٥٩ داعشيا من سجن عين عيسى ٧٨٥ من عوائل داعش من مخيم عوائل التنظيم في المنطقة ذاتها، وانهيار قوات سوريا الديمقراطية.

- نقاط ضعف قسد تتمثل في: قلة الأسلحة النوعية التي تتصدى للسيارات المفخخة والعتاد وضعف الاقتصاد وتعدد الجبهات.

- داعش يستعيد نشاطه بقوة ولديه عدد من المقاتلين يقارب ٢٥٠٠ مقاتلا منتشرين في أرياف تدمر وحمص والحسكة، باستطاعتهم السيطرة على تلك المدن إذا ما انسحبت قوات التحالف.

في هذه الأثناء، يحذر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان من عواقب هروب عائلات مقاتلي تنظيم داعش، مشيرا إلى أنهم "يحملون نفس الفكر الإرهابي المتطرف".

كما حذر مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بالإجماع من خطر فرار السجناء الجهاديين في سوريا، إلا أنه لم يدعُ إلى وقف العملية التركية ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.

وأعرب عن "قلقهم البالغ من تدهور الوضع الإنساني" في شمال شرق سوريا.

واتفق جميع أعضاء المجلس الـ15 بمن فيهم روسيا، الطرف الفاعل في النزاع، على خطر قيام تنظيم داعش بتجميع صفوفه.

كما أثارت هذه أنباء هروب عناصر وعائلات داعش "مخاوف بالغة" لدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا إلى "خفض تصعيد فوري" في شمال شرقي سوريا.

 

أولويات التنظيم

ووفقا للمختص بشؤون الجماعات المسلحة، فإن استنزاف قوات سورية الديمقراطية وعشائر مناطق شمال شرق سوريا هو أولى أهداف التنظيم، يضاف إليها "تفعيل عمليات الاغتيال وجمع الاتاوات من المزارعين ورعاة الغنم وأصحاب المصانع والمعامل وشركات نقل البضائع وشركات نقل المشتقات النفطية وشبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت".

كما يسعى التنظيم إلى استحداث سرايا إسناد وتوسيع استخدام العمليات الانتحارية، إضافة إلى مخططات خطف الأجانب والصحفيين وعمال الإغاثة من أجل التفاوض المالي والتنكيل الإعلامي، على حد قول الهاشمي.

 

تركيا تتحمل المسؤولية

ورغم تأكيد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده "ستمنع مغادرة مقاتلي التنظيم من شمال شرق سوريا"، لكن المئات من أفراد عائلات التنظيم تمكنوا من الهروب فعليا، بينهم عناصر مقاتلين في التنظيم.

ويأتي إعلان قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي في مقابلة تلفزيونية تم بثها الأربعاء "تجميد" كافة العمليات ضد تنظيم داعش، بمثابة تحميل تركيا المسؤولية عن زيادة نشاط التنظيم في حال حصل.

وقال عبدي في مقابلة باللغة الكردية على تلفزيون "روناهي" الكردي "لقد قمنا بتجميد كل أعمالنا في مواجهة داعش الآن"، مشيراً إلى أن الامر سيقتصر على "العمل الدفاعي" لصد هجمات التنظيم المتطرف.

لكن الهاشمي يذهب إلى تحميل كل الدول التي يحمل العناصر المحتجزة في السجون الكردية جنسيتها إلى جانب تركيا، موضحا "تركيا لا تتحمل المسؤولية وحدها فكل المجتمع الدولي يتحملها، على اعتبار مشكلة سجناء داعش هي قائمة منذ عام 2018 وأهملت بطريقة مكشوفة".

المقاتلين العراقيين

وفي سياق متصل، بحث وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان صباح الخميس في بغداد إمكانية نقل ومحاكمة الجهاديين الأجانب، بمن فيهم 60 فرنسيًا محتجزين في شمال شرق سوريا حيث تشن تركيا هجوما منذ أكثر من أسبوع.

فيما أكد نظيره العراقي التزام العراق بتسلم كل المقاتلين العراقيين وعوائلهم واطفالهم.

وقال "العراق لن يتنصل عن المقاتلين العراقيين وسيحاكمهم تحت طائلة القضاء العراقي".

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".