سوريون نازحون في أحد المخيمات بمدينة إدلب في سوريا

قد تكون مدينة إدلب وريفها الأكثر خطرا عن غيرها من مدن العالم في مواجهة فيروس كورونا في حال وصل إليها، لعدم وجود مكاتب للمنظمات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها هناك، مقارنة مع دمشق التي توجد فيها مكاتب تمثيلية لهذه المنظمات.

خصوصا، مع وجود مختبر واحد في المنطقة، وأقل من 200 سرير عناية مركزة، وما لا يزيد عن مئة جهاز تنفس لعدد السكان الذي تجاوز ال 4 ملايين، وتدمير منظومة الرعاية الصحية بسبب القصف المتواصل، واقتصار العمل على جهود المنظمات المحلية، والارتفاع الجنوني في الأسعار.

يضاف إلى ذلك صعوبة إقناع من هم في هذا المكان لعزل أنفسهم، وهم لاجئون هربوا من الحرب والقصف في مدنهم، واخبارهم عن عدو جديد وخفي لا يرونه بعينهم المجردة، وهم أنهم يعيشون في المخيمات، وفي كل خيمة أحياناً أكثر من عائلة واحدة.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية منذ أيام أنها سترسل 300 جهاز فحص مخبري إلى مدينة إدلب لفحص الحالات المشتبه بها بالإصابة بفيروس كورونا كوفيد-19، وأنها ستزيدها إلى 2000 جهاز آخر مستقبلاً.

إلا أن المنظمة صرحت بعد ذلك أن منطقة إدلب خارجة عن سيطرة الحكومة السورية وأن الأولوية لدى المنظمة العالمية هي التوزيع لمناطق فيها حكومات تسيطر عليها، أي أنها ستوزع الأجهزة في مناطق سيطرة النظام السوري وستترك منطقة يعيش فيها أكثر من أربعة ملايين شخص معظمهم من النازحين.

الطبيب محمد سالم مدير برنامج اللقاح في وحدة تنسيق الدعم، يؤكد أن الاختبارات في مركز الإنذار المبكر بدأت بالفعل بعد وصول 12 كيتات (أجهزة فحص مختبرية) لإدلب من وحدة تنسيق الدعم، وهي تكفي لفحص 1200 حالة فقط.

ووصل جهاز واحد يكفي لـ100 تحليل من منظمة الصحة العالمية، فيما لا تزيد الطاقة القصوى للمختبر عن 500 تحليل فقط شهرياً بسبب نقص المعدات الموجودة والإمكانيات المتاحة.

ويوضح الطبيب سالم في حديث لموقع (ارفع صوتك) "تم فحص 21 حالة مشتبه بها حتى الآن، وجميعها سلبية وهناك ثلاثة حالات في الانتظار".

وفي تعليقه على تصريح منظمة الصحة العالمية يقول الطبيب محمد إن "تصريح المنظمة الذي تم تداوله على أنهم لا يتعاملون إلا مع حكومات، كان من مسؤول في مكتب المنظمة في مدينة غازي عنتاب في تركيا، حيث برر إرسال 5 أجهزة مختبرية إلى دمشق بأن التعامل مع الحكومات سهل جداً مقارنة مع الجهات الأخرى التي يكون التعامل معها صعب".

ويؤكد الطبيب محمد سالم على الضعف الكبير في الإمكانيات الطبية المتاحة في الشمال السوري والعجز الضخم في المنظومة الصحية، موضحا "كل جهاز تنفس في سوريا مخصص ل 37000 شخص وهي نسبة لم تعرفها أي دولة في العالم، وهناك عجز 500% في عدد الأطباء حيث يوجد حوالي 600 طبيب أي 1.4 طبيب لكل 6000 نسمة، و3000 سرير أي سرير لكل 1500 مواطن، بالإضافة لسرير عناية مركزة واحد لكل 21000 مواطن، وفي حال حدثت الجائحة فإن 2 مليون شخص سيصابون أي من 40 إلى 70% من السكان".

ويتابع أن هناك حاجة لأكثر من 12 ألف جهاز تنفس وأنهم لا يمتلكون منها الآن أكثر من 100 جهاز.

6500 حالة فقط يمكن علاجها

واستعرض بحث حديث أجرته LSE عن فيروس كورونا المستجد وانتشاره في سوريا، الخصوصية السورية في مواجهة المرض والإمكانيات المتاحة في أماكن السيطرة التابعة لنظام الأسد ومناطق المعارضة.

وأكدت الدراسة على أن المنظومة الصحية السورية سيئة للغاية في كافة مناطق سوريا وخاصة في الشمال الغربي لسوريا، وأن 6500 حالة فقط يمكن علاجها وذلك بناء على عدد الأسرة الخاصة بالعناية المركزة المتواجدة في عموم البلاد، ووفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، أي أنه من المرجح أن ينهار نظام الرعاية الصحية المتواضع في حال تجاوز العدد ذلك.

وأكدت الدراسة أن الانتشار الأكبر للفيروس سيكون أكبر في البلدان التي توجد فيها صراعات، حيث لا توجد إمكانية للعزل الذاتي وخاصة في المخيمات الواقعة في مدينة إدلب شمال غربي سوريا.

وفي وقت سابق، صرح الطبيب منذر خليل رئيس مديرية صحة إدلب أن عدد الوفيات في المدينة ستتجاوز الـ100 ألف في حال انتشر المرض.

وأوضح أن "نتائج الحالات الأربع المشكوك فيها من مخيم أطمة التي أرسلناها إلى تركيا نتيجتها سلبية وهناك حالات جديدة يتم فحصها الآن"، مما يعني عدم وجود أي أجهزة كشف طبية لاكتشاف وجود الفيروس فعلياً عند هؤلاء الأشخاص.

من جانبه، أعرب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عن قلقه العميق بشأن التأثير المحتمل لفيروس كورونا على ما يقرب من مليون مدني نازح في منطقة إدلب.

وقال ينس ليرك المتحدث باسم المكتب الأممي، إن "الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق حيال التأثير المحتمل لكورونا على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء سوريا، وخاصة أكثر من 900 ألف شخص في الجزء الشمالي الغربي من سوريا (إدلب)".

ولفت ليرك إلى أن المدنيين النازحين يعانون من نقص في الغذاء والمياه النظيفة في المخيمات المكتظة بإدلب.

جهود متواصلة

في هذه الأثناء، يواصل فريق الدفاع المدني السوري أعمال التعقيم وتزويد السكان في إدلب بمعلومات عن كيفية الوقاية من فيروس كورونا، ونشر الفريق صوراً وفيديوهات لحملات التعقيم والتوعية التي قام بها في المحافظة.

كما تعمل منظمة بنفسج المحلية على رفع مستوى التدابير المتخذة ضد فيروس كورونا إلى أعلى المستويات وتقوم بإجراءات التعقيم، وتزويد السكان في المدينة بمعلومات عن كيفية الوقاية من كورونا.

تحذيرات أممية

منظمة الصحة العالمية حذرت في الأسبوع الماضي من انفجار أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا في سوريا وأعربت على لسان رئيس فريق الوقاية من الأخطار المعدية، عبد النصير أبو بكر عن قلقه بسبب نقص الحالات المعلن عنها بفيروس كورنا في سوريا.

الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنتا أن هناك حاجة لوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا حتى تنجح "الجهود الشاملة" في القضاء على فيروس كورونا ومنعه من النيل من السكان المحاصرين.

وأضافتا أن السجناء وملايين النازحين، ولا سيما الذين في إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب البلاد، مهددون بشكل خاص بعد حرب امتدت لتسع سنوات.

بدوره، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن، أن السوريين معرضين بشدة للإصابة بكوفيد-19 (فيروس كورونا)".

ونزح منذ بداية العام الحالي داخل مدينة إدلب، أكثر من مليون مدني 60 ألفاً منهم يعيشون في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد، كما تم إغلاق 62 مؤسسة صحية نتيجة القصف المتواصل، وفقد كثير من عمال الرعاية الصحية حياتهم نتيجة القصف أو لجأوا إلى خارج سورية.

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".