سوريا

"حفر الرعب" في سوريا والعراق

12 مايو 2020

"الخسفة" و "الهوتة" أسمان لحفر عميقة في سوريا والعراق ابتلعتا عدداً كبيراً من ضحايا تنظيم داعش.

رمى فيهما التنظيم عدداً كبيراً من معتقليه أمام أعين السجناء الآخرين ترهيباً لهم، وللتخلص من جثثهم بشكل كامل.

ووثقت صور التقطت بواسطة كاميرا "الدرون" نزلت إلى أعماق هذه الحفر وجود جثث متفسخة هناك.

حفرة الهوتة في سوريا.. من موقع أخاذ إلى مقبرة داعش الجماعية

حفرة الهوتة في سوريا.. من موقع أخاذ إلى مقبرة داعش الجماعية

Posted by ‎Irfaa Sawtak - ارفع صوتك‎ on Monday, May 4, 2020

أحمد الديب، أحد الذين اعتقلهم داعش سابقا، كان شاهداً على رمي السجناء الآخرين في حفرة الهوتة شمال مدينة الرقة، روى لموقع (ارفع صوتك)، مشاهدته للحفرة عندما رمى عناصر التنظيم المعتقلين أمامه إلى أسفل الحفرة.

يقول أحمد، "رموا عددا من السجناء أمام أعيننا في الحفرة، وهددونا بأنهم سيرموننا فيها في اليوم التالي، وكانوا يهددوننا دائماً بأنهم سيرمون الجميع فيها، ولم نكن نصدق بوجود هذه الحفرة إلا بعد أن رأيناها ورأينا الجثث الملقاة على أطرافها وبداخلها". 

هيومن رايتس ووتش نشرت الأسبوع الفائت تحقيقاً مطولاً لها قالت فيه إن تنظيم داعش استخدم حفرة في شمال شرق سوريا كموقع للتخلص من جثث الأشخاص الذي اختطفهم أو احتجزهم.

التحقيق الذي أجرته المنظمة بواسطة طائرة بدون طيار إلى أسفل الحفرة أظهر الحاجة إلى أن "تقوم السلطات بتأمين الموقع، واستخراج الرفات البشرية منه، والحفاظ على الأدلة من أجل الإجراءات الجنائية ضد القتلة".

تقع حفرة الهوتة على بعد 85 كيلو متر شمال مدينة الرقة، يصل عمقها لأكثر من 50 متراً، وسيطر عليها التنظيم في الفترة ما بين 2013 و2015، حيث عُثر بعد دحر التنظيم على عدد كبير من المقابر الجماعية لمعتقليه في مدينة الرقة وما حولها.

ويسيطر اليوم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على المنطقة التي تتواجد فيها الهوتة، بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة.

سارة كيالي الباحثة في هيومن رايتس ووتش قالت إن مكان الحفرة كان موقعاً للتنزه قبل سيطرة التنظيم على المنطقة، أصبح اليوم مكاناً للرعب.

"حفرة الهوتة، التي كانت ذات يوم موقعا طبيعيا جميلا، أصبحت مكانا للرعب والاقتصاص، فَضْح ما حدث هناك، وفي المقابر الجماعية الأخرى في سوريا، أمر أساسي لتحديد ما حدث لآلاف الأشخاص الذين أعدمهم داعش ومحاسبة قتلتهم"، تقول كيالي.

جثث تطفو في الهوتة

وأظهر التحقيق الذي نشرته هيومن رايتس ووتش صوراً لجثث تطفو فوق سطح المياه داخل حفرة الهوتة، ولا تزال هوية هؤلاء الضحايا مجهولة.

وأشارت الخرائط الجيولوجية التي استخرجت بواسطة طائرة الدرون إلى أن الحفرة أعمق مما كان متوقعاً، ورجّح التحقيق وجود المزيد من الجثث المتفسخة تحت سطح الماء أسفل الحفرة.

ويروي س.م (تحفظ عن ذكر اسمه) وهو أحد أهالي المنطقة المقيمين قريباً من الحفرة، أنه كان "يأتي ملثمون ويقومون برمي الجثث بالحفرة وكأنهم يمارسوا لعبة، لا يفرقوا بين نساء ورجال، يضربوهم ويشتموهم ومن ثم يرموهم داخل الحفرة".

ودعت المنظمة في تحقيقها تركيا والجيش الوطني السوري للتعامل مع الهوتة والمقابر الجماعية الأخرى في المنطقة على أنها مواقع حدثت فيها جرائم حرب وتأمينها لتجنب إتلاف الأدلة المحتملة.

"فقدنا المئات"

فيصل مطر ناشط حقوقي سوري من أهالي مدينة الرقة طالب المجتمع الدولي بالتحقيق للتعرف على ضحايا الحفرة، والوصول إلى جميع المتورطين في رمي الأشخاص أسفلها.

يقول مطر "أدعو جميع الجهات المسيطرة على المنطقة لمساعدة المنظمات الدولية للوصول إلى الحفرة والتحقيق في أي دليل قد يساعدهم في الوصول إلى نتيجة ملموسة"، ويضيف في حديث لموقعنا "فقدنا المئات داخل هذه الحفرة وبعضهم كانوا يرمونهم أحياء ويموتوا بعد أيام من سقوطهم فيها".

 

طمر جماعي

حول التنظيم العديد من الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

ووصل عدد تلك المقابر إلى 20 مقبرة جماعية حتى الآن في الرقة وحدها، في الحدائق والملاعب والمقابر القديمة.

وضمت مقبرة ملعب الرشيد التي تم اكتشافها في أكتوبر من عام 2017 لوحدها، رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد عناصر التنظيم.

وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط المدينة.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

وبحسب الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي داعش نسبة 3%.

آلاف المختفين قسريا

الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت (4247) حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011.
وقالت الشبكة إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء (1712 شخص) وتنظيم داعش (2125 شخص)، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء (288 شخص) وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء (122 شخص).

أما عن حصيلة المختفين قسرياً في عموم سوريا فقد بلغت (98279 شخص)، منذ آذار/ مارس 2011، على يد جميع الأطراف الرئيسة في سوريا.

"الخسفة" حفرة ابتلعت ألاف الأرواح

أعلنت الأمم المتحدة اليوم أن #داعش خلّف أكثر من 200 مقبرة جماعية في #العراق الخسفة إحدى أكبر هذه المقابر لم يُكشف عمّا في داخلها بعد #الموصل #الأمم_المتحدة

Posted by ‎Irfaa Sawtak - ارفع صوتك‎ on Tuesday, November 6, 2018

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".