سوريا

بعد انهيار العملة السورية.. إدلب تتداول العملة التركية رسميا

16 يونيو 2020

بعد أن كان استخدام العملة التركية مقتصرا على بعض عمليات البيع والشراء الكبيرة، بدأت السلطات المحلية في مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة والجهادية في شمال غرب سوريا باعتماد العملة التركية في التداول اليومي.

يأتي ذلك بعدما سجلت الليرة السورية الشهر الحالي انهيارا غير مسبوق، وفق ما أبلغ مسؤول محلي وكالة الصحافة الفرنسية الإثنين 16 حزيران/ يونيو.

وجاء هذا الإجراء قبيل بدء تطبيق قانون "قيصر" الأميركي الذي يدخل حيز التنفيذ الأربعاء ويفرض عقوبات مشددة على النظام السوري والمتعاونين معه، من شأنها وفق محللين أن تطيح أكثر بالليرة السورية.

وقال المسؤول الاقتصادي في "حكومة الإنقاذ"، التي تُعد بمثابة إدارة محلية تابعة لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، باسل عبد العزيز للفرنسية، "صدر توجيه من الحكومة إلى الفعاليات الاقتصادية والتجارية وشركات الصرافة بتأمين فئات صغيرة من العملة التركية ليتم تداولها في المناطق المحررة لتكون بديلاً من الليرة السورية".

وشوهد داخل مؤسسة مالية محلية في مدينة "سرمدا" الأحد الماضي أكياساً بلاستيكية مليئة بأوراق نقدية تركية من الفئات الصغيرة وعملات معدنية.

كما بدأت محطات الوقود الأحد تحدّد أسعارها بالليرة التركية.

وتجاوز سعر صرف الليرة السورية الأسبوع الماضي عتبة ثلاثة آلاف مقابل الدولار قبل أن تنخفض قليلاً، ما تسبب بموجة غلاء غير مسبوقة.

وتبع ذلك اعفاء دمشق رئيس الحكومة السورية عماد خميس من مهامه.

ويأتي بدء تداول الأوراق النقدية الصغيرة والمعدنية بين المواطنين في إدلب، بعدما كانت الأوراق النقدية الكبيرة تستخدم سابقاً في العمليات التجارية المتوسطة والكبيرة حصراً.

وبناء على الإجراءات الجديدة، حددت "حكومة الإنقاذ"، وفق بيان صادر عنها، سعر كيس الخبز الذي يضم عشرة أرغفة بليرتين تركيتين.

وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الجمعة أن "السلطات المحلية في منطقة إدلب وشمال حلب بدأت باتخاذ خطوات باتجاه استبدال الليرة السورية بالليرة التركية أو الدولار الأميركي للمبادلات الرسمية واليومية، وبينها دفع الرواتب" للتخفيف من تقلب سعر الصرف.

وأوضح عبد العزيز أن مطالبات علت بضرورة "فك الارتباط بين اقتصاد النظام واقتصاد المناطق المحررة"، بعد "إغلاق عدد من المحال التجارية والمصانع وغيرها أبوابها".

وقال إنّ "حكومة الإنقاذ" بدأت نهاية الشهر الماضي دفع رواتب موظفيها بالليرة التركية.
ولا يعني اعتماد الليرة التركية في إدلب وقف التعامل كلياً بالعملة السورية، وفق عبد العزيز الذي أوضح أن "مصيرها يخضع للعرض والطلب، والناس يبحثون عن العملة الأكثر استقراراً".

وبذلك، تنضم إدلب إلى مناطق أخرى في شمال سوريا، تمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في الريف الشمالي الغربي، بدأت منذ دخول القوات التركية إليها مطلع عام 2016 اعتماد العملة التركية تدريجياً إلى جانب الليرة السورية.

وأعلن رئيس الحكومة السورية الموقتة، المرتبطة بالمعارضة السياسية وفصائل شمال حلب ومقرها اسطنبول، عبد الرحمن مصطفى في تغريدة أن السلطات المحلية في شمال حلب ستتبع الخطوة ذاتها.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".