سوريا

محاصيل القمح تنعش آمال السوريين وسط أزماتهم الخانقة

03 يوليو 2020

قبل اندلاع النزاع في العام 2011، كانت سوريا تُحقق اكتفاءها الذاتي من القمح مع إنتاج 4,1 مليون طن سنوياً. لكن مع توسع رقعة المعارك وتعدد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية، وباتت الحكومة مجبرة على الاستيراد، خصوصاً من حليفتها روسيا.

في منطقة الكسوة قرب دمشق، استعجل المزارع يحيى محمود حصاد موسم القمح الوفير هذا العام، ليضمن إبعاد شبح الجوع عنه وعائلته.

بينما يعاني ملايين السوريين من انعدام الأمن الغذائي في ظل أزمة اقتصادية خانقة يرجّح أن تفاقمها العقوبات الأميركية الأخيرة.

ومنذ عام 2019، بدأ الحظ يحالف مزارعي القمح رويداً رويداً مع ارتفاع معدلات هطول الأمطار وتراجع حدة المعارك في مناطق واسعة، فتحسّن الإنتاج في بلد يعاني 9,3 مليون من سكانه من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي.

يتجوّل المزارع محمود (61 عاماً) بين سنابل القمح، يجول بنظره على حقله الواسع ويقول بفخر "رغم الصعوبات الكثيرة في تأمين السماد والمحروقات، استعجلتُ في الحصاد هذه السنة".

ويضيف بينما ينثر حبّات القمح الناضجة بعد حصادها "يُوفّر القمح الأمن الغذائي لي ولعائلتي، فمن يزرع القمح لا يجوع".

ويبادر مزارعون مع ارتفاع درجات الحرارة تدريجياً الى حصد حقولهم باكراً خشية أن تلتهم الحرائق محاصيلهم.

بعد عامين من الجهد لإعادة تأهيل أراض اضطر لتركها نتيجة المعارك التي شهدتها المنطقة خلال سنوات، تمكنّ محمود هذه السنة من تحويلها حقلاً خصباً زرع فيه القمح ومنتجات أخرى.

وبعدما استصلح عشر دونمات العام الماضي، امتدت سنابل القمح العام الحالي على أربعين دونماً.
ويقول المزارع الذي اعتمر قبعة بنية اللون، "لا يوجد فلاح لا يزرع جزءاً من أرضه بالقمح، فهو بذلك يغطّي مؤونة سنة كاملة للعائلة والجيران".

ويتابع "الحمد لله جاءت سنة خير وفيرة بالأمطار وعلينا الاستفادة منها".

وتطلب الحكومة السورية كل عام من المزارعين بيعها محاصيل القمح، حتى من محافظة الحسكة، الأغنى بحقول القمح والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية.

فيما منع الأكراد هذا العام بيع المحاصيل إلى مناطق خارج سيطرتهم.

صعوبات

في الكسوة، تمكن المزارعون هذه السنة من زراعة 30 ألف دونم بدلاً من عشرة آلاف العام الماضي، وفق ما يشرح رئيس دائرة الزراعة في المنطقة هشام الصياد لوكالة الصحافة الفرنسية.

لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة في بلد يشهد أزمة اقتصادية حادة ونقصاً في الوقود، وتراجعاً غير مسبوق في قيمة الليرة أمام الدولار.

وقد نجح مزارعو الكسوة في مسعاهم، وفق الصياد، رغم "صعوبة توفير المازوت ومستلزمات الزراعة والري" في خضم عقوبات مفروضة على سوريا منذ سنوات تمّ تشديدها الشهر الحالي، فضلاً عن حرائق أطاحت بمحاصيل كثيرة.

خشية من العقوبات

في أحد حقول الكسوة، وتحت أشعة شمس حارقة، يتفقّد طالب خليفة (51 عاماً) آلة الحصاد التي يملكها، بعدما باتت صيانتها واجباً دورياً كونها الوحيدة العاملة في المنطقة.

ويقول "نواجه صعوبة بالغة في استيراد وصيانة المعدّات الزراعية الضرورية للحصاد"، مبدياً خشيته من أن تُعقد العقوبات الجديدة الأمر أكثر فيصبح عاجزاً عن الحصول على قطع تبديل.
ويضيف خليفة "تزيد العقوبات بشكل عام من أعبائنا وتضاعف كلفة الإنتاج".

وتخطى إنتاج سوريا من القمح العام الحالي الثلاثة ملايين طن، وفقا لمدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة هيثم حيدر، مقارنة بـ2,2 مليون عام 2019، و1,2 عام 2018 الذي سجل فيه الإنتاج أدنى مستوياته.

ويقول حيدر في تصريح للفرنسية، "نأمل بالعودة إلى كميات الإنتاج الكبيرة التي اعتدنا عليها قبل الحرب، والتي كانت تكفينا وتزيد". ويعزو التحسن الأخير إلى اتساع الأراضي المزروعة وإعادة تأهيل شبكات الري، بالتوازي مع ظروف مناخية ملائمة أكثر.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".