سوريا

بعد قيصر: هل بدأت محاكمة رموز النظام السوري فعليا؟

محمد ناموس
06 يوليو 2020

في تطور لافت لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب في القضية السورية، بدأت للمرة الأولى أواخر نيسان الماضي محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب بتهم جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في تلك الجرائم.

الضابطان السوريان تم القبض عليهما العام الماضي في ألمانيا بعد أن قدما طلبات لجوء هناك نهاية العام 2017 وبعد أن انشقا عن النظام السوري وانضما للمعارضة السورية في ذلك العام.

تلى ذلك تحرّك قضائي لبناني هو الأول من نوعه بداية حزيران الماضي ضد رأس النظام السوري بشار الأسد، بتهمة خطف مئات المواطنين اللبنانيين ووضعهم في سجونه.

وخلال الأسبوع الماضي قالت وسائل إعلام في ألمانيا، إن الشرطة الألمانية اعتقلت طبيبًا سوريًا بعد الاشتباه بارتكابه جرائم تعذيب.

كما أوضح بيان المدعي العام الاتحادي أن المشتبه به كان يعمل كطبيب في سجن تابع للمخابرات العسكرية، وشارك في حالتين على الأقل في عمليات تعذيب أحد المعتقلين داخل السجن العسكري التابع لنظام الأسد.

وقال المحامي السوري أنور البني، رئيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، إن "الطبيب يُدعى علاء م، ويقيم في ألمانيا، حيث كان يعمل في المستشفى العسكري بحمص".
وأضاف البني في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، أن الطبيب مشتبه بارتكابه جرائم تعذيب بحق المعتقلين، موضحًا أنه ساهم في جمع شهادات الشهود على ارتكابه تلك الجرائم وتقديمها للمدعي العام في ألمانيا.

بيان النيابة الألمانية أشار إلى واقعة حدثت حيث كان الطبيب يعالج معتقلا يعاني من الصرع، وبدلا من الاستجابة لطلب مساعدته، ضربه الطبيب وركله على نحو أفضى إلى وفاة السجين بعد ذلك بوقت قصير.

كما حضر جلسة المحاكمة شاهدان خسرا أحد أفراد عائلتيهما تحت التعذيب في السجون السورية، وتعرّفا على الطبيب من إحدى صوره، ولكنّ الطبيب المتهم نفى وأنكر جميع التهم الموجهة إليه.

المركز الأوروبي للحقوق الدستورية أشار إلى أن سبعة لاجئين سوريين هم ضحايا أو شهود على اعتداءات جنسية وعمليات اغتصاب في معتقلات النظام السوري قدّموا شكوى جنائية أمام القضاء الألماني.

المحامي السوري أحمد فتال يؤكد إلى أن ما حدث مؤخراً من تحريك للدعاوى ضد نظام الأسد، ساهم في تشجيع عدد كبير من السوريين وخاصة من هم خارج سورية لمتابعة قضاياهم.
ويضيف المحامي خلال حديثه مع موقع (ارفع صوتك)، أن "ما يحدث اليوم هو بداية المحاكمات العادلة لرموز النظام السوري، وما قانون قيصر إلا البداية الأولى لهذه المحاكمات، نأمل أن تعمل المحاكم الدولية على متابعة كافة الدعاوى المقدمة من الأفراد والمنظمات الحقوقية لمحاكمة مجرمي الحرب أينما كانوا".

من جانبه، يشير محمد حسن مدير مركز "وصول" لحقوق الإنسان في حديث سابق لارفع صوتك، إلى دعم جميع التحركات المحقّة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وأي جريمة ضد الإنسانية، موضحا، "نؤيّد أي مطلب للكشف عن المختفين قسرًا والمعتقلين في أي مكان في العالم".

وأضاف الحقوقي محمد حسن، "بإمكان الضحايا الذين تعرّضوا للتعذيب أو أي ضروب من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة تقديم الدعاوى عبر النظام القضائي العالمي الخاص، لأنه لا يتم إسقاط جرائم التعذيب مع مرور الزمن".

ويرى مدير التقاضي الاستراتيجي في "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" المعتصم الكيلاني، أن أهمية هذه المحاكمات تأتي في "كونها أولى المحاكمات العلنية لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في سوريا".

ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "نحن نتحول الآن من أشياء نظرية لأشياء تطبيقية، ومن هنا تأتي أهمية هذه المحاكمات كونها أولى المحاكمات العلنية، ومن المؤكد أن هذه المحاكمة ستعمل على تشجيع باقي دول الاتحاد الأوربي لفتح هذه الملفات التي لديها عن الجرائم في سوريا، لتبدأ بخطوات إيجابية وعملياتية جديدة".

ويرجح الكيلاني أنه خلال هذا العام "سيكون هناك محاكمات علنية أخرى لمرتكبي جرائم ضد الإنسانية في سوريا".

وتضاف قضية الطبيب السوري علاء إلى سلسلة دعاوى وتحقيقات جارية في ألمانيا وفي فرنسا، ضد مسؤولين كبار أو ضباط في النظام السوري بتهم ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" بينها التعذيب والاغتصاب والاعتداءات الجنسية.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن نحو 100 ألف شخص قُتلوا بسبب أعمال التعذيب أو نتيجة لظروف مروعة داخل السجون الحكومية، مشيراً إلى أن مرتكبي هذه الجرائم لم تتم محاكمتهم بعد.

المركز السوري للإعلام وحرية التعبير رحب بهذه المحاكمات والتي وصفها بالأولى من نوعها على المستوى العالمي.

وأكد في تقرير له أن الهدف هو إيصال المشتبه بهم لمحاكمات تتوفر فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة وتسمح بوصول الضحايا لحقوقهم وسماع أصواتهم بعيدا عن الانتقام بل سعيا لقطع الطريق عليه.

ووصف هذه المحاكمة بـ"الخطوة الجديدة في طريق طويل".

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".