سوريا

سوريون يلجؤون للمقايضة لمواجهة الغلاء في المعيشة

17 أغسطس 2020

خاص- ارفع صوتك

"للمقايضة فرشة عدد 2 في دمشق أرغب بتبديلهما بمروحة منزلية"، "للبيع أو التبديل كرسي مطبخ نوعية ممتازة أود تبديلهما بجهاز تكييف" العنوان: دمشق الفحامة".

هذه المنشورات وغيرها الكثير في مواقع التواصل، يتابعها  مؤخراً أهالي العاصمة السورية دمشق وغيرها من المدن، ويتفاعلون معها، كما في مجموعة "سوق الشام الأول للمستعمل ومجموعة قديم وجديد في دمشق".

ولاقت هذه المجموعات إقبالاً واسعاً من السوريين في ظل الغلاء المعيشي والانخفاض الكبير لقيمة الليرة السورية.

Posted by ‎عروض عقارية‎ on Thursday, October 17, 2019

 

عندنا شقة في دمشق للبيع أو للمقايضة عليها ببيت في بيروت أو اسطنبول لمن يهمه الأمر فليتواصل معنا على أرقام الصفحة مشكورا

Posted by Hatahet Emlak on Friday, August 7, 2020

 

الأزمة ورامي مخلوف 

ارتفاع الأسعار بشكل عام في سوريا بدأ منتصف العام الحالي مع بداية أزمة رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، كما انخفض سعر الليرة السورية بنسبة كبيرة جداً مع بدء تطبيق قانون قيصر الأمريكي.

ورافق ذلك انتشار وباء كورونا في دمشق، ما أدى لتوقف الأعمال وانخفاض معدلات الدخل لدى عدد كبير من المواطنين السوريين.

وأثرت الأزمة الاقتصادية على جميع السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها بشكل مفاجئ، ما انعكس سلباً على المواطن الذي بات مرتبه الشهري لا يسد حاجة أسبوع واحد.

في يناير الماضي، كان سعر صرف الليرة السورية 965 ليرة مقابل دولار أميركي واحد، بينما يساوي الآن 3200 ليرة.

يقول أيهم عبيد، الذي يُدير  إحدى صفحات المقايضة على فيسبوك "ارتفع عدد المقايضين خلال عام 2020 بشكل لافت،كما تحدث مئات عمليات المقايضة يومياً في مختلف المجموعات".

ويضيف لـ"ارفع صوتك: "الظروف دفعتنا للتفكير بطرق جديدة لتأمين حياتنا، وهذه الطريقة هي حالة مؤقتة ولكنها مفيدة لعدد كبير من السوريين، وفي الفترة الأخيرة ارتفعت أعداد المقايضين بشكل كبير وهذا دليل على الغلاء المعيشي وانخفاض الأعمال في دمشق ومحيطها".

خالد موصلي رجل خمسيني من أهالي مدينة دمشق نشر إعلاناً لبيع غسالة ثياب منزله عبر أحد الصفحات، يقول لـ "ارفع صوتك": "اضطررنا اليوم لبيع واستبدال أشياء لم نكن نرغب بالاستغناء عنها طول حياتنا، ولكننا مضطرون لذلك، ولا نعرف بماذا سنقايض غداً".

ويرى أن "هذا الأمر اليوم ليس غريباً أبداً على بلد دخل عامه العاشر في الحرب" مضيفاً "تساعدنا هذه المجموعات على شراء واستبدال حاجياتنا دون الحاجة إلى وسيط، فالتجار يستغلون أي عملية مقايضة أو بيع ليأخذوا نسبة، وأين السوري الذي يستطيع دفع (كومسيون) اليوم؟!".

من جانبها، تقول بيان الفرّا من دمشق إنها "أتمّت عمليتي مقايضة عبر  الفيسبوك، ورأت أن الفكرة مفيدة جداً، حيث ساعدتها على التخلص من الأشياء التي لا تحتاجها في البيت، وربما يحتاجها أحد غيرها".

توضح لـ"ارفع صوتك": "نعاني اليوم من غلاء المواصلات، بالتالي نستطيع تصفح المجموعات واختيار ما نرغب بالحصول عليه دون النزول إلى أسواق المستعمل، وعملت مع إخواتي على مقايضة الأشياء غير الضرورية في منزلنا بأشياء نحتاجها".

 

ظروف اقتصادية قاسية

يعيش الأهالي في دمشق اليوم ظروفاً اقتصادية قاسية، حيث يلجأ عدد كبير منهم لمقايضة مقتنياته أو بيعها أو الاستغناء عمّا يحتاجه في منزله مقابل تأمين مستلزمات حياته.

كما يلجأ السوريون لبيع مصوغاتهم من الذهب لتأمين احتياجاتهم اليومية بعد توقف أعمالهم داخل العاصمة السورية دمشق، بسبب انتشار فيروس كورونا في العاصمة السورية ومحيطها.

في هذا السياق، لاحظ أيهم عبيد الإقبال الشديد على الاستغناء عن مقتنيات أهالي دمشق وريفها من خلال تنوّع منشوراتهم، يقول "هناك من يرغب ببيع براد منزله والبعض الآخر يستبدل غسالة ملابسة بمروحة لمواجهة الحر الشديد. الظروف الاقتصادية مأساوية حقاً بعد سنوات من الحرب".

وتتوقع المحللة الاقتصادية السورية ندى العلي "انهياراً جديداً لليرة السورية في الوقت القريب، أما سبب عودة الارتفاع الجزئي لها الأيام الماضية يعود إلى ضخ كميات كبيرة من القطع الأجنبي في السوق لتعديل أسعار الصرف ومن بينها مئات آلاف الدولارات التي صودرت لدى مراكز الحوالات بتهم المضاربة بالسوق".

وتضيف لـ"ارفع صوتك": "هذا الموضوع يؤكد لنا أن مسألة صمود الليرة، مؤقت، في ظل تنامي التضخم الاقتصادي وتوسع الأزمة لتشمل جميع الجوانب الحياتية".

 

قلق أُممي

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أشار إلى قلق الأمم المتحدة من الارتفاع الجنوني في الأسعار في الأسواق السورية.

وأكد على أن الأسعار ارتفعت لأكثر من ضعف أسعار العام الماضي مع بقاء الرواتب على حالها، مشيراً إلى أن نسبة الارتفاع في الأسعار وصلت إلى 133% في جميع نواحي البلاد.

وأضاف دوجاريك "تشعر الأمم المتحدة بقلق متزايد بشأن الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية في سوريا، حيث يحتاج أكثر من 11 مليون امرأة وطفل ورجل إلى مساعدة إنسانية عاجلة، كانت محافظة إدلب أسوأ المحافظات تأثرا، حيث ارتفعت سلة الغذاء فيها بنسبة 30٪ في شهر واحد فقط".

وقال "وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني 9.3 ملايين شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي".

كما تقدر الأمم المتحدة عدد من يعيشون في الفقر داخل سوريا بـ 90% من عدد سكان سوريا. 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".