سوريا

خسائر سوريا بسبب روسيا طيلة 5 سنوات.. هل ربح الأسد؟

04 سبتمبر 2020

خاص- دمشق

مع نهاية شهر أيلول الحالي، تَمر خمس سنوات على التدخل الروسي في سوريا، مخلفةً عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، ومكاسب كبيرة لصالح النظام السوري وروسيا.

أكثر من 20 ألف قتيل نصفهم من المدنيين منذ بداية التدخل الروسي، ولا يزال عدّاد القتل يعمل حتى مع وجود اتفاقية خفض التصعيد الموقعة بين تركيا وروسيا في مدينة إدلب وريفها، إذ قُتل الشهر الفائت ثلاثة مدنيين في قصف للطيران الروسي على مدينة بنّش في ريف إدلب.

 

بداية التدخل

نهاية شهر سبتمبر 2015 منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضاً للرئيس الروسي بوتين للدخول إلى سوريا، وأعلن بوتين أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية على داعش والجماعات الإرهابية، وهذا التدخل جاء بناء على طلب من رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وكان النظام حينها يسيطر على أجزاء صغيرة من البلاد، إلا أن التدخل الروسي ساهم في إعادة سيطرته على أكثر من ثلثي سوريا، بعد عام واحد من التدخل الروسي.

ومع نهاية عام 2019، كان النظام السوري مدعوماً بروسيا مسيطراً على مساحة  نحو 71.7% من إجمالي الأراضي السورية.

وتركزت الهجمات الروسية على مناطق تواجد المعارضة السورية الرئيسة، وساهمت في صنع قرارات تمنع وصول المساعدات الإنسانية العاجلة للنازحين السوريين المتواجدين في تلك المناطق، حيث تم إغلاق عدد كبير من المعابر التي كانت نقاط وصل بين النازحين والمساعدات، وخفّض مجلس الأمن الدولي مطلع 2020 وبضغط من روسيا عدد المعابر الحدودية المخولة بإدخال المساعدات الإنسانية الى الشمال السوري من 4 معابر إلى اثنين فقط.

ومنذ التدخل الروسي 30 سبتمبر 2015 حتى 30 أغسطس الماضي، بلغت حصيلة الخسائر البشرية 20187  شخصا، 34% منهم مدنيون، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. 

كما رصد استخدام روسيا خلال ضرباتها الجوية لمادة "الثراميت"، المكونة من بودرة الألمنيوم وأكسيد الحديد، وتتسبب في حروق لكونها تواصل اشتعالها لنحو 180 ثانية،  وتتواجد داخل القنابل التي استخدمتها الطائرات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة في قصف الأراضي السورية، وهي قنابل عنقودية حارقة من نوع "RBK-500 ZAB 2.5 SM" تزن نحو 500 كلغ، تلقى من الطائرات العسكرية، وتحمل قنابل صغيرة الحجم مضادة للأفراد والآليات، من نوعRTM يصل عددها ما بين (50 – 110) قنبلة، محشوة بمادة Thermite، التي تتشظى منها عند استخدامها في القصف، بحيث يبلغ مدى القنبلة المضادة للأفراد والآليات من (20 – 30) متر.

ومن بين قتلى القصف الروسي 2098 طفلا، و1317 امرأة، بالإضافة إلى 5239 رجلا، و5405 عناصر من تنظيم داعش، و6128 من الفصائل المقاتلة والإسلامية وهيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني ومقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية.

 

ملايين النازحين والمهجرين

حسب إحصائية الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن العام الأول من التدخل الروسي في سوريا أسفر عن مقتل 3734 مدني، والثاني 1547، والثالث 958، والرابع 447 قتيلا من المدنيين.

وساهم التدخل الروسي أيضاً بتهجير ونزوح ملايين السكان في المدن الجنوبية إلى مدن الشمال السوري، بعد حصار وقصف وتجويع استمر عامين في مدن درعا والغوطتين الشرقية والغربية، وقدّرت أعدادهم حينها بثلاثة ملايين مدني.

كما أسفر القصف العشوائي عن استهداف مئات المدارس وأكثر من 50 سوقاً شعبياً، و190 مركزاً صحياً، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

 

خسائر روسيا في سوريا

لم تصدر موسكو أية إحصائية رسمية حول أعداد قتلاها في سوريا، إلا أن رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور بونداريف، قال العام الماضي 2019 إن عدد القتلى بلغ 112 عسكرياً بينهم جنرالات.

كما فقد سلاح الجو الروسي عدداً من الطائرات الحربية التي تم إسقاطها بواسطة المعارضة المسلحة أو سقطت من تلقاء نفسها بسبب عطل فني فيها، كما أسقطت تركيا طائرة جوية روسية كانت محاذية لنقاط توزع الجيش التركي على المناطق الحدودية مع سوريا.

وكانت سوريا ساحة لاختبار العديد من الأسلحة الحديثة لسلاح الجو الروسي، بناء على تصريحات عدد من المسؤولين الروس، حيث أشار وزي الدفاع الروسي سيرغي شويغو في تصريح سابق إلى أن أكثر من 300 نوع من الأسلحة تم تجريبها في سوريا.

و"تبين أن النزاع في سوريا كان ساحة جيدة للتدريب العسكري مع اكتساب مئات الجنود الروس خبرة ميدانية واختبار مئات الأسلحة الجديدة"، حسب مدير معهد كارنيغي في موسكو، ديميتري ترينين.

وقال رئيس اللجنة العسكرية في الجيش الروسي إيغور ماكوشيف أيضاً في وقت سابق، إن قيام بلاده باختبار الأسلحة في سوريا "أتاح لهم إمكانية تحليل قدراتها وتعديل خطط تصميمها وتحديثها".

 

قواعد جوية وبحرية

وقعت موسكو مع دمشق منتصف عام 2015 اتفاقية سمحت لها بتأسيس قاعدة حميميم الجوية في مدينة اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط، وبحسب الاتفاقية فإنها تسمح لروسيا باعتبار القاعدة سيادة لروسيا على الأرض، وتمتد لأربعين عاماً.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن النظام السوري اتفق على تأجير مطار القامشلي للقوات الروسية لمدة 49 عاما لاتخاذه مقرا للقوات الروسية على غرار ما حدث في قاعدة حميميم، حيث رصد “المرصد السوري”، بدء القوات الروسية في نقل عددٍ من المروحيات من قاعدة حميميم إلى مطار القامشلي الواقع في شمال شرقي سوريا على الحدود مع تركيا، بالإضافة لنشر منظومات الدفاع الجوي "بانتسير" في المطار لحماية المروحيات.

 

هل ربح الأسد؟

يقول الناشط الحقوقي السوري نزار محمد لـ"ارفع صوتك" إن التدخل الروسي "ساهم في إنقاذ الأسد لكنه بقي منبوذاً من جميع دول العام".

ويضيف "لا نستطيع أن نصف مرور العام الخامس على التدخل الروسي بأنه ذكرى، إنه مأساة حقيقية، فالتدخل الروسي كان عاملاً حاسماً لصالح النظام السوري وقضى على آمال السوريين الذين خرجوا للساحات مطالبين بإسقاط النظام، اليوم تعمل روسيا دور الوسيط بين النظام والمعارضة، ولكن تدخلها كان في صالح النظام طوال الوقت، نعم تم إنقاذ الأسد من الهزيمة، إلا أن سوريا أصبحت مشلولة الآن وأصبح النظام السوري منبوذ عالمياً ولن يستطيع الوقوف على قدميه مجدداً".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".