نصف سكان سوريا غير قادرين على تأمين طعام يومهم
خاص- دمشق
"أكثر من 9 ملايين سوري لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة، لا يستطيع شخص من كل اثنين تقريبًا الحصول على ما يكفي من الغذاء ولا يستطيعون شراءه".
بهذه الكلمات وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوضع الغذائي في سوريا، مضيفةً "كيس خبز واحد كل ثلاثة أيام لعدد من عائلات النازحين في سورية، هذا كله في بلد كان مكتفيًا ذاتيًا من الأغذية ومُصدّرًا لها قبل اندلاع النزاع".
وقالت إن 50% من السوريين لا يمتلكون طعاماً يكفي يومهم، مشيرةً إلى أن واحد من كل شخصين في سورية لا يمتلك الغذاء أو حتى رفاهية شراء الطعام الجاهز، بسبب الحرب في سورية الممتدة منذ عشر سنوات.
البلد الذي كان مكتفياً ذاتياً بالغذاء لعقود عديدة وكان يصدّر الغذاء لبعض البلدان المجاورة، يوجد فيه اليوم تسعة ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهذا الرقم يعني زيادة 1.4 مليون شخص عن العام الماضي 2019، مما يعني زيادة بنسبة 20%، حيث يعيش اليوم في سوريا بين كل 100 شخص يوجد 80 شخص تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار في اليوم الواحد.
ارتفاع الأسعار وتدهور الليرة السورية مقابل الدولار، أجبر السوريين اليوم على تحمل أعباء اقتصادية إضافية، وأصبح تأمين منتجات كالخبز والطحين وحليب الأطفال صعباً جداً، وأصبحت الفاكهة واللحوم والمكسّرات رفاهية زائدة.
"إذا فاتك الضاني عليك بالحمصاني"
هناك مثل سوري قديم يقول " إذا فاتك الضاني عليك بالحمصاني"، كناية عن أكل الحمّص في حالة غياب اللحوم، ولكن حتى هذا المثل فقد معناه اليوم، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار البقوليات والحمّص الذي يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر المطبخ السوري.
واشتهر المطبخ السوري دائمًا باللحوم والمكسرات في مختلف وصفاته، لكنه تأثر بالحرب كما تأثرت حياة السوريين في كافة جوانبها، حيث حلّت البقوليات مكان اللحوم وحلّ الفول مكان الحمّص في أكلة الفلافل الشهيرة، كما حلّ الفول السوداني رخيص السعر محل الفستق والجوز، كما اختفت أطعمة كثيرة من قائمة المطبخ السوري لصعوبة الحصول على مكوناتها.
تدهور الأوضاع الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة والقتال الدائر في بعض أنحاء البلاد كلها أسباب أدت إلى فقر المطبخ السوري المشهور بغناه، حيث كان يصدّر للعالم وجباته الشهية التي لم يعد لها وجود اليوم داخل سورية إلا في بعض المناطق المرموقة جداً.
تقول جمانة الحسو، من حلب خلال، لـ"ارفع صوتك": "الغلاء الكبير في الأسعار منذ عدة أعوام دفعنا لتغيير عدد كبير من أصناف طعامنا المشهورة في مدينة حلب، أو حتى تعديل وصفة الوجبة التي نعمل عليها، يعني مثلاً أصبحنا نعمل وجبة المكدوس بدون جوز بسبب غلاء سعره، وكنا نحضر سابقاً تنكة زيت كاملة وتبقى عندنا سنة كاملة، لكن الآ، اضطررنا لشراء نصف لتر فقط كي نشتري باقي احتياجاتنا".
"وليمة معكرونة"
"اليوم أحتار من أي أنواع الأرز سأشتري، الأسعار مرتفعة جداً ورصيدنا لا يكفي لشراء الأرز الفاخر، في حال اشتريت من الأرز الفاخر سأكون مضحياً بمبلغ 1500 ليرة زيادة عن سعر الأرز العادي" يصف خليل إبراهيم شراءه لكيس من الأرز الفاخر كنوع من البذخ والإسراف أثناء حديثه مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويعيش خليل (65 عامًا) مع زوجته أم محمد المريضة بالسرطان، وهما نازحان من مدينة دير الزور منذ عام 2016، ولديه ولدان وبنت وأربعة أحفاد.
في الأيام العادية يتقاسم خليل الطعام مع أم محمد، ويتشاطران حتى ثمرة الطماطم. ولكن عندما تزوره ابنته وأحفاده يهرع إلى تحضير كل ما يمكن تحضيره من طعام ترحيبًا بالضيوف الأعزاء، فيتناولون وليمة متواضعة من الأرز والمعكرونة.
شاهد خليل عبر هذا الفيديو
بورصة للخضار والفواكه
يرى أبو سامر وهو تاجر خضار وفواكه في سوق باب السريجة الدمشقي أن ما يحدث اليوم في أسواق العاصمة يشبه البورصة، مشيراً إلى وجود حاجة للاتصال الدائم مع الموردين لمعرفة السعر اليومي والبيع على أساسه.
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "بتنا نبيع بعض الأصناف بالحبّة الواحدة، لأن أسعارها مرتفعة جداً، ويجب علينا التواصل مع المورّدين لمعرفة السعر اليوم، دعنا نسميها بورصة خاصة بالفواكه والخضراوت، وهي بورصة سوريّة بامتياز".
يضيف أبو سامر "حتى الليمون ارتفع سعره بشكل غريب جداً وأصبح عدد كبير من السوريين يستعيضون عنه بالحصرم (العنب غير الناضج) ويصنعونه يدوياً للاستفادة من أحماضه عوضاً عن الليمون".
أم أحمد نازحة سورية من ريف دمشق تقيم الآن في مدينة دمشق، عانت هي وعائلتها من النزوح لذلك عملت على مشروع مشترك مع زوجها كي تعيل أطفالها وتعمل على سد احتياجاتها.
تصف الوضع الاقتصادي الحالي بأنه "أصعب الأوقات التي مرت عليهم خلال العشر سنوات الماضية".
وتقول أم أحمد لـ"ارفع صوتك": "اليوم محتارين كيف بدنا نلبي حاجة ولادنا للدواء أو حتى الأكل، عم نقصر كتير على الجانبين، وأحياناً عم نضطر ما ناكل مشان نطعمي أطفالنا، هي الفترة أصعب فترة بتمر علينا من عشر سنين".
تضيف أم أحمد: "صرنا ناكل اللحم مرة وحدة بالشهر، وتخلينا عن كتير أنواع كنا نطبخها، وصرنا نحط بهارات بدل اللحم بعدد كبير من الوجبات، وحتى الفواكه صرنا نعتبرها رفاهية اليوم".
ارتفعت 14 مرة!
وأورد تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الأطفال السوريين "يتضورون جوعا، بعضهم يأكل أوراق الشجر والثمار ويشربون المياه القذرة للبقاء على قيد الحياة، بسبب النقص الحاد في الغذاء".
ونقلت الصحيفة عن تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" قولها إن الشعب السوري يجد صعوبة كبيرة في التنقل ويعاني من التضخم وغلاء الأسعار، وبالتالي فإن بعض الأهالي لا يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم.
بدورها، قالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي جيسيكا لوسون: "خلال عام واحد فقط، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بمعدل 107%، والأسعار ارتفعت 14 مرة أكثر من معدل ما قبل النزاع، وهذا أعلى ما يتم تسجيله على الإطلاق".
وحسب تقديرات الأمم المتحدة التي صدرت عام 2019 فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 14% منهم في المناطق الريفية يعانون من سوء التغذية الحاد، وطفلاً من بين كل عشرين يعاني سوء تغذية حاد.