سوريا

نصف سكان سوريا غير قادرين على تأمين طعام يومهم

04 سبتمبر 2020

خاص- دمشق

"أكثر من 9 ملايين سوري لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة، لا يستطيع شخص من كل اثنين تقريبًا الحصول على ما يكفي من الغذاء ولا يستطيعون شراءه".

بهذه الكلمات وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوضع الغذائي في سوريا، مضيفةً "كيس خبز واحد كل ثلاثة أيام لعدد من عائلات النازحين في سورية، هذا كله في بلد كان مكتفيًا ذاتيًا من الأغذية ومُصدّرًا لها قبل اندلاع النزاع".

وقالت إن 50% من السوريين لا يمتلكون طعاماً يكفي يومهم، مشيرةً إلى أن واحد من كل شخصين في سورية لا يمتلك الغذاء أو حتى رفاهية شراء الطعام الجاهز، بسبب الحرب في سورية الممتدة منذ عشر سنوات.

 

 

البلد الذي كان مكتفياً ذاتياً بالغذاء لعقود عديدة وكان يصدّر الغذاء لبعض البلدان المجاورة، يوجد فيه اليوم تسعة ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهذا الرقم يعني زيادة 1.4 مليون شخص عن العام الماضي 2019، مما يعني زيادة بنسبة 20%، حيث يعيش اليوم في سوريا بين كل 100 شخص يوجد 80 شخص تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار في اليوم الواحد.

ارتفاع الأسعار وتدهور الليرة السورية مقابل الدولار، أجبر السوريين اليوم على تحمل أعباء اقتصادية إضافية، وأصبح تأمين منتجات كالخبز والطحين وحليب الأطفال صعباً جداً، وأصبحت الفاكهة واللحوم والمكسّرات رفاهية زائدة. 

 

"إذا فاتك الضاني عليك بالحمصاني"

هناك مثل سوري قديم يقول " إذا فاتك الضاني عليك بالحمصاني"، كناية عن أكل الحمّص في حالة غياب اللحوم، ولكن حتى هذا المثل فقد معناه اليوم، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار البقوليات والحمّص الذي يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر المطبخ السوري.

واشتهر المطبخ السوري دائمًا باللحوم والمكسرات في مختلف وصفاته، لكنه تأثر بالحرب كما تأثرت حياة السوريين في كافة جوانبها، حيث حلّت البقوليات مكان اللحوم وحلّ الفول مكان الحمّص في أكلة الفلافل الشهيرة، كما حلّ الفول السوداني رخيص السعر محل الفستق والجوز، كما اختفت أطعمة كثيرة من قائمة المطبخ السوري لصعوبة الحصول على مكوناتها. 

تدهور الأوضاع الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة والقتال الدائر في بعض أنحاء البلاد كلها أسباب أدت إلى فقر المطبخ السوري المشهور بغناه، حيث كان يصدّر للعالم وجباته الشهية التي لم يعد لها وجود اليوم داخل سورية إلا في بعض المناطق المرموقة جداً.

تقول جمانة الحسو، من حلب خلال، لـ"ارفع صوتك": "الغلاء الكبير في الأسعار منذ عدة أعوام دفعنا لتغيير عدد كبير من أصناف طعامنا المشهورة في مدينة حلب، أو حتى تعديل وصفة الوجبة التي نعمل عليها، يعني مثلاً أصبحنا نعمل وجبة المكدوس بدون جوز بسبب غلاء سعره، وكنا نحضر سابقاً تنكة زيت كاملة وتبقى عندنا سنة كاملة، لكن الآ، اضطررنا لشراء نصف لتر فقط كي نشتري باقي احتياجاتنا".

 

"وليمة معكرونة"

"اليوم أحتار من أي أنواع الأرز سأشتري، الأسعار مرتفعة جداً ورصيدنا لا يكفي لشراء الأرز الفاخر، في حال اشتريت من الأرز الفاخر سأكون مضحياً بمبلغ 1500 ليرة زيادة عن سعر الأرز العادي" يصف خليل إبراهيم شراءه لكيس من الأرز الفاخر كنوع من البذخ والإسراف أثناء حديثه مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويعيش خليل (65 عامًا) مع زوجته أم محمد المريضة بالسرطان، وهما نازحان من مدينة دير الزور منذ عام 2016، ولديه ولدان وبنت وأربعة أحفاد.

في الأيام العادية يتقاسم خليل الطعام مع أم محمد، ويتشاطران حتى ثمرة الطماطم. ولكن عندما تزوره ابنته وأحفاده يهرع إلى تحضير كل ما يمكن تحضيره من طعام ترحيبًا بالضيوف الأعزاء، فيتناولون وليمة متواضعة من الأرز والمعكرونة.

شاهد خليل عبر هذا الفيديو

 

بورصة للخضار والفواكه

يرى أبو سامر وهو تاجر خضار وفواكه في سوق باب السريجة الدمشقي أن ما يحدث اليوم في أسواق العاصمة يشبه البورصة، مشيراً إلى وجود حاجة للاتصال الدائم مع الموردين لمعرفة السعر اليومي والبيع على أساسه.

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "بتنا نبيع بعض الأصناف بالحبّة الواحدة، لأن أسعارها مرتفعة جداً، ويجب علينا التواصل مع المورّدين لمعرفة السعر اليوم، دعنا نسميها بورصة خاصة بالفواكه والخضراوت، وهي بورصة سوريّة بامتياز".

يضيف أبو سامر "حتى الليمون ارتفع سعره بشكل غريب جداً وأصبح عدد كبير من السوريين يستعيضون عنه بالحصرم (العنب غير الناضج) ويصنعونه يدوياً للاستفادة من أحماضه عوضاً عن الليمون".

أم أحمد نازحة سورية من ريف دمشق تقيم الآن في مدينة دمشق، عانت هي وعائلتها من النزوح لذلك عملت على مشروع مشترك مع زوجها كي تعيل أطفالها وتعمل على سد احتياجاتها.

تصف الوضع الاقتصادي الحالي بأنه "أصعب الأوقات التي مرت عليهم خلال العشر سنوات الماضية".

وتقول أم أحمد لـ"ارفع صوتك": "اليوم محتارين كيف بدنا نلبي حاجة ولادنا للدواء أو حتى الأكل، عم نقصر كتير على الجانبين، وأحياناً عم نضطر ما ناكل مشان نطعمي أطفالنا، هي الفترة أصعب فترة بتمر علينا من عشر سنين".

تضيف أم أحمد: "صرنا ناكل اللحم مرة وحدة بالشهر، وتخلينا عن كتير أنواع كنا نطبخها، وصرنا نحط بهارات بدل اللحم بعدد كبير من الوجبات، وحتى الفواكه صرنا نعتبرها رفاهية اليوم".

 

ارتفعت 14 مرة!

وأورد تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الأطفال السوريين "يتضورون جوعا، بعضهم يأكل أوراق الشجر والثمار ويشربون المياه القذرة للبقاء على قيد الحياة، بسبب النقص الحاد في الغذاء".

ونقلت الصحيفة عن تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" قولها إن الشعب السوري يجد صعوبة كبيرة في التنقل ويعاني من التضخم وغلاء الأسعار، وبالتالي فإن بعض الأهالي لا يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم.

بدورها، قالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي جيسيكا لوسون: "خلال عام واحد فقط، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بمعدل 107%، والأسعار ارتفعت 14 مرة أكثر من معدل ما قبل النزاع، وهذا أعلى ما يتم تسجيله على الإطلاق".

وحسب تقديرات الأمم المتحدة التي صدرت عام 2019 فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 14% منهم في المناطق الريفية يعانون من سوء التغذية الحاد، وطفلاً من بين كل عشرين يعاني سوء تغذية حاد.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".