سوريا

ممنوع دخول السوري لوطنه إلا بـ100 دولار

09 سبتمبر 2020

خاص- دمشق

ينتظر عروة الأحمد هو وعائلته المكونة من أربعة أفراد على الحدود اللبنانية السورية قراراً يسمح له بدخول بلده، لكن جواز سفره السوري وحتى بطاقة الهوية الرسمية، لم تسمحا له بالدخول، بسبب القرار الجديد.

ويقتضي  القرار الذي دخل حيز التطبيق أغسطس الماضي، دفع 100 دولار أميركي على الحدود وبسعر التصريف المركزي، عن كل فرد، وفي حال لا يملك المواطن هذا المبلغ، سيبقى "عالقاً" على الحدود ريثما يتمكن من ذلك، ليدخل بلده.

يقول عروة لـ"ارفع صوتك": "نحن هنا منذ عدة أيام على الحدود السورية اللبنانية. ختمنا ختم الخروج من لبنان ولم نستطع الدخول إلى بلدنا، ووصفونا بكلمة عالقين على الحدود، وهناك العشرات مثلنا هنا، ولبنان لن يستقبلنا أيضاً لأننا خرجنا منه أصلاً".

ويتساءل "كيف سأؤمن مبلغ 100 دولار عني وعن كل فرد في عائلتي!، لو كان معنا هذا المبلغ لبقينا في لبنان".

 

المعفيّون

في تصريحات رسمية لمدير إدارة الهجرة والجوازات في سوريا ناجي النمير الخميس الفائت، أكد بأنه "يجب على كل مواطن يرغب بالدخول إلى البلاد تصريف مبلغ 100 دولار  أو ما يعادلها من العملات الأجنبية وفقاً لتسعيرة البنك المركزي السوري، للسماح له بدخول الأراضي السورية".

وأشار  إلى أن تعليمات رئيس مجلس الوزراء تقضي بإعادة من لا يملك المبلغ إلى حيث أتى، إلا أن الجانب اللبناني لا يقبل رجوع السوريين.

وقال اللواء النمير، إن أمام السوري الذي لا يملك المال"خيار واحد وهو الاتصال بأحد ذويه أو أصدقائه، ليؤمن له المبلغ، أما المواطن الذي لا يُسمح له بالدخول حتى يأتي بـ 100 دولار، فاسمه (عالق)، وهو موجود لدى الهجرة والجوازات، ويمارس حياته بشكل طبيعي ويأكل ويشرب" على حد تعبيره.

 

ونص القرار الرسمي الذي أصدرته الحكومة السورية حسب رئيس وزرائها حسين عرنوس "يتوجب على المواطنين السوريين ومن في حكمهم بتصريف مبلغ 100 دولار أميركي أو ما يعادلها بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سوريا المركزي حصراً، إلى الليرات السورية بحسب نشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، عند دخولهم لأراضي الجمهورية العربية السورية".

وأعفى القرار المواطنين الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، وسائقي الشاحنات والسيارات العامة.

 

"مخالف للدستور"

حسب المادة 38 من دستور سوريا "لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه، ولكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء".

يقول المحامي السوري المقيم في دمشق أحمد زكريا إن الدستور السوري يشير في مواده إلى "التزام السلطات بتقديم التسهيلات للمواطنين للعودة إلى بلدهم، بدون وجود أي تعقيدات إدارية".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "ليس هناك أي بلد في العالم يفرض على أي مواطن يرغب بدخول بلاده أن يدفع أي مبلغ، وهذا القرار يحد من حق السوري بدخول وطنه".

 

استياء شعبي

أثارت تصريحات مدير إدارة الهجرة والجوازات حول هذا القرار جدلاً  واستياءً كبيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفه البعض بأنه "فيزا لدخول السوريين إلى بلدهم الأم"، ووصفه آخرون بأنه "عملية سرقة ممنهجة".

الناشط السوري عمر الشامي نشر صورة لسوريين عالقين على الحدود السورية اللبنانية وأشار لعدم امتلاكهم المبلغ للدخول إلى سوريا.

بدورها، أدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان القرار، مشيرة إلى أن "النظام السوري مُستمر في وضع قوانين "تنتهك مبادئ حقوق الإنسان، وتُشرعن عملية نهب الأموال، لأن القيمة الفعلية في الأسواق وفي المعاملات على أرض الواقع تزيد عن ضعف سعر الصرف المحدد من المصرف المركزي، وهذا يعني خسارة المواطن السوري لما يعادل 55 إلى 60 دولار لصالح النظام السوري".

وأكدت الشبكة أن "النظام السوري وفي الوقت الذي يفرض هذه الرسوم التعسفية ويُضيّق على المواطن السوري في المناطق الخاضعة لسيطرته، ما زال يُنفق ملايين الدولارات على مصاريف ورواتب الأجهزة الأمنية التي تُمارس عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وملايين الدولارات على مصاريف الحشود العسكرية المستمرة والمحيطة بمنطقة إدلب".

ويرى الناشط السوري أحمد الحاج إلى أن "النظام السوري استنفذ جميع أوراقه وبدأ العمل على سرقة السوريين الموجودين في الخارج".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "كل يوم يخرج علينا النظام بطلبات جديدة، آخرها كان رفع قيمة بدل العسكرية إلى مبالغ كبيرة جداً وبالدولار حصراً، واليوم هذا القرار.. لم يعد لديه النظام أي ورقة أخرى يلعب عليها غير الشعب السوري الفقير".

 

الجثث أيضاً!

توفيت فتاة سورية في المنطقة الحدودية بعد انتظارها على الحدود، ولم تشفع لها وفاتها بالدخول، فالقانون يشمل جثث الموتى أيضاً.

ونقل فريق الدفاع المدني اللبناني جثة الفتاة السورية التي تبلغ من العمر 17 عامًا، إلى مستشفى الهراوي الحكومي في زحلة بعد أن عثر عليها في جبل عند نقطة المصنع الحدودية.

وقال فريق الدفاع المدني، إن تنفيذ المهمة جرى بعد حضور الأجهزة الأمنية المختصة وإتمامها الإجراءات القانونية اللازمة.

 

وقال مصدر إعلامي لبناني لصحيفة "الوطن" السورية، المقربة من النظام السوري، إن "الفتاة كانت تحاول دخول لبنان بطريقة غير شرعية بعد انتهاء إقامتها في لبنان وعدم تمكنها من العودة إليه عبر الحدود بسبب إغلاقها".

كما تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خبر وفاة أحد اللاجئين السوريين في انفجار مرفأ بيروت، ولم يستطع أحد إدخاله إلى سوريا ليصل إلى ذويه بسبب فرض رسوم المئة دولار.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".