سوريا

نظام الأسد للاجئين السوريين: أنا والزمن عليك

محمد ناموس
18 سبتمبر 2020

"جواز السفر سلاح بإيد النظام عم يبتزنا فيه طول الوقت، تكاليفو عالية وما عم نقدر نطالعو لمدة أكتر من سنتين، ونحنا لاجئين كيف بدنا نأمن حق الجواز وشغلنا يادوب عم يكفينا"،  يصف اللاجئ السوري مازن الحمّود معاناته لاستصدار جواز سفر بلده.

ومازن واحد من بين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين حول العالم، الذين يواجهون صعوبات متكررة أثناء تجديد جوازات السفر لدى السفارات السورية في دول اللجوء.

ويمكن أن تصل تكاليف استخراجه في بعض السفارات لـ1000 دولار أميركي ما بين تكلفة الجواز والسفر للوصول إلى السفارة وحجز الدّور للدخول إليها.

يقول مازن لـ"ارفع صوتك": "انتهت صلاحية جواز سفر ي الذي أستخدمه في تركيا نهاية 2019، وأخذت موعداً لتجديده في القنصلية السورية بعد ثلاثة أشهر، علماً بأني دفعت 200 دولار مقابل الحصول على الموعد من أحد السماسرة العاملين في هذا المجال، لكن لغاية اليوم لم أستلم الجواز".

ويتابع "هناك طريقتان للحصول على جواز السفر، الأولى وهي الأسرع وأحصل من خلالها على جواز السفر خلال شهر، لكن تتطلب دفع 700 دولار، والثانية وهي أبطأ، أدفع 325 دولار، وهو ما فعلته".

وعلى مدار تسع سنوات منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا، استخدم النظام  وسائل عديدة للضغط على السوريين داخل البلاد وخارجها، وفي كل عام تصدر قوانين جديدة ترهق كاهل المواطنين المشتتين في أرجاء العالم.

"منجم" جوازات السفر

مع تزايد العقوبات على النظام السوري لجأت حكومة النظام لسلسلة من الإجراءات التي تسمح لها بالالتفاف عليها، مثل رفع قيمة رسوم الجوازات، وتحديد صلاحيتها بسنتين بدلاً من ست سنوات إلا في حالات محددة، بالإضافة لإلغاء العمل بتمديد الجواز باللاصق المجاني الذي يجدد مدة صلاحية الجواز القديم.

إنفو غرافيك توضيحي لعائدات النظام السوري من جوازات السفر خارج سوريا

 

ولا يستطيع اللاجئون السوريون في تركيا أو في أي بلد عربي آخر من تمديد إقاماتهم إذا لم يقوموا بتجديد جوازات سفرهم، كما أن القوانين في هذه البلاد لا تمنحهم العديد من الميزات في حال انتهت صلاحية جواز السفر، منها الحصول على رخصة قيادة أو الحصول على حساب بنكي.

ولا تعتبر الجوازات المصدر الوحيد للعملات الصعبة لدى السفارات والقنصليات السورية حول العالم، إذ يلجأ السوريون إليها أيضاً لتيسير باقي معاملاتهم التي تكلفهم أرقاماً كبيرة.

وكانت السفارة السورية في ستوكهولم، نشرت إعلاناً بأسماء 43 مكلفاً بالخدمة العسكرية حصلوا على موافقات دفع البدل، أي ما يعادل بالمجموع 344 ألف دولار فقط من هذه السفارة وخلال فترة وجيزة.

وعملت السفارة ذاتها على تقديم خدماتها للأشخاص الراغبين بتجديد جوازات سفرهم لـ80 شخص في اليوم الواحد، وهو ما يعني أكثر من 25000 دولار يومياً فيها وحدها فقط.

وحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في يونيو الفائت، يوجد أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري يعيشون في دول الجوار وشمال أفريقيا، يضطر معظمهم لمراجعة السفارات السورية في أماكن لجوئهم للحصول على وثائق الأحوال المدنية أو جوازات السفر.

من جانبها، دعت المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان الدول المعنية بملف اللاجئين السوريين، إلى "اعتماد جواز السفر السوري كوثيقة دائمة لا تنتهي صلاحيتها في الدول التي يعيش فيها اللاجئ وحصل فيها على أحد أنواع الحماية الدولية".

استملاك الأراضي

بعد سيطرة قوات النظام السوري على معظم أراضي ريف دمشق، بالأخص الغوطتين الشرقية والغربية، أعلن النظام السوري في أبريل 2018 عن القانون رقم 10 المتعلق بتنظيم الملكية، القاضي باستملاك الأراضي التي لا يوجد من يثبت ملكيتها داخل سوريا.

بالرغم من أن القانون المثير للجدل يسمح لأقارب أصحاب الحقوق حتى الدرجة الرابعة أو بموجب وكالة قانونية إمكانية إثبات ملكية العقار، إلا أن ملايين اللاجئين السوريين مهددون بخسارة منازلهم التي تركوها وراءهم بصورة نهائية، وذلك لأن إثبات الملكية يحتاج إلى موافقات أمنية من المخابرات، كما ذكر تقرير لصحيفة تايمز البريطانية، وهو ما لا يمكن للأشخاص المعارضين للحكومة السورية الحصول عليه.

ويعاب على القانون الجديد أنه جاء في وقت هجّر فيه أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، ما يعني أن الحكومة قد تستثمر غيابهم وفقدان أوراق ملكياتهم للاستحواذ على أملاكهم بطرق تعتبرها قانونية.

وقوبل القرار باستياء شعبي ودولي، حيث عبّرت الخارجية الألمانية عن قلقها الكبير من "محاولات نظام الأسد التشكيك في حقوق الملكية لكثير من السوريات والسوريين الفارين، وذلك عبر قواعد قانونية مريبة" وفق تعبيرها.

وذكرت الوزارة أن "نظام الأسد يحاول على ما يبدو تغيير الأوضاع في سوريا على نحو جذري لصالح النظام وداعميه وتصعيب عودة عدد هائل من السوريين".

وطالبت الحكومة الألمانية الأمم المتحدة بتبني هذه القضية، داعية في الوقت نفسه "داعمي نظام الأسد، وروسيا في المقام الأول، إلى الحيلولة دون تطبيق هذه القوانين."

بدورها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير  إن  "النازحين، لا سيما الفارين من مناطق تعتبر معادية للحكومة، أكثر عرضة لمصادرة عقاراتهم بموجب القانون رقم 10، وسيكون من المستحيل على الآلاف الذين اختفوا قسرا أثناء النزاع المطالبة بممتلكات المفقودين".

"هؤلاء الأشخاص لم يتمكنوا من تقديم طلبات إثبات الملكية بأنفسهم أو تعيين وكيل معترف به قانونا، كما أن أقاربهم، في عديد من الحالات، لن يستطيعوا أن يظهروا لماذا لا يستطيع المالكون تقديم الطلب بأنفسهم" أضافت المنظمة.

ووفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، نزح أكثر من 11 مليون سوري أو لجأوا إلى دول مضيفة منذ بداية الصراع السوري، ولن يتمكن نازحون سوريون كُثر من العودة إلى عقاراتهم لتقديم المطالبة بأنفسهم.

وناشدت المنظمة حلفاء حكومة النظام، كروسيا وإيران، بتشجيع الحكومة على إلغاء القوانين الإشكالية التي تشكل عقبات أمام العودة، بما في ذلك القانون رقم 10، والمرسوم 66 وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012.

ورأت المنظمة أن "القانون يوفر إطارا رسميا لإحالة ملكية الأراضي إلى الحكومة السورية، التي تتمتع بسلطة منح عقود إعادة الإعمار والتطوير للشركات أو المستثمرين وتعويضهم على شكل حصص في المناطق التنظيمية".

 

فيزا لدخول سوريا

خسرت حكومة النظام السوري معظم مصادرها من العملات الصعبة في السياحة والاستثمار حتى قبل دخول قانون العقوبات الأميركي على المتعاملين مع الحكومة السورية، والمعروف باسم "قيصر"، حيز التنفيذ.

 ودفع ذلك النظام إلى ابتكار أساليب جديدة للحصول على النقد الأجنبي، آخرها قرار مجلس الوزراء، في تموز الماضي، إلزام المواطنين العائدين إلى سوريا بتصريف 100 دولار أمريكي، أو ما يعادلها بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها المصرف المركزي حصرا إلى الليرات السورية.

ونص القرار الرسمي الذي أصدرته الحكومة السورية حسب رئيس وزرائها حسين عرنوس بأنه "يتوجب على المواطنين السوريين ومن في حكمهم بتصريف مبلغ 100 دولار أميركي أو ما يعادلها بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سوريا المركزي حصراً، إلى الليرات السورية بحسب نشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، عند دخولهم لأراضي الجمهورية العربية السورية".

وأعفى القرار المواطنين الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، وسائقي الشاحنات والسيارات العامة.

ومن اللافت أن صحيفة "البعث"، الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، وصفت قرار إلزام السوريين العائدين إلى بلدهم بتصريف 100 دولار بكونه "أتاوة حكومية"، محذرة من أن له "تداعيات سلبية، لا سيما على الجانب الاجتماعي، خاصة مع وجود آلاف العمال السوريين في لبنان بأجور لا تساعدهم على تصريف 100 دولار بالسعر الرسمي، ليدفعوا ثمن ما يُعرض من سلع ومواد استهلاكية بسعر يعادل ضعف السعر الرسمي، ما يعني أنهم سيلزمون بدفع نحو 50 دولاراً للمصرف المركزي دون وجه حق، مع الإشارة هنا إلى أن هذا القرار ينسحب على المقيمين في الخارج بقصد العلاج والدراسة".

وحسب المادة 38 من دستور سوريا "لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه، ولكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء".

يقول المحامي السوري المقيم في دمشق أحمد زكريا، إن الدستور السوري يشير في مواده إلى "التزام السلطات بتقديم التسهيلات للمواطنين للعودة إلى بلدهم، بدون وجود أي تعقيدات إدارية".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "ليس هناك أي بلد في العالم يفرض على أي مواطن يرغب بدخول بلاده أن يدفع أي مبلغ، وهذا القرار يحد من حق السوري بدخول وطنه".

بدورها، أدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان القرار، مشيرة إلى أن "النظام السوري مُستمر في وضع قوانين "تنتهك مبادئ حقوق الإنسان، وتُشرعن عملية نهب الأموال، لأن القيمة الفعلية في الأسواق وفي المعاملات على أرض الواقع تزيد عن ضعف سعر الصرف المحدد من المصرف المركزي، وهذا يعني خسارة المواطن السوري لما يعادل 55 إلى 60 دولار لصالح النظام السوري".

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".