سوريا

معركة قضائية تعتزم هولندا خوضها لمحاسبة مسؤولي النظام السوري

21 سبتمبر 2020

تعتزم هولندا محاسبة مسؤولي النظام السوري، بموجب القانون الدولي، عن "انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان"، في قضية يمكن أن تحال إلى أعلى هيئة محاكمة في الأمم المتحدة.

وقالت الحكومة الهولندية إنها تستند في توجّهها هذا إلى اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب، متّهمة دمشق باستخدام الغاز السام في جرائم ارتكبتها بحق شعبها.

وجاء في بيان لوزير الخارجية شتيف بلوك أن "نظام الأسد ارتكب جرائم مروعة مرارا وتكرارا. الأدلة دامغة. يجب أن تكون هناك عواقب".

وقال رئيس الوزراء مارك روتي في مؤتمر صحافي "إنها رسالة مهمة لبقية طغاة هذا العالم".

وتابع "لدينا مؤشرات تفيد بأننا قد نحظى بدعم دول أخرى" في القضية.

وقالت السلطات الهولندية إنها قررت التحرّك بعد استخدام حق النقض لإسقاط مشروع لإحالة الأوضاع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، والإفلات من العقاب على مدى سنوات.

وقال وزير الخارجية الهولندي "لم يتردد نظام الأسد في قمع شعبه بعنف واللجوء إلى التعذيب والأسلحة الكيميائية وقصف المستشفيات".

وأضاف "يجب إحقاق العدالة لضحايا هذه الجرائم الخطيرة، ونحن نسعى إلى تحقيق هذه الغاية بالدعوة إلى محاسبة المرتكبين.

وقالت السلطات الهولندية إنها دعت دمشق من خلال مذكرة دبلوماسية إلى وقف انتهاكاتها لاتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب والدخول في مفاوضات.

وفي حال عجز البلدان عن حل النزاع فيما بينهما يمكن أن تحال القضية إلى التحكيم.

أما "في حال تعذّر التوصل لاتفاق حول هذه القضية، فستتقدم هولندا بدعوى قضائية أمام محكمة دولية".

والأرجح أن تلجأ هولندا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، المخولة النظر في النزاعات القائمة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفي انتهاكات الاتفاقات الأممية.

ووقعت سوريا على اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب عام 2004.

"أعداد لا تحصى من ضحايا"

وجاء في بيان لشركة المحاماة الدولية "غيرنيكا 37 تشيمبرز" ومقرها لندن أن المكتب يساعد الحكومة الهولندية في جمع الأدلة وشهادات ضحايا سوريين.

وتابع البيان أن "الخطوة التي اتّخذتها هولندا بالغة الأهمية ويمكن أن تمنح الضحايا فرصة حقيقية للوصول إلى الحقيقة والعدالة والمحاسبة على المستوى الدولي".

بدورها اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن هولندا "تدافع عن أعداد لا تحصى من ضحايا" النظام السوري.

وقالت نائبة مدير برنامج العدالة الدولية في المنظمة بلقيس جراح إن "كل الجهات، وخصوصا الحكومات، التي روعها تفشي الوحشية الموثقة في سوريا، يجب أن ترحّب بهذه الخطوة وأن تستكشف سبلا مماثلة لفرض سيادة القانون".

دمشق تدين

من جانبها، أدانت دمشق مساعي هولندا، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

ونقلت سانا عن مصدر في وزارة الخارجية السورية قوله إن قرار هولندا بمثابة "انتهاك فاضح لتعهداتها والتزاماتها كدولة المقر لهذه المنظمة الدولية ونظامها"، متهماً إياها بدعم "تنظيمات مسلحة" في سوريا.

وقال إن الحكومة السورية "تحتفظ لنفسها بحق الملاحقة القانونية لكل من تورط بدعم الإرهاب في سوريا".

واستعادت القوات الحكومية خلال السنوات الماضية، وبدعم روسي وإيراني، أجزاء واسعة من الأراضي السورية التي سيطرت عليها الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية خلال سنوات النزاع الأولى.

ولطالما اتهمت دول غربية على رأسها الولايات المتحدة دمشق بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، من ضمنها استخدام الأسلحة الكيميائية في هجمات ضد مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ العام 2011 تسبّب بمقتل أكثر من 380 ألف شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".