سوريا

تقرير دولي: خسرت سوريا أكثر من 440 مليار دولار منذ 2011

محمد ناموس
30 سبتمبر 2020

قدرت لجنة الأمم المتحدة (إسكوا) ومركز الدراسات السورية في جامعة "سانت أندروز" أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سوريا بلغت أكثر من 442 مليار دولار أميركي منذ 2011.

وجاء في التقرير الذي صدر في 23 سبتمبر الحالي، بعنوان "سوريا.. بعد ثماني سنوات من الحرب، نهاية للنزاع ومستقبل أفضل لجميع السوريين والسوريات أمر ممكن"، أن قيمة الدمار المادي لرأس المالي يقدر بنحو 117.7 مليار دولار، والخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 324.5 مليار دولار، مما يضع تكلفة الاقتصاد الكلي عند نحو 442 مليار دولار.

مصدر الصورة: تقرير الإسكوا

وأوضحت "إسكوا" في تقريرها أن هذا الرقم رغم ضخامته لا يلخص حجم معاناة السكان الذين سجل منهم خمسة مليون و600 ألف كلاجئين، وستة ملايين و400 ألف كنازحين داخليًا، وستة ملايين ونصف مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما لايزال 11 مليون و700 ألف بحاجة إلى شكل واحد على الأقل من أشكال المساعدة الإنسانية.

ويكشف التقرير، أن 82% من الأضرار الناجمة عن الصراع تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات كثافة في رأس المال وهي الإسكان والتعدين والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة.

 

"مبادئ وأولويات"

بدورها، قالت مديرة برنامج "الإسكوا" روى ناصر الدين، في فيديو لها قبل نشر التقرير  إنه "يعكس طبيعة النزاع في سوريا الذي بدأ بمطالب الإصلاح السياسي ولكنه ما لبث أن تحول إلى صراع جيوسياسي مسلح انخرطت فيه قوى إقليمية ودولية، ما أدى إلى تحولات عميقة على جميع مستويات الدولة والمجتمع". 

وذكرت مديرة البرنامج أن التقرير يقترح المبادئ والأولويات لتحقيق التعافي الاقتصادي وبناء السلام على نحو شامل ومستدام.

"بلغت الخسارة المتراكمة في رأس المال البشري والاجتماعي والمادي بنتيجة النزاع مستوى هائلا جدا، وهو ما يضع تحديات كبيرة أمام تطوير سياسات السلام في سوريا حالما يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، هناك حاجة ملحة اليوم ليجد المجتمع الدولي حلاً شاملا يتيح للسوريين تحقيق طموحاتهم" تؤكد ناصرالدين.

كما شمل التقرير تحليلاً للمشهد الاجتماعي والوضع الديمغرافي لسوريا والآثار الاقتصادية الكلية، وانتهاكات حقوق الإنسان ومظاهر العنف القائم على الجنس ومجالات أخرى عديدة.

في مجال التعليم مثلاً، ذكرت "الإسكوا" أن ثلاثة ملايين طفل داخل البلاد تسربوا من المدرسة خلال العام الدراسي 2017-2018، ووصفت الخسائر في التنمية البشرية في مجالي التعليم والصحة بـ"الكارثية".

وفي تحليله للمشهد الاقتصادي، يورد التقرير أن الكلفة التي كبدها النزاع للاقتصاد الكلي بلغت حوالي 2.442 مليار دولار أمريكي، وأن الصادرات انخفضت من ثماني مليارات و700 مليون دولار أميركي عام 2010 إلى 700 مليون دولار فقط عام 2018 "نتيجة تعطل سلاسل الإنتاج والتجارة بسبب الأضرار التي لحقت بالبنى الأساسية، والعقوبات الاقتصادية الدولية، فضلاً عن هروب رأس المال المالي والبشري إلى الخارج".

وأشار إلى أن "النزاع يفرض تحديات مستقبلية رهيبة سواء كانت في الإنتاج أو الاستثمار أو التنمية البشرية" مستشهدًا ببيانات رسمية تفيد بأن خسارة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في نهاية عام 2018 كانت 54% من مستواه في عام 2010.

وفي تحليل المشهد الاجتماعي، سجل دليل التنمية البشرية في سوريا انخفاضا حادا من 64.0 في عام 2010 إلى 549.0 في عام 2018، ما خفض ترتيب البلد من مجموعة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة إلى مجموعة البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة.

 

رسوم بيانية

أشارت الرسوم البيانية التي عرضها التقرير إلى الارتفاع الشديد في أعداد اللاجئين السوريين حتى نهاية عام 2019، وتوزع معظمهم في البلدان المحيطة بسوريا مثل لبنان وتركيا والأردن والعراق.

وتسببت موجات النزوح الكبيرة بوجود مئات الآلاف من المشردين ومن الأشخاص بدون مأوى، ففي عام 2019 تم تسجيل أكثر من 11 مليون سوري بحاجة للمساعدة 42% من بينهم أطفال.

مصدر الصورة: تقرير الإسكوا

ووصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير حديث لها الوضع الغذائي في سوريا بأن "أكثر من 9 ملايين سوري لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة، ولا يستطيع شخص من كل اثنين تقريبًا الحصول على ما يكفي من الغذاء ولا يستطيعون شراءه".

وقالت إن 50% من السوريين لا يمتلكون طعاماً يكفي يومهم، مشيرةً إلى أن واحداً من كل شخصين في سورية لا يمتلك الغذاء أو حتى رفاهية شراء الطعام الجاهز، بسبب الحرب في سوريا الممتدة منذ عشر سنوات.

البلد الذي كان مكتفياً ذاتياً بالغذاء لعقود عديدة وكان يصدّر الغذاء لبعض البلدان المجاورة، يوجد فيه اليوم تسعة ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهذا الرقم يعني زيادة 1.4 مليون شخص عن العام الماضي 2019، مما يعني زيادة بنسبة 20%، حيث يعيش اليوم في سوريا بين كل 100 شخص يوجد 80 شخص تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار في اليوم الواحد.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة التي صدرت عام 2019 فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 14% منهم في المناطق الريفية يعانون من سوء التغذية الحاد، وطفلاً من بين كل عشرين يعاني سوء تغذية حاد.

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".