سوريا

النظام السوري: 4 أرغفة خبز لكل فرد فقط يشتريها بالبطاقة الذكية

محمد ناموس
02 أكتوبر 2020

أصبحت أزمة طوابير الانتظار على شراء الاحتياجات الأساسية في سوريا حديث السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت أكثر وضوحا للعيان في المناطق والمدن التي يسيطر عليها النظام السوري، خاصة بعد فرض شراء الخبز والمحروقات عبر "البطاقة الذكية".

وفرض النظام آلية جديدة لتوزيع الخبز الحكومي يحصل الفرد الواحد بموجبها على أربعة أرغفة خبز يومياً فقط، وتستند هذه الآلية على مقترح يقوم بتقسيم الأسرة إلى شرائح حسب عدد الأفراد.

وفي مارس الماضي، توقف النظام عن بيع الخبز في الأفران ليتم توزيعه عبر سيارات خاصة، وهذا أيضاً تسبب بفوضى في  أحياء عدة.

ولفتت وزارة التجارة التابعة للنظام إلى أن "الآلية الجديدة لبيع مادة الخبز تسمح يوميا للعائلة المؤلفة من شخص أو شخصين بالحصول على ربطة خبز واحدة والعائلة المؤلفة من ثلاثة أو أربعة أشخاص على ربطتين والعائلة المؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص على ثلاث ربطات ومن سبعة أشخاص وما فوق على أربع ربطات".

وقال مدير المؤسسة العامة للحبوب في سوريا يوسف قاسم التابعة للنظام في 14 يوليو الفائت لوكالة "سبوتنيك" الروسية إن "الحكومة الروسية قدمت عدة دفعات من المساعدات للشعب السوري وآخر دفعة كانت عبارة عن 100 ألف طن وصل منها 75 ألف طن، ومن المنتظر وصول الكمية المتبقية خلال الشهر الجاري وهي كانت داعمة ورافدة للمخازن الاستراتيجية الخاصة بالمؤسسة السورية للحبوب لتأمين مادة الدقيق التمويني ومن ثم إنتاج رغيف الخبز".

يقول عبادة الشاغوري من دمشق لـ"ارفع صوتك": "اضطررت أمس للانتظار أربع ساعات متواصلة في طابور طويل للحصول على ربطتي خبز فقط، وليس أمامي حل آخر، فالخبز الحكومي سعره مناسب لنا، ولا نستطيع شراء الخبز السياحي الذي يفوق سعره هذا الخبز بكثير".

 

طوابير للبنزين والخبز

أصبحت رؤية طوابير طويلة على محطات المحروقات في دمشق أمراً عادياً جداً لأهالي المدينة، ويضطر أصحاب السيارات للانتظار لساعات طويلة للحصول على حصتهم من مادة البنزين أو المازوت، وخاصة مع تحديد كميات البنزين لكل سيارة من قبل وزارة النفط السورية التي خفّضت الكمية المخصصة لتعبئة البنزين من 40 إلى ثلاثين ليتراً لكل سيارة.

وأظهرت فيديوهات كثيرة شاركها المغردون عبر تويتر، طوابير الانتظار الطويلة موثقين شكاوى المواطنين المنزعجين من طريقة حصولهم على أدنى احتياجاتهم من المواد الأساسية.

 

 

 

 

 

 

وفي تصريح مصدر من وزارة النفط لصحيفة "الوطن" السورية المحلية، فإن "هناك طرقا غير قانونية يصل من خلالها البنزين إلى السوق، منها التلاعب بعداد التعبئة من قبل بعض أصحاب محطات الوقود، وبدلا من تعبئة كامل مخصصات صاحب السيارة، تتم تعبئة كمية أقل من مخصصاته، وبالتالي ومع كثرة السيارات التي يتم تعبئتها يوميا يتم تحقيق وفورات كبيرة من المادة لدى المحطة يتم بيعها لتجار في السوق السوداء".

يقول مصطفى وهو من أبناء حي كفرسوسة الدمشقي، لـ"ارفع صوتك" إنه يضطر للذهاب بعد منتصف الليل يومياً ليضمن حصوله على مادة البنزين قبل أن تنفد من محطات الوقود.

"أنتظر في الطابور للحصول على حصتي من البنزين، وأحياناً تنفد الكمية قبل وصول دوري ولا أحصل عليه مثلي مثل مئات غيري" يضيف مصطفى.

 

استهزاء من الطوابير

ونشر مغرّدون في تويتر  تعليقات ساخرة حول مظهر الطوابير في العاصمة دمشق وفي مدن اللاذقية وطرطوس، منهم الذي قال  إنه لا يوجد بلد ينافس سوريا في موسوعة غينيس عندما يتعلق الأمر بطوابير انتظار السيارات في سوريا، مشيراً إلى أنا التنافس سيكون بين المدن السورية وحدها للحصول على رقم أطول طابور في العالم.

وسخر آخر من تصريح أحد المسؤولين بأن سبب الازدحام هو زيادة الطلب على الخبز، "في سوريا.. الجوع ممنوع، العالم بكفة .. والشام في كفة أخرى، مثلا ترى الناس يصطفون في طوابير طويلة للحصول على رغيف الخبز.. يوجد "منيو" .. خبز سياحي .. خبز ٥ نجوم.. خبز فيرست كلاس .. خبزVIP.. ، والسبب حسب أحد المسؤولين هو زيادة الطلب كم مرة يجب على هذا الشعب أن يموت.. كم مرة ؟"

 

ويعاني السوريون اليوم من النقص الحاد في مادة القمح مما أدى لارتفاع أسعار الخبز في عموم سوريا، وخلال الأشهر الستة الأخيرة وحدها تشير بيانات برنامج الأغذية العالمي إلى أن عدد الذين يقدر أنهم "لا يشعرون بالأمن الغذائي" في سوريا ارتفع من 7.9 مليون فرد إلى 9.3 مليون فرد.

ويذكر أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قدرت في تقرير خسائر سوريا الاقتصادية خلال 8 سنوات من هام 2011 وحتى 2019، بما يفوق 442 مليار دولار.

وقال مايك روبسون ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في سوريا "ثمة أدلة بالفعل على أن الناس بدأت تستغني عن وجبات غذائية".

وأضاف "إذا ظلت العملة تحت ضغط فسيكون من الصعب الحصول على الواردات وربما تشهد الشهور التي تسبق محصول القمح لعام 2021 نقصا حقيقيا".

ورغم الهبوط السحيق لليرة السورية فإن رواتب الموظفين السوريين لم يطرأ عليها تغيير كبير، إذ بقي معدلها يتراوح بين 50 ألف و100 ألف ليرة أي ما يعادل 25 إلى 50 دولار لكل شهر تقريبا.

بدورها، قالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي جيسيكا لوسون: "خلال عام واحد فقط، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بمعدل 107%، والأسعار ارتفعت 14 مرة أكثر من معدل ما قبل النزاع، وهذا أعلى ما يتم تسجيله على الإطلاق".

وحسب تقديرات الأمم المتحدة التي صدرت عام 2019 فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 14% منهم في المناطق الريفية يعانون من سوء التغذية الحاد، وطفلاً من بين كل عشرين يعاني سوء تغذية حاد.

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".