سوريا

هيومن رايتس ووتش: روسيا والنظام السوري ارتكبا جرائم حرب في إدلب

15 أكتوبر 2020

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته، الخميس،  إن الهجمات المتكررة للقوات المسلحة السورية والروسية على البنى التحتية المدنية في إدلب شمال غربي سوريا، شكلت جرائم حرب على ما يبدو وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

وقتلت عشرات الضربات الجوية والبرية غير القانونية على المستشفيات، والمدارس، والأسواق منذ أبريل 2019 إلى مارس 2020 مئات المدنيين.

كما أضرّت الهجمات بشكل خطير بالحق في الصحة، والتعليم، والغذاء، والماء، والمأوى، فتسببت بنزوح جماعي، حسب "هيومن رايتس".

وفي تقرير "عم يستهدفوا الحياة بإدلب: الضربات السورية-الروسية على البُنى التحتية المدنية"، الصادر في 167 صفحة، تفصيل الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة السورية والروسية خلال الحملة العسكرية التي استمرت 11 شهرا لاستعادة محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، إحدى آخر المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة.

 

"لم تتلق رداً"

كما يدرس التقرير الذي أصدرته المنظمة الدولية، الإستراتيجية العسكرية القائمة على الانتهاكات، التي خرق فيها التحالف السوري-الروسي قوانين الحرب مرارا وتكرارا ضد ثلاثة ملايين مدني في إدلب ومحيطها، العديد منهم هُجِّروا بسبب القتال في أماكن أخرى في البلاد.

ويسمّي التقرير عشرة من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين السوريين والروس المرجح تورطهم في جرائم حرب بحكم مسؤوليتهم القيادية: كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بالانتهاكات ولم يتخذوا أي خطوات فعالة لوقفها أو معاقبة المسؤولين عنها.

بدوره، قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس" إن  "ضربات التحالف السوري-الروسي على المستشفيات، والمدارس، والأسواق في إدلب أظهرت استخفافا صارخا بالحياة المدنية".

وأضاف "تبدو الهجمات غير القانونية المتكررة جزءا من إستراتيجية عسكرية متعمدة لتدمير البنية التحتية المدنية وطرد السكان، ما يسهل على الحكومة السورية استعادة السيطرة".

كما وثّقت "هيومن رايتس" 46 هجوما جويا وبريا، شملت استخدام الذخائر العنقودية، أصابت مباشرة أو ألحقت أضرارا بالمدنيين والبنى التحتية في إدلب، في انتهاك لقوانين الحرب.

وقتلت الغارات على الأقل 224 مدنيا وجرحت 561. وليست "سوى جزء بسيط من إجمالي الهجمات خلال تلك الفترة في إدلب والمناطق المحيطة بها" حسب التقرير، ما أدى إلى نزوح 1.4 مليون شخص، معظمهم في الأشهر الأخيرة من العملية.

وضمن عملية التوثيق، قابلت "هيومن رايتس" أكثر من 100 ضحية وشاهد على الهجمات الـ 46، فضلا عن عمال رعاية صحية وإنقاذ، ومعلمين، وسلطات محلية، وخبراء في شؤون الجيشين السوري والروسي، بالإضافة لمراجعة عشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 550 صورة ومقطع فيديو التُقطت في مواقع الهجمات، وكذلك سجلات مراقبي الطيران.

وقدمت المنظمة ملخصا لنتائجها وأسئلتها إلى الحكومتين السورية والروسية، لكنها لم تتلق ردا، حسب تأكيدها.

 

"لا يوجد دليل"

الضربات الموثقة، ومعظمها في أربع مدن ومحيطها – أريحا، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان – ألحقت أضرارا بـ 12 منشأة صحية وعشر مدارس، ما أجبرها على الإغلاق في بعض الحالات بشكل دائم. كما أضرت الهجمات بما لا يقل عن خمسة أسواق، وأربع مخيمات للنازحين، وأربعة أحياء سكنية، ومنطقتين تجاريتين، وسجن، وكنيسة، وملعب، ومقر لمنظمة غير حكومية.

ولم تجد "هيومن رايتس" أي دليل على وجود أهداف عسكرية من أفراد أو عتاد في المنطقة المجاورة وقت وقوع أي من الهجمات، ولم يكن أي من السكان الذين تمت مقابلتهم على علم بأي تحذير مسبق، حيث كانت الغالبية العظمى من الهجمات بعيدة عن القتال النشط بين القوات الحكومية السورية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.

وقالت المنظمة في تقريرها، إن "الهجمات المتكررة على البنى التحتية المدنية في المناطق المأهولة التي لا يبدو أن فيها أي هدف عسكري تشير أن هذه الهجمات غير القانونية كانت متعمدة. وتهدف على ما يبدو إلى حرمان المدنيين من وسائل إعالة أنفسهم وإجبارهم على الفرار، أو بث الرعب في نفوس السكان".

في هذا السياق، يصف أيمن أسعد، من سكان مدينة إدلب، تأثير الضربات الجوية قائلا "نحن مرعوبون. لا أشعر بالأمان في مكان عملي، وفي نفس الوقت أشعر بالقلق باستمرار على عائلتي وخاصة طفليّ اللذين يذهبان إلى المدرسة كل يوم. المدارس والأسواق والمنازل والمستشفيات، كل شيء هو هدف. إنهم يستهدفون الحياة في إدلب".

 

تعطيل الحياة

"يبدو أن معظم الهجمات الموثقة انطوت على أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان" تقول المنظمة، مشيرة إلى  إمكانية أن "يؤدي استخدام هذه الأسلحة في مناطق مأهولة إلى قتل وجرح أعداد كبيرة من المدنيين عشوائيا، وإلحاق الضرر بالأعيان والبنية التحتية المدنية وتدميرها".

وتضيف "كما أن آثارها لها بدورها نتائج أخرى مثل تعطيل الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية، والتعليم، والحصول على الغذاء والمأوى. أما الآثار طويلة المدى، فتشمل الضرر النفسي الجسيم بالأشخاص المتضررين، لذا على الأطراف المتحاربة تجنب استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة".

وقبل وقف إطلاق النار في مارس 2020، استعادت القوات الحكومية سيطرتها على ما يقارب نصف الأراضي في إدلب وما حولها، بما في ذلك مئات البلدات والقرى المهجورة.

منذ ذلك الحين، عاد بعض الأشخاص إلى المناطق التي لا تزال تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة حيث وجدوا بنية تحتية مدمرة وإمكانية محدودة للحصول على الغذاء، والمياه، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم، عوضاً عن أزمة تفشي فيروس كورونا ضمن نظام رعاية صحية مدمر، ما زاد الخطر على المدنيين.

لعبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون دورا أساسيا في دفع تركيا، وروسيا، وسوريا إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار، لكن أي استئناف للقتال سيعرض المدنيين لهجمات متجددة بالأسلحة المتفجرة وخطر إضافي بسبب فيروس كورونا، حسب "هيومن رايتس".

وتقول المنظمة الدولية ومقرها في مدينة نيويورك الأميركية، إن الأوضاع القائمة حالياً قد "تؤدي إلى نزوح جماعي مع عواقب إنسانية كارثية، فالنازحون قد يسعون إلى عبور حدود سوريا الشمالية، إلا أن القوات التركية صدت سابقا طالبي اللجوء، وأطلقت النار عليهم، وأعادتهم قسراً".

ويُلزم القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، جميع الأطراف المتحاربة بتوجيه هجماتها على أهداف عسكرية وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين أو الأعيان المدنية، وعدم تنفيذ هجمات تتسبب في أضرار مدنية عشوائية أو غير متناسبة، كما يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان السكان، بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي يحمي الحق في الصحة، والتعليم، ومستوى معيشي لائق.

ونظرا إلى "الطريق المسدود في مجلس الأمن" حسب تعبير "هيومن رايتس"  على الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة تبني قرار أو بيان يدعو دولها الأعضاء إلى فرض عقوبات محددة الهدف على القادة العسكريين والمدنيين الضالعين بشكل موثوق في جرائم الحرب والجرائم المحتملة ضد الإنسانية والتجاوزات الخطيرة الأخرى.

كما دعت المنظمة الحكومات المعنية إلى متابعة القضايا الجنائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية وفرض عقوبات محددة الهدف من جانب واحد ضد القادة والمسؤولين المتورطين في جرائم حرب، بما يشمل مسؤولية القيادة.

 

والحل؟

وتطرح "هيومن رايتس" طريقة لمعالجة الوضع الإنساني في محافظة إدلب ومحيطها، لا سيما خلال أزمة جائحة كوفيد-19.

تقول "على مجلس الأمن إعادة التصريح بتسليم المساعدات عبر الحدود من خلال جميع المعابر الحدودية الثلاثة المصرح بها سابقا في الشمال الغربي والشمال الشرقي. وإذا ثبت أن مجلس الأمن غير قادر على إعادة ترخيص عمليات التسليم عبر الحدود بسبب تهديد روسيا باستخدام حق النقض، فعلى الجمعية العامة إصدار قرار لدعم استمرار الأمم المتحدة في عمليات التسليم عبر الحدود إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية".

وأكد مدير المنظمة كينيث روث "يجب أن تتضافر الجهود الدولية لإثبات أن الهجمات غير القانونية لها عواقب، وردع الهجمات المستقبلية، وإظهار أنه لا يمكن لأي أحد الإفلات من المساءلة عن الجرائم الجسيمة بسبب رتبته أو منصبه. فطالما استمر الإفلات من العقاب، سيستمر كذلك شبح تجدد الهجمات غير القانونية والخسائر البشرية المدمرة".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".