سوريا

كان "مصدر الفتاوى".. هيئة تحرير الشام تشن هجوما على المقدسي

محمد ناموس
19 أكتوبر 2020

أصدر المجلس الشرعي العام لهيئة تحرير الشام بيانًا أوضح فيه موقف "الهيئة" من الشيخ عاصم البرقاوي، الملقب بـ"أبو محمد المقدسي"، سبقه جدال طويل بين أنصار المقدسي وأنصار تحرير الشام، على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرته الهيئة في بيانها أنه من الشخصيات التي كان لها أثرها السيء في سوريا.

ويُعتبر المقدسي أحد مرجعيات الجهاديين حول العالم، وكانت الهيئة تعتبره مرجعية دينية رئيسية لها وكانت تدرّس مناهجه وكتبه في صفوفها، كما درّست في معسكراتها كتبه في التوحيد والعقيدة والتحذير من الغلو.

 

وسجلت الهيئة ملاحظاتها حول المقدسي في البيان المنشور خلال أكتوبر الحالي وتمثّلت في " إثارته للفتن في الساحات الجهادية، سواء في أفغانستان أو العراق، وإطلاقه عبارات التكفير والعمالة والخيانة، وانحيازه لجماعة الخوارج (تنظيم داعش)، والفجور في الخصومة وعدم مراعاة فقه الخلاف ولا أدبه".

وجاء في البيان "ليس منا ولسنا منه، ولا على طريقته، ونفرق بين منهجه البدعي في التوحيد، وبين منهج التوحيد الذي تلقيناه عن أهل العلم سلفا وخلفا، نبرأ إلى الله من منهج المقدسي وسلوكه".

وردّ المقدسي عبر قناته على تليغرام بمنشور قال فيه "ثبت لدينا ظلم وظلمات أمني هيئة تحرير الشام، بل وتعاونهم مع الاستخبارات التركية في تفاصيل تحقيقاتهم مع المسلمين، من أعان الاستخبارات التركية على المسلمين، فقد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المعروفة".

وبررت "هتش" أي هيئة تحرير الشام بيانها بأنه توضيح لموقفها منه، "وواجب للدفاع عن الأمة، بعد تدخل أشخاص من خارج الحدود، أدت فتاواهم إلى تمزيق الممزق وزيادة الشرخ"، حسب تعبيرها.

في المقابل، ذكر ناشطون على مقربة من المقدسي، أن معظم من يطعنون بماضيه اليوم، كانوا يعرفون تلك الأحداث التي جرت سابقًا ومطلعين عليها، ومع ذلك قدموه كمرجعية لهم.

 

إرث القاعدة الثقيل

الباحث المتخصص في الفكر الإسلامي وشؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، استعرض في حديثه مع "ارفع صوتك" العلاقة بين "تحرير الشام" والمقدسي، وأشار إلى أن المقدسي شكّل أهم مرجعية لـ"تحرير الشام" عندما كانت تحت مسمى "جبهة النصرة"، حيث كان التنظيم يوظف فتاوى المقدسي في حشد عناصره وخصوصا أصحاب الفكر المتشدد لقتال فصائل المعارضة.

وأوضح أن التنظيم استفاد أيضا من فتوى المقدسي بعدم شرعية إعلان "دولة الإسلام في العراق والشام"، وإعلان التأييد لـ"جبهة النصرة" عندما كانت مبايعة لـ"القاعدة" في حينها"، بحسب تعبيره.

وغالبا ما تحدث خلافات وانشقاقات داخل التنظيمات المتطرفة وخلافات بين تنظيمات وأخرى.

وأضاف الباحث شريفة "في ذلك الوقت كانت هناك منفعة متبادلة لكليهما من التحالف، حيث وجد تنظيم تحرير الشام في المقدسي مرجعية ذات تأثير كبير لتغذيته بالفتاوى والمبررات الشرعية  للقضاء على فصائل المعارضة منها حركة حزم، وجبهة ثوار سوريا، والفرقة ١٣، وبقي الأمر هكذا".

وتابع شريفة: "إلى أن تم الإعلان عن جبهة فتح الشام، التي كانت أولى مؤشرات الفرقة وفك الارتباط التنظيمي بين تحرير الشام والقاعدة، وهنا كان موقف  المقدسي مؤيدا لـ تحرير الشام في فك ارتباطه بالقاعدة، لكنه سرعان ما انقلب على التنظيم، بسبب الخلافات بين زعيمه أبو محمد الجولاني، وبين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، على خلفية فك الارتباط بينهما عام 2016، حيث خرج الظواهري بخطاب أعلن فيه عدم شرعية الخطوة التي قام بها الجولاني واصفا إياه بالناكث بالعهود".

وبحسب الباحث، فإن "الأمر تطور بعد تنسيق النصرة مع الجيش التركي ليتحول خطاب المقدسي إلى مفاصلة تامة مع تحرير الشام وصف فيها فعلهم بالناقض من نواقض الاسلام وتكفيره لها بعد الاتهام بالتحالف مع تركيا وحلف الناتو، مما استفز  تحرير الشام جدا، وكان لا بد من الرد عليه، كنوع من التعبير عن المفاصلة مع المقدسي ووصفه بمثير الفتن وشيخ الدواعش وناشر فكر الغلو والتشدد".

ويرى شريفة أنه ورغم استخدام هيئة تحرير الشام لفتاوى المقدسي سابقاً، إلا أن التنظيم يتجه اليوم للتخلص من "إرث القاعدة الثقيل"، وخصوصا أن حديث المقدسي يشكل تهديدا له، حيث يعطي حديثه "الشحن العقدي للتنظيمات المتشددة بضربها وتحول الصراع معها إلى قتال لمجموعة مرتدة وليست مجرد تنظيم يمارس الظلم والبغي، ولذلك وُصف المقدسي بمثير الفتن"، وفق تعبيره.

وكانت هيئة تحرير الشام أعلنت عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، في كانون الثاني عام 2016، وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، وفي كانون الثاني 2017، أُعلن عن تشكيل هيئة تحرير الشام بعد اندماجها مع جبهة "أنصار الدين" و"جيش السنة" و"لواء الحق" وحركة "نور الدين الزنكي".

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".