أثناء توزيع الكتب في إحدى مدارس العاصمة السورية دمشق، 2020
أثناء توزيع الكتب في إحدى مدارس العاصمة السورية دمشق، 2020

مع بداية العام الدراسي الجديد في سوريا، بدأت مديرية التربية بدمشق بتوزيع الكتب المدرسية على الطلبة، ولكن المفاجأة التي صدمت عديد الطلبة وذويهم، كانت بتوزيع كتب مدرسية مستعملة تتضمن حلولاً للأسئلة، ككتب الرياضيات واللغتين العربية والإنجليزية.

واشتكى عدد من أهالي الطلبة هذا الأمر، ما اضطرهم لشراء كتب جديدة من المستودعات المدرسية.

يؤكد أبو ممدوح، وهو أب طالب مدرسي في دمشق، أن العدد الأكبر من الطلبة حصل على كتب مستعملة، بينما قلة منهم حصلت على كتب جديدة.

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "كيف سيتعلم طلابنا وخاصة طلاب المراحل الابتدائية إذا كانت مناهجهم محلولة ولم يقوموا بممارسة الكتابة بأيديهم وخاصة في هذه المرحلة من عمرهم".

من جهته، أوضح مدير مطبوعات دمشق قصي هوارة، في مقابلة مع  صحيفة "تشرين" المحلية، أن "عدم إمكانية تأمين كتب جديدة لجميع الصفوف من الأول للتاسع هذا العام، يعود لأسباب مرتبطة بالمواد الأولية التي زادت أسعارها بشكل كبير جداً، حيث كان سعر طن الورق نحو 45 ألف ليرة، في حين  أصبح سعره حوالي 2.5 مليون ليرة، ومنها ما يتعلق بالحصار الجائر المفروض على سوريا، إضافة للحظر الذي حصل بسبب جائحة كورونا".

وقال هواره "سيتم توزيع نحو 50% فقط من الكتب جديدة للصفوف من الأول للثالث، بينما الـ 50% الأخرى ستكون قديمة، ويفترض أن تكون موجودة بالمدارس ولم تتصرف بها الإدارة".

"كما سيتم توزيع 75% من الكتب جديدة من الصف الرابع حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي والبقية من الكتب ستكون مستعملة وهي موجودة في مستودعات المدارس" حسب هوارة.

في نفس السياق، تقول أم وليد، ولديها طفلان في الصف الخامس الابتدائي، إنها اضطرت لشراء الكتب من خارج المدرسة كي لا يتكاسل ابناها عن الدراسة عند الحصول على الكتب المستعملة.

وتضيف لـ"ارفع صوتك": "ابني من الأطفال المجتهدين جداً في المدرسة وكل عام يحصل على الدرجة الأولى بين الطلاب، إلا أن وجود كتب محلولة أمامه سيبعث في داخله الكسل من البحث عن الحل والعمل على التفكير، لذلك اضطررت لشراء كتب جديدة له ولأخيه وطبعاً ثمنها مرتفع جداً هذه الأيام".

"تطلب منا إدارة المدرسة أن نقوم بمحو الحلول الموجودة على الكتب، ولكن الكتب أصلاً مهترئة وإذا قمنا بالمحو يمكن أن تتلف أكثر، وهل يعقل أن أضيع وقتي في محو كل الكتب الدراسية لطفليّ، هل هذا الكلام منطقي؟! لا أريد أن تتدمر قدرة أطفالي على الإبداع والتفكير" تتابع أم وليد من دمشق.

بدوره، قال مدير تربية دمشق سليمان اليونس، إن المشاكل في العملية التعليمية سببها العقوبات المفروضة على سوريا.

وأشار في في تصريح صحافي نقلته وكالة "سانا" السورية، إلى أن "الحصار الاقتصادي الجائر والإجراءات القسرية أحادية الجانب على سوريا كان لها تأثيرها على القطاع التربوي، حيث واجهت طباعة الكتب المدرسية العديد من المعوقات".

وأوضح اليونس أن مدارس دمشق وزعت في البداية نصف كمية الكتب المدرسية للعام الحالي بنسخ جديدة، والنصف الآخر كان من الكتب المستعملة المدوّرة من السنوات الماضية، وذلك لتكون الكتب بحوزة جميع الطلاب، لافتاً إلى إمكانية استبدال عدد من الكتب المستعملة أو المهترئة.

وارتفعت أسعار الكتب المدرسية هذا العام ترافقاً مع ارتفاع أسعار جميع المواد وتدهور سعر العملة المحلية في سوريا بشكل عام.

وقال مدير المؤسسة العامة للطباعة في وزارة التربية زهير سليمان منتصف يوليو الماضي، إن "أسعار الكتب المدرسية ارتفعت إلى الضعف عن العام الماضي".

وبيّن سليمان أن سعر نسخة الكتب المدرسية كان العام الماضي 7000 ليرة سورية، أما في العام الحالي فوصل سعر النسخة إلى 12 ألف ليرة.

ومن دمشق إلى إدلب، حيث الوضع التعليمي "أسوأ مما كان عليه سابقاً".

وقالت مديرية تربية إدلب إن مجموع أعداد الطلبة المحتاجين للكتب في المحافظة يبلغ نحو 450 ألف طالب من الصف الأول حتى الثالث الثانوي العلمي والأدبي، ولا تملك المديرية تقديم أي نسخ جديدة لهم.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".