سوريا

"أخيراً .. حصلت على أغلى جواز سفر في العالم"

محمد ناموس
26 نوفمبر 2020

"بعد انتظار طويل، حصلت على أغلى جواز سفر في العالم، بعد انتظاري لأربعة شهور من تقديم المعاملة"، يسخر مصطفى الحمصي من طريقة حصوله على جواز سفره السوري، وهو صالح للاستخدام عامين فقط.

ودفع مصطفى تكاليف وصفها بـ"الباهظة" للحصول عليه، يقول لـ"ارفع صوتك": "دفعت ما يقارب 1100 دولار للحصول على جواز السفر. لا أعتقد أن هناك جواز سفر لدولة أخرى يمكن أن تصل تكلفته إلى هذا الحد".

"وأنا مثل آلاف السوريين غيري، مضطر لتجديد جواز سفري، حيث أنني لا أستطيع تجديد إقامتي في تركيا في حال لم يكن لدي جواز سفر ساري المفعول، كما أنني أعزب، ولو كانت لدي عائلة سأقوم بدفع مبالغ أكبر من ذلك بكثير لتجديد الجوازات" يوضح مصطفى.

وتُشكّل التكلفة المرتفعة لجواز السفر السوري عائقاً أمام السوريين، إذ يصنف ضمن أغلى جوازات السفر حول العالم، رغم ضعفه وندرة الدول التي تسمح بدخول حامله دون تأشيرة.

وتبلغ تكلفته نحو 800 دولار للاستصدار المستعجل، و300 دولار ضمن نظام الدور العادي، إذ نشرت وزارة الخارجية والمغتربين قيمة الرسوم المفروضة عبر موقعها الإلكتروني.

ويعاني ملايين السوريين اللاجئين من مشكلة تجديد جوازات سفرهم، وخاصة الشباب الذين لا يحق لهم تجديد جواز السفر سوى عامين فقط، كما يشكون من السعر الباهظ للحصول على جواز السفر، والفترة الطويلة التي يتوجب عليهم انتظارها وقد تصل أحياناً لستة أشهر ولا تقل عن ثلاثة أشهر، وفي حال كان يرغب بالحصول على جواز سفر "مستعجل"، كما أطلقت عليه دائرة الهجرة في سوريا، فيتوجب عليه دفع مبلغ الضعف عن المبلغ الذي يتوجب عليه دفعه.

وللقنصلية السورية في إسطنبول خصوصية أكبر؛ لأن عدد السوريين في تركيا أكبر من أي بلد آخر حول العالم، ما يؤدي للازدحام الشديد، ويجبرهم ذلك على الدفع للسماسرة للحصول على موعد في القنصلية.

ودفع مصطفى ما يصل لـ400 دولار لحجز الموعد فقط، و300 دولار للحصول على الجواز، و400 دولار تكاليف سفر إلى إسطنبول والعودة منها مرتين للحصول على جواز سفره.

ونظراً للخصوصية التي يعاني منها السوريون في تركيا، طرحت إدارة الهجرة في إسطنبول قرارًا يقضي بمنح "الإقامة الإنسانية" للسوريين الذين يحملون "الإقامة السياحية"، وذلك بعد اجتماع عقدته إدارة الهجرة مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني السوري، إلا أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ بعد.

وسيعفي هذا القرار -حال تطبيقه- السوريين الذين انتهت صلاحية جوازات سفرهم من تجديدها في القنصلية السورية في إسطنبول، ما قد يحرم النظام السوري من عائدات التجديد التي يتقاضاها بالعملة الأجنبية.

وكانت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري أعلنت عن حجم المبالغ التي تم استيفاؤها من استصدار وتجديد جوازات السوريين في الخارج، خلال العام الجاري 2020.

وقال وزير الداخلية محمد رحمون خلال جلسة مجلس الشعب الأسبوع الفائت، إن حكومة النظام حصّلت أكثر من 21.5 مليون دولار أميركي من جوازات سفر المغتربين السوريين،  وبلغ عددها 67 ألف جواز على نظام الدور و1769 جواز على نظام المستعجل.

في حين بلغت الواردات من جوازات السفر التي تم استصدارها وتجديدها داخل سورية أكثر من 3.3 مليارات ليرة سورية، هذا العام، وبلغ عددها 143 ألف جواز ضمن نظام الدور، وأكثر من 75 ألفاً ضمن نظام المستعجل.

وبحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر بداية عام 2019، يستخدم النظام السوري ورقة جوازات السفر "كوسيلة لتمويل آلة الحرب جراء الرسوم العالية التي يفرضها عند تجديد الجواز،".

ووصفت الشبكة جواز السفر السوري بأنه  "رابع أسوأ جواز سفر في العالم وأغلى جواز في ذات الوقت".

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".