سوريا

ضحايا جدد يوميا.. "مسلخ صيدنايا" مقبرة لمعتقلي النظام السوري

01 ديسمبر 2020

لا تزال أنباء مقتل معتقلين تحت التعذيب في سجون النظام السوري تتوالى يوما بعد يوم، لاسيما تلك القادمة من سجن صيدنايا الذي باتت تصفه منظمات حقوقية بأنه أخطر معتقل للتعذيب والقتل في البلاد.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، الإثنين، أن شابا من قرية الغارية الشرقية بريف درعا قد قضى تحت وطأة التعذيب في سجن صيدنايا بعد اعتقال استمر أكثر من عامين.

وأوضح المرصد أن عدد الذين قتلوا في المعتقلات جراء التعذيب أو الظروف الكارثية وغير الصحية للمعتقلات وصل إلى أكثر من 104 آلاف شخص.

وأشار إلى أن  83 بالمئة من الضحايا قد جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين مايو 2013 وأكتوبر من العام 2015.

مقتل عشرات آلاف في "المسلخ البشري"

ونقل المرصد عن "مصادر موثوقة" أن ما يزيد عن 30 ألف معتقل قد قتلوا في سجن صيدنايا الذي بات يعرف باسم "المسلخ البشري"  ليحتل المرتبة الأولى في هذا المضمار على صعيد معتقلات النظام السوري، متقدما على سجون إدارة المخابرات الجوية.

يقع سجن صيدنايا العسكري على بعد 30 كيلومترا، شمالي  العاصمة دمشق ويضخ لوزراة الدفاع التابعة للنظام السوري حيث تشرف عليه الشرطة العسكرية

واكتسب سجن صيدنايا العسكري سمعة سيئة بسبب استخدام التعذيب والقوة المفرطة إثر أعمال شغب قام بها بعض نزلاء السجن في العام 2008 مما أدى إلى مقتل العشرات منهم.

 ويكون سجن صيدنايا العسكري من مبنيين، ويمكن أن يستوعبا فيما بينهما نحو ألفي سجين، ولكنه بعد انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في العام 2011 بات يكتظ بعشرات آلاف في ظروف غير إنسانية.

وقالت منظمة العفو الدولية  إنها تحدثت إلى بعض الناجين من سجن صيدنايا العسكري إذ قالوا بأن عمليات الضرب تتم بشكل ممنهج ويومي، ويتعرض السجناء إلى ظروف لا تليق بالبشر، ومعاملة مهينة، إضافة إلى موت سجناء آخرين، ناهيك عن حرمان الكثير منهم من الطعام والماء لمدد طويلة.

شهادات مفجعة

وقد أطلقت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا كتابا جديدا بعنوان "سجن صيدنايا خلال الثورة السورية" وثق شهادات مفجعة ومؤلمة لمعتقلين سابقين، إذ ذكر أحدهم أن السجانين كانوا يجبرون بعض المعتقلين على قتل زملائهم الأضعف مقابل الإبقاء على حياتهم، وتقديم بعض الطعام الإضافي لهم

وقال أحد مؤسسي رابطة معتقلي سجن صيدنايا، دياب سرية، في تصريحات صحفية سابقة لموقع "ارفع صوتك":  "العام الماضي (2019) أخرجنا تقريرا كبير اجداً ويعتبر من أهم التقارير التي خرجت بالإضافة لتقرير منظمة العفو الدولية المسلخ البشري، ويعتبر هذان التقريران أهم تقريرين عن سجن صيدنايا من حيث المنهجية، ونحن الجهة الوحيدة حاليا التي تجمع بيانات عن السجن وتركز على السجن وأهدافنا طويلة الأمد، أهمها  فتح تحقيق لما يحدث هناك وخلق روابط وتعاون وتضامن بين المعتقلين السابقين والناجين من هذا السجن والناجين بين بعضهم، ونحقق تقدما في هذا المجال".

وتابع "ونقدم للناجين خدمات دعم نفسي للناجين من السجن أو أي شخص آخر تعرض للتعذيب بالتعاون مع مركز ضحايا التعذيب في أميركا بالإضافة لبعض الخدمات الصحية".

وقد حدد تقرير سابق لرابطة المعتقلين نحو 20 وسيلة للتعذيب الجسدي في سجن صيدنايا، كان أشهرها الضرب بالعصا، ثم الضرب بالسوط، ثم الدولاب (حشر الجسم داخل إطار سيارة)، ثم الحرمان من الطعام والشراب، والدهس بالأقدام، والصعق الكهربائي.

كما حدد التقرير 24 وسيلة للتعذيب النفسي، من بينها تغطية الأعين، وإهانة المقدسات الدينية، والإيحاء بالإعدام أو القتل، والإهانة اللفظية وشتم الأعراض، والحبس الانفرادي، والتهديد باعتقال الأهل، والتعرية، والحرمان من النوم، والإجبار على مشاهدة شخص آخر يتم تعذيبه.

وتحدث التقرير أيضا عن 8 وسائل للتعذيب الجنسي، من بينها ضرب الأعضاء التناسلية حيث وصلت النسبة في عينة الرابطة إلى 81.4 بالمئة، فيما تعرض ثلث العينة لإيذاء في الأعضاء الجنسية أو المناطق الحساسة من الجسم بطرق أخرى مختلفة.

عندما "تمشي" الأم فوق جثة ابنها

وعن خصوصية معتقل صيديانا العسكري، قالت سيما نصار، الناشطة الحقوقية السورية والمعتقلة السابقة، لموقع "الحرة"  مجرد فكرة الدخول إلى ذلك السجن مرعبة لأن المعتقلين يلجأون إليه بعد الانتهاء من كافة مراحل التحقيق التي من المفترض أن تكون تضمنت عمليات تعذيب قاسية.

وأضافت: "وبالتالي فإن أي تعذيب يحدث في ذلك السجن ليس غايته انتزاع اعترافات، ولعل ما هو مرعب في الموضوع أيضا أن هذا السجن يعد مركزا لتنفيذ أحكام إعدام، والمرعب أكثر أن السجناء لا يعرفون أنهم محكوم عليهم بالإعدام أم لا وبالتالي فإنهم يعيشون لحظات الهلع والموت في كل مرة يفتح فيها السجان باب الزنزانة".

وأشارت نصار إلى أن الأشخاص الذين يخضعون لما يسمى "محكمة الميدان العسكرية" لا يعرفون شيئا عن قضاياهم ولا يعلمون بالأساس إذا صدر عليهم أحكام أم لا. 

ومن الأمور القاسية التي يعاني منها نزلاء ذلك المعتقل هو الزيارات، فهي مسموحة في أضيق الحدود، وقد يضطر أهالي المعتقل إلى دفع مبالغ طائلة لرؤية أبنائهم، ولكن الصعب فيها، بحسب نصار،  أن المعتقلين الخاضعين لمحكمة الميدان العسكرية وهي محكمة مجحفة واستثنائية، لايستطيع أهاليهم زيارتهم إلى أن يصدر الحكم عليهم.

وتتابع نصار: "صدور الحكم قد يأخذفترة طويلة، وربما يعدم المعتقل قبل أن يستطيع رؤية أهله، وأحيانا يأتي أقارب السجين لزيارته ليتفاجئوا بحصولهم على شهادة وفاة ابنهم دون إنذار مسبق بقتله.

وعن المؤلم أكثر من ناحية إنسانية أن الغرفة التي تجري فيها عمليات الإعدام تقع تحت غرفة الزيارة مباشرة، وكأنهم بذلك يجبرون الأم على أن تمشي فوق جثة ابنها دون أن تدري.

الحرة / خاص - دبي

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".