سوريا

هيومن رايتس: ضرائب الشعب الروسي قذائف على السوريين المدنيين

محمد ناموس
23 ديسمبر 2020

احتفل الجيش الروسي بالذكرى الخامسة لتدخله في سوريا في 30 سبتمبر الماضي، بعد أن خلّف تدخله سيطرة عسكرية واسعة لقوات النظام على سوريا، ودماراً هائلاً في شتّى المدن السورية، وآلاف الضحايا المدنيين منذ خمس سنوات حتى اليوم. 

وفي هذا الصدد، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية ومقرها نيويورك الأميركية، تقريراً، أشارت فيه إلى أن الانتهاكات المدمرة لآلاف السوريين بسبب القصف الروسي "لا تُعد ولا تُحصى"، وأن التدخل الروسي "اتسم بالقصف العشوائي للمدارس والمستشفيات والأسواق، والبنية التحتية المدنية الضرورية لبقاء المجتمع"، وأن دافعي الضرائب الروس "لا يدركون أنهم يمولون هذه الانتهاكات". 

ومع دخول روسيا لسوريا عامها السادس، ما زالت البلاد تتأثر بالتداعيات البشرية والاقتصادية لجائحة كوفيد-19، بالإضافة للأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون، وما زالت الغارات الجوية الروسية تقصف مدن ريف إدلب رغم الاتفاق الموقع بينها وبين تركيا لوقف إطلاق النار. 

وقالت المنظمة في تقريرها مشيرة إلى الضرائب التي يدفعها الروس: "روبلاتهم الضريبية تُستخدم في قصف المدارس والمستشفيات في سوريا". 

ونقلت "هيومن رايتس" شهادة معلمة في إحدى مدارس إدلب، وصفت كيف أطلق التحالف العسكري السوري الروسي صاروخا أصاب محيط مدرسة "خالد بشير حلبية" الابتدائية، في الخامس من يناير 2020.

وقالت المعلمة إنها عندما خرجت مسرعة من المدرسة مع طلابها، "كانوا جميعاً يصرخون باسمي من الخوف، لكنني مثلهم، كنت عاجزة، لم يكن هناك شيء يمكنني القيام به من أجلهم"، وتسببت الغارة وقتها بقتل 13 مدنيا وجرح 25 آخرين. 

ما لم تفهمه المعلمة، هو سبب إطلاق التحالف العسكري السوري الروسي صاروخًا على مدرستها لعدم وجود مقاتلين أو قواعد عسكرية في المنطقة. 

وقال مسؤولون سوريون وروس وقتها إن هجماتهم في إدلب تستهدف الإرهابيين. 

لكن منظمة "هيومن رايتس" قالت إن المقابلات التي أجرتها مع أكثر من 100 ضحية وشاهد، وتحليلها لعشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 55 مقطع فيديو، لم يظهر أي دليل على وجود مقاتلين أو أهداف عسكرية في محيط هذا الهجوم أو أي من الهجمات الـ 45 الأخرى التي وثقتها. 

وفي هذا الصدد قالت المنظمة إن ما يحدث كان متعمداً من قبل القوات الروسية، وتابعت أن "هذه الهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية في المناطق المأهولة بالسكان، كانت متعمدة، وربما كان الهدف هو حرمان المدنيين من وسائل إعالة أنفسهم وإجبارهم على الفرار". 

وأشارت إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا تضمن "نشر طائرات هجومية ونقل وطائرات استطلاع من دون طيار وأفراد من القوات المسلحة، بما في ذلك المستشارون العسكريون، والمراقبون الجويون الذين ساعدوا في تنسيق وتوجيه الضربات الجوية والقوات الخاصة والشرطة العسكرية". 

ودعمت القوات الروسية نظيرتها السورية بضربات جوية، وقدمت دعمًا جويًا وثيقًا للوحدات السورية خلال العمليات البرية، بالإضافة إلى التدريب والمشورة بشأن التكتيكات وعمليات التخطيط. 

وكشفت "هيومن رايتس" أنه في حالة واحدة على الأقل، قاد ضابط روسي مؤقتًا فيلقا كاملا من الجيش السوري. وشمل تنسيق هذا الدعم أعلى مستويات الجيش الروسي ووزارة الدفاع والرئيس فلاديمير بوتين. 

وفي الأشهر الستة الأولى فقط من التدخل الروسي في سوريا، قال بوتين إن الحرب كلفت البلاد حوالي 33 مليار روبل (نحو نصف مليار دولار أميركي). 

بينما قدّرت دراسة أخرى أن تكلفة العمليات تراوحت بين 2.4 و4 ملايين دولار في اليوم، مع مراعاة تكاليف الطلعات، والضربات الجوية، والأفراد، وإمداد القواعد الجوية الروسية. 

وفي تحليل لمؤسسة "RBK"، وهي مؤسسة مالية للإحصاء، أن كل غارة جوية بلغت تكلفتها ما يصل إلى 5.5 مليون روبل، وبالنظر إلى العدد الكبير من الطلعات الجوية والغارات التي نفذتها القوات الروسية، خلص تحليل RBK إلى أن روسيا أنفقت أكثر من مليار روبل أسبوعيًا على الضربات الجوية وحدها. 

وفي دراسة حديثة أُخرى، كلفت الحرب في سوريا، روسيا ما يصل إلى 245 مليار روبل من سبتمبر 2015 إلى مارس 2018، وبلغ مجموع ما أنفقته موسكو على الضربات الجوية والصاروخية وحدها 209 مليارات روبل.

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".