سوريا

استعادت فرنسا 7.. 200 طفل لجهاديين بين الفصل عن أمهاتهم و"خطر النسيان"

17 يناير 2021

يمضي ابن شقيقة مريم البالغ خمسة أعوام شتاءه الثالث في مخيم روج شمال شرق سوريا، مثل حوالي 200 فتى وفتاة فرنسيين محتجزين في هذا المخيم، تحت ظروف صحية كارثية منذ سقوط تنظيم داعش.

واستعادت فرنسا سبعة أطفال متحدرين من مقاتلين في التنظيم هذا الأسبوع. إلا أن وضع المتبقين في سوريا، يثير قلق عائلاتهم في فرنسا التي تواجه صعوبات للحفاظ على التواصل معهم.

وتقول مريم (اسم مستعار) "لدينا فعلاً شعور بأنه يتم القيام بكل شيء كي ينسى هؤلاء الأطفال عائلاتهم وكي يصبحوا لا يعرفونها".

وتضيف لوكالة فرانس برس "حتى العلاقة السرية الضعيفة التي أقمتها مع ابن شقيقتي تزول".

في المخيمات، أصبح الوصول إلى الهاتف نادراً جداً. في السابق، كان بامكان الأمهات المحتجزات الحصول على هواتف محمولة لإرسال صور ورسائل. لكن حالياً، أصبحن مرغمات على اللجوء إلى هاتف المخيم الذي يخضع لرقابة الحراس الأكراد.

ويقول ألبر "لم أتلقَ أخبارا عن ابنتي من يونيو إلى سبتمبر". وقبل عيد الميلاد، اضطر هذا الوالد لامرأة محتجزة والجدّ إلى الاكتفاء "برسالة صوتية لا تتجاوز دقيقة بمعدّل مرة كل 15 يوماً".

وتعيش باسكال ديكان الوضع نفسه وهي تتلقى رسائل "مرة كل أسبوع" من ابنتها البالغة 32 عاماً التي تعاني بحسب أقربائها، ورما في القولون، وأحفادها الأربعة الذين تراوح أعمارهم بين عامين و11 عاماً.

 

"ظروف غير إنسانية" 

تقول مريم إن قلق العائلات بحجم "الصدمات التي تتعمق أكثر فأكثر" لدى عدد كبير من الأطفال.

وتشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقدم المساعدات في مخيمي الهول وروج، إلى أن الأطفال الأكبر سناً تعرضوا لعنف شديد عندما كان أهلهم يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. ومذاك، يعاني كثرٌ منهم سوء تغذية - 13% منهم دون خمسة أعوام في مخيم الهول - أو أمراضا شديدة في الجهاز التنفسي في الشتاء.

وأكدت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة في إشعار نُشر في تشرين الثاني/نوفمبر، أن هؤلاء الأطفال المحتجزين في "ظروف صحية غير إنسانية" و"المعزولين في خيم" حيث يفتقرون إلى مواد غذائية "أساسية"، معرضون لخطر "فوري".

وتحدثت اللجنة عن "مخاطر أضرار لا يمكن إصلاحها، في حياتهم واندماجهم الجسدي والعقلي ونموّهم".

بدورها، أكدت الأمم المتحدة أن لدى فرنسا "القدرة والصلاحية لحماية حقوق هؤلاء الأطفال، عبر إعادتهم أو عبر اتخاذ تدابير أخرى" لحمايتهم. إلا أن باريس لم تستعد منذ مارس 2019 سوى 35 طفلاً، هم أيتام أو وافقت أمهاتهم على الانفصال عنهم.

في هذا السياق، تُطرح هنا مسألة الحفاظ على الروابط بالنسبة للفرنسيات النادرات اللواتي وافقن على ترك أطفالهنّ يغادرون.

وتؤكد مريم "في البداية كانت الأمهات يتلقين أخباراً عن أطفالهنّ الذين بدورهم يتلقون أخباراً عن أمهاتهم. وكانوا يتمكنون حتى من تبادل رسائل صوتية ومقاطع فيديو".

 

"ضغينة وريبة" 

أحد أقاليم منطقة إيل-دو-فرانس على الأقل قرر وقف هذه المحادثات، بحسب العائلات.

وتروي مريم "قرروا أن التواصل بات يجب أن يمرّ عبر الصليب الأحمر". وتضيف "أختي وابن أختي موجودان في المخيم منذ عامين... ولم ينجح الصليب الأحمر بعد في إقامة هذه الصلة. يا لها من طريقة قبيحة لقطع الرابط بين هؤلاء الأطفال وأمهاتهم".

وقامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تشرين أكتوبر بعملية "جمع رسائل" في مخيم روج من آلاف النساء المحتجزات من كافة الجنسيات، بحسب متحدثة باسم اللجنة لوسيل ماربو. وأوضحت ماربو "أننا نقدم هذه الخدمة لأولئك الذين ليس لديهم بديل آخر".

وتقول مريم "تخيلوا أن طفلاً لم يعرف سوى والدته خلال سنوات من المعاناة وفي ليلة وضحاها لم يعد يعرف عنها أي خبر. لا يعرف حتى ما إذا كانت على قيد الحياة أم لا". وتسأل "كيف يمكن لهذا الطفل أن يعيد بناء نفسه بشكل طبيعي من دون صدمات وضغينة وريبة".

ويوضح أقرباء محتجزات ومحامون أن الأمهات بتن أقلّ ميلاً للانفصال عن أطفالهنّ، إذ إنهنّ مقتنعات بأنهنّ سيفقدنهم.

وخلال عملية استعادة عدد من الأطفال هذا الأسبوع، تراجع بعضهنّ في اللحظة الأخيرة عن الانفصال عن أطفالهنّ كما حصل في يونيو الماضي.

 

"غثيان" 

تقول المحامية ماري دوزيه "فرنسا تتفاخر بسلخ سبعة أطفال من أحضان أمهاتهم وبفصل أشقاء بعضهم عن بعض، تاركةً خلفها مئتي طفل معرضين لخطر الموت. يا للعار!".

في ديسمبر، حاولت هذه المحامية التي تدافع عن عدة فرنسيات محتجزات، التوجه إلى مخيم روج مع زميلها لودوفيك ريفيير إلا أنها تراجعت عن الأمر بعد أن تمّت عرقلتها على الحدود.

وتضيف دوزيه "ينبغي على بعض الأطفال الذين عادوا إلى فرنسا أن يعيشوا يومياً مع صورة أمهاتهم وأشقائهم وشقيقاتهم الصغار الذين يعانون تحت الخيمة التي كانوا يتشاركونها معهم. بعضهم لم يعد لديهم أي خبر عن أمهاتهم وإخوتهم الذين ظلوا في المخيم ويجهلون حتى ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة".

وتعتبر أن "عمليات الاستعادة البطيئة هذه تثير الغثيان".

وحاولت وكالة فرانس برس التواصل مع وزارة الخارجية الفرنسية وإقليم إيفلين نقطة وصول الأطفال من سوريا الذين يحطون في قاعدة فيلاكوبلاي، إلا أنهما لم يرغبا في التعليق.

وتنتهج الخارجية الفرنسية منذ سنوات سياسة إعادة أطفال عبر النظر في كل حالة على حدة وتعتبر أن البالغين يجب أن يخضعوا للمحاكمة في مكان وجودهم.

في فبراير 2020، وافقت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للمرة الأولى على النظر في دعوى مرفوعة ضد فرنسا بسبب رفضها إعادة أبناء جهاديين. ويُرتقب صدور قرار المحكمة هذا العام.

ويحذّر المحامي إيمانويل داود وهو وكيل الدفاع عن نساء عديدات، من أن "ترك المواطنين الفرنسيين الجهاديين وأطفالهم في سوريا يمكن أن يؤدي إلى استعادتهم من جانب الجهاديين في المنطقة أو فرارهم بهدف احياء صفوف" تنظيم الدولة الإسلامية

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".