سوريا

آلاف أمضوا ليلتهم وقوفا وعائلات تشردت.. كارثة في مخيمات شمال سوريا

18 يناير 2021

في مخيم "أم جرن"، التابع لمدينة سرمدا بريف مدينة إدلب السورية، قضى النازح من مدينة حلب، أحمد القبرصي، ليلته الماضية مع أطفاله وقوفا، بعد أن غمرت مياه الأمطار خيمته التي يقطن فيها، ويقول القبرصي لموقع "الحرة": "ننتظر الآن في العراء حتى يجف أثاث الخيمة.. جميع الأغراض مبللة، فالمياه ابتلعت كل شيء".

القبرصي ليس النازح الوحيد في الشمال السوري الذي وصلت مياه الأمطار إلى خيمته، فهو حالة واحدة من ضمن آلاف الحالات التي تقف الآن أمام كارثة إنسانية، بعد أن فقدت مسكنها الوحيد وهو الخيمة، بفعل السيول والفيضانات التي تشكلت على مدار اليومين الماضيين، وأسفرت عن غرق مئات المخيمات العشوائية والمنظمة في شمال سوريا وغربها.

ويبلغ أعداد النازحين السوريين في الشمال السوري نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق سيطرة المعارضة السورية، في حين يبلغ عدد سكان المخيمات مليونا و43 ألفا و869 نازحا، يعيشون ضمن 1293 مخيما، من بينها 282 مخيما عشوائيا أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

ويوضح القبرصي الذي يحاول حاليا تأمين مسكن بديل بعد غرق خيمته أن هذه المعاناة تتكرر في كل عام، فهناك مئات المخيمات تقع في مجرى السيول، وضمن أراض زراعية تكاد تنقطع طرق الوصول إليها. 

ويشير النازح السوري إلى أن معظم الخيم في الشمال السوري غير مؤهلة للسكن، ويتابع: "نعاني منذ بداية الثورة السورية من هذا الحال. الدعم الذي يحصل إلى المخيمات يذهب هدرا على مشاريع لا تؤمن أي استقرار. وجعنا مستمر ولا نعرف نهايته قد يمتد لعشر سنوات أو عشرين سنة أخرى". 

وفي شمال سوريا الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية تنشط عدة منظمات، وعلى الرغم من تقديمها مساعدات بصورة متواترة للنازحين، وإقدامها على تنفيذ مشاريع إنسانية، إلا أنها لم تتمكن ومنذ سنوات لإبعاد شبح الفيضانات، والذي يعتبر كارثة ومأساة تتكرر في كل عام. 

وحسب ما قال نازحون مشردون في العراء من ريف إدلب في تصريحات لموقع "الحرة" فإن السيول التي ضربت المنطقة لم تنحصر أضرارها فقط على مخيمات محافظة إدلب، بل انسحبت إلى المخيمات الواقعة في منطقة عفرين وأخرى في ريف حلب، الخاضع لسيطرة فصائل "الجيش الوطني".

الأمطار تُغرق 145 مخيما

"منسقو الاستجابة في الشمال السوري" هو اسم لأحد الفرق الإنسانية التي تختص بتوثيق الأضرار التي تتعلق بحياة النازحين السوريين في شمال سوريا، حيث  أحصى في اليومين الماضيين تضرر 145 مخيما، وأشار إلى أن العديد من الطرق المؤدية إلى بعض المخيمات انقطعت بشكل كامل.

ويقول مدير الفريق، محمد حلاج، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن "عدد الخيم المتضررة بفعل مياه الأمطار في الشمال السوري بلغت بشكل كلي 278 خيمة و513 خيمة بشكل جزئي، بالإضافة إلى أضرار واسعة في الطرقات تجاوزت الـ8 كيلومترات ضمن المخيمات ومحيطها في حصيلة أولية لحصر الأضرار". 

ويضيف حلاج أن "الأضرار توزعت ابتداء من مخيمات خربة الجوز غربي إدلب، وصولا إلى المخيمات الحدودية باتجاه ريف حلب الشمالي، إضافة إلى محيط مدينة إدلب ومعرة مصرين وكللي وحربنوش وكفريحمول وحزانو وزردنا". 

ويوضح مدير الفريق الإنساني أن مئات العائلات تشرّدت، ونزح بعضها إلى أماكن أخرى، بينما انتقل جزء بسيط منها إلى دور العبادة ومراكز الإيواء، مشيرا "آلاف المدنيين أمضوا ليلتهم وقوفا أو في العراء بسبب دخول مياه الأمطار إلى خيمهم".

ومن المتوقع زيادة الأضرار بشكل أكبر في الساعات المقبلة، في حال استمرار الهطولات المطرية أو تجددها في المنطقة.

"الجائحة" تحاصرهم أيضا

مياه الأمطار ليست الوحيدة التي تحاصر مئات آلاف النازحين السوريين في شمال البلاد، فهناك جائحة "كورونا"، والتي يمكن اعتبارها نقطة فارقة وسط الكارثة، تميز هذا العام عن سابقاته.

وفي آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة في "الحكومة السورية المؤقتة" فقد سجلت 23 حالة جديدة بفيروس "كورونا"، ليبلغ عدد الحالات كاملة 20845 من بينها 376 حالة وفاة و15041حالة تماثلت إلى الشفاء.

ما يشهده الشمال السوري، وخاصة محافظة إدلب كانت الأمم المتحدة قد وصفته، مؤخرا بـ"أكبر كارثة في القرن الـ21"، محذرةً من استمرار عمليات القصف من جانب قوات الأسد، والتي قد تجبر مئات النازحين الجدد إلى ترك منازلهم، والتوجه للعيش في المخيمات الحدودية، والتي تعتبر أكثر أمانا قياسا بالمناطق الواقعة في الريفين الجنوبي والشرقي، لكن من يقطنها يواجه في الوقت الحالي التشرد من جهة، والموت من البرد أحيانا". 

وتزداد المخاوف والتحذيرات الإنسانية الدولية في كل عام، بالوقع المأساوي ذاته الذي تتعرض له المخيمات في أثناء الهطولات المطرية الغزيرة، إلا أنها تعجز عن احتواء أزمةٍ باتت لزاما على النازحين في الجزء الشمالي من سوريا، بعد تسع سنوات، في ظل ضعف التمويل الدولي المخصص للملف السوري.

فراس خليفة مسؤول المكتب الإعلامي في "الدفاع المدني السوري" يقول في تصريحات لموقع "الحرة" إن الساعات الـ48  الماضية شهدت هطولات مطرية غزيرة وصفت بأنها "الأقوى" خلال الشتاء الحالي. 

ويضيف خليفة الموجود في ريف إدلب الشمالي: "الهطولات أدت إلى تشكّل السيول وتجمع المياه في جميع المناطق، الأمر الذي أسفر عن تضرر أكثر من 1000 مخيم، غالبيتها من الخيمات العشوائية". 

ولا تملك المخيمات العشوائية أي بنية تحتية، حسب المسؤول الإعلامي، مضيفا أن "الفرق الإنسانية تقوم في الوقت الحالي بعمليات استجابة لتخفيف الضرر، كرفع السواتر الترابية بجانب الخيام، وسحب المياه وفتح المجاري لتصريفها". 

ضياء عودة - إسطنبول

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".