حركة دينية صوفيّة أعضاؤها نساء فقط.. ماذا تعرف عن "القبيسيات"؟
سجلت حركة "القبيسيات" في سوريا حضوراً واسعاً في المجتمع، وكثر اللغط حولها، حتى أنها اتهمت بالسعي لإقامة دولة إسلامية في البلاد.
ويرى البعض أنها تخالف المذهب السني في شعائرها الدينية، بالإضافة للجدل الدائر حول هويتها وأهدافها، التي ما ز الت غير واضحة، بسبب قلة المعلومات الدقيقة عنها وصعوبة الحصول عليها.
و"القبيسيات" جماعة دينية إسلامية دعوية نسوية، تعتمد هيكلية شبه تنظيمية غير مُعلنة، نواتها من طبقة أثرياء دمشق ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطبقة.
البداية
بدأت الحركة في دمشق وتغلغلت فيها خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، ثم امتدت إلى دول عربية وإسلامية وأوروبية أخرى.
وفي السنوات الأولى من عمر الحركة، كانت تعمل سراً وتعقد حلقاتها الدعوية في البيوت، وكانت كذلك خارج نطاق اهتمام الشأن العام في سوريا وخارجها، باستثناء الهجوم الذي شنته عليها جماعات سلفية في الكويت والأردن وجماعة الأحباش في لبنان.
وبدأ الاهتمام الفعلي بـ"القبيسيات" بعد تولي بشار الأسد منصب الرئاسة خلفاً لوالده عام 2000، وذلك بسبب ازدياد انتشار عناصرها من النساء وتأثيرهن في المجتمع السوري.
وفي عام 2006 سُمح لهن بنقل نشاطهنّ الدعوي من حلقات واجتماعات وحفلات ومجالس ذكر من البيوت سرًّا إلى المساجد علنا وبشكل أوسع تحت إشراف النظام.
وجذبت شبكة القبيسيات اهتمام الأجهزة الأمنية والسياسية، وأما أفكارها وانتماؤها الصوفي، فقد أثار حفيظة السلفية والتوجهات الدينية الراديكالية وحركات الإسلام السياسي الجهادية، كما أثار توجّس بعض المدارس التي تنتهج الصوفيّة العلميّة ووقفت ترقب وتفتّش باهتمام عن خلفيات ومحرّكات هذه الجماعة التي تكتسح ملعبهم.
الاسم والانتماء
تعود تسمية حركة "القبيسيات" إلى مؤسستها منيرة القبيسي (75 سنة) وهي تلميذة شيخ الطريقة النقشبندية ومفتي سوريا السابق أحمد كفتارو، الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وبدأت القبيسي فعلياً بنشاطها في سبعينيات القرن الماضي.
ويُقدر عدد المنتميات إلى الجمعية حاليا بأكثر من 75 ألف تلميذة في سوريا وخارجها، ويطلق عليهن في الأردن الطباعيات نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، وفي لبنان السحريات نسبة إلى شيختهن سحر حلبي. وفي الكويت يسمين "بنات البيادر"، ولهن بعض الانتشار في بلاد الاغتراب الأوروبية والأميركية وأستراليا بحكم زواجهن من مغتربين هناك.
ومن سمات "القبيسيات" تركيز دعوتهن على الفتيات الميسورات اللواتي يتمتعن بنفوذ ومكانة اجتماعية في المجتمع، وهو أمر فرضته إلى حد ما ظروف نشأة الحركة في الأحياء الدمشقية الراقية.
يقول عماد اللحام، وهو مدّرس تربية دينية إسلامية في دمشق، إن "السياسة التي انتهجتها الحركة كانت مدروسة وتهدف للسيطرة والإشراف على المؤسسات التعليمية والمساجد من قبل الجيل المؤسس".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "نجحت حركة القبيسيات في السيطرة على أكثر من 40% من مدارس ومساجد دمشق، ولا يكاد يخلو مسجد من مدرسة تابعة للحركة، كما تشرف على 40 مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم من أصل 80 مدرسة، وكل هذا يتم بشكل رسمي وبتصريح من الحكومة السورية".
ويرى اللحام أن المشكلة في هذه الحركة "تبني الطاعة الصارمة للأستاذة من قبل طالباتها" موضحاً "كلما تفانت التلميذة في طاعة آنستها القبيسية يزداد اقترابها من الله ورسوله، وبموجب ذلك تقوم التلميذات بتقديس المعلمة وإطاعتها وعدم مناقشتها والتسابق إلى تقبيل يدها".
كما أن هناك قاعدة قبيسية نصّها "على الطالبات إخبار آنساتهن بكل ما يجري معهن، لأننا هنا في مستشفى إيماني والمريض في المستشفى يجب أن يُطلع طبيبه على كل شيء ليتداركه" حسبما يقول اللحام.
المدارس
تمتلك القبيسيات أكثر من 50% من المدارس الخاصة التي تنتشر في أحياء راقية من دمشق، تُدرِّس هذه المدارس منهاج وزارة التربية السورية، مع تركيز أكبر على حصص التربية الدينية.
وتعد هذه المدارس مكانا خصبا لانتقاء فتيات جدد من بنات الطبقات الثرية، ومن أشهر مدارسهن الدمشقية مدرسة "البوادر" في منطقة كفرسوسة، و"دار الفرح" في منطقة المهاجرين و"دار النعيم" و"عمر بن الخطاب" في المزة و"عمر عبد العزيز" في الهامة و"دوحة المجد" في المالكي و"البشائر" في المزة.
وكذلك كان لهن مدارس خاصة بهن في كل من الأردن والكويت.
انشقاقات
مع بداية الثورة السورية انشقت أعداد كبيرة من طالبات الحركة عنها، وأنشأن تجمعاً أطلقن عليه اسم "حرائر الثورة المنشقات عن تنظيم القبيسيات".
وبدأت حينها المنشقات بنشر مذكّراتهن مع حركة القبيسيات، وجاء في بيان انشقاقهن "نعلن براءتنا مما ينشر إعلامياً و عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات و تقارير منافية للأخلاق الإسلامية، و الاتهامات ذات المعاني الوضيعة التي لا نعلمها عن القبيسيات، و من هنا نؤكد أن أسباب انشقاقنا كانت وما زالت لها علاقة بالتوجه و الفكر و المنهج، و ليست لأسباب أخلاقية".
حلقة تحليلية لموقف القبيسيات من انتخابات مجلس الشعب ....ذكرت فيها صفحتنا في التقرير ... ضيوف الحلقة : الشيخ محمد حبش - الباحث : عبد الرحمن الحاج - الإعلامية ( القبيسية سابقا) : سهير أومري
Posted by حرائر الثورة المنشقات عن تنظيم القبيسيات on Saturday, June 25, 2016
من جهتها، تقول فاديا، المنشقة عن حركة "القبيسيات" لـ"ارفع صوتك" إنها كانت شاهدة على تقديس الطالبات لبعض معلمات الحركة.
وتتابع "وصل التمجيد لدى بعض الطالبات للانصياع لأوامر المعلمات على حساب علاقاتهن مع أهلهن وعلاقاتهن الزوجية، وكان موضوع تقبيل اليد واجباً عند هؤلاء الآنسات، فهن يعتبرن أنفسهن مقدسات ويجب تقديسهن، كما أن تقاليد الطاعة مبالغ فيها بشكل كبير ولم تتناسب مع أفكاري المتعلقة بالحرية".
وكان مركز برق للدراسات والأبحاث، قال في دراسة عن حركة "القبيسيات" بعنوان "جماعة الأخوات القبيسيات"، إن معظم عضواتها من عائلات معروفة وثرية، مثل: آل كزبري، الطباع، جبريل وقويدر، هذه العائلات المشهورة في سوق العملة في دمشق.
ولفتت الدراسة إلى تقديس المعلمات من قبل الطالبات بشكل ممنهج، بالقول "عند دخول الآنسة للدرس تتسابق الحاضرات لتقبيل يدها وتبجيلها، حتى عندما تشرب من كأس الماء فإن ما يتبقى من كأسها طاهر؛ ومن تشرب من بعدها تكون صاحبة حظ سعيد، فطاعة الآنسة الأم، والآنسات الأخريات، أهم من طاعة الأهل أو الزوج أو الوصي، فعلى المرأة أن تطيع الآنسة حتى لو أمرتها بالطلاق من زوجها مثلا، فالمريدة لا تستطيع رفض أوامر الآنسة، فخيانتها تُعَدُّ مُعادِلةً لخيانة الله".
لباس "القبيسيات"
لجماعة القبيسيات لباس خاص، يُفرض على القبيسية الالتزام بارتدائه، وبإمكان أي شخص أن يتعرَّف عليهنّ في الشارع، وأن يعرف مرتبة القبيسية من خلال لون الحجاب الذي تضعه على رأسها.
ويتميز لباسهن بالمعطف الكحلي الغامق، والحذاء الاسود من دون كعب، والجوربين النسائيين السميكين.
ومرتبة القبيسية تُعرف من خلال لون حجابها، والانتقال بين الألوان لا يتم إلا بإذن "الآنسة القبيسية"، فاللون الأبيض للمنتسبات الجدد واللون الأزرق لحافظات القرآن، واللون الكحلي لا ترتديه إلا القبيسية المتمكنة من أمور الدين والقرآن والفقه.
العلاقة مع الجماعات الإسلامية
كانت منيرة القبيسي مؤسسة الحركة تتمتع بعلاقات جيدة ومميزة جدًا مع الشيخ أحمد كفتارو شيخ الطريقة النقشبندية في دمشق، كما أن الشيخ كفتارو هو من نصحها بتأسيس هذا التنظيم.
وحَضرت العديد من "الآنسات القبيسيات" عام 2009 احتفالًا في السفارة الإيرانية بمولد السيدة الزهراء. حيث قام كل من السفير الإيراني والمستشار الثقافي، بتكريم السيدات المعروفات بكونهن قبيسيات.
النشاط السياسي
اتسم سلوك حركة القبيسيات بالغياب من حيث الظاهر عن العمل السياسي قبل الثورة السورية والتأكيد الدائم على النأي بالنفس عن السياسة، وأن الجماعة ليس لها أي خطط سياسية.
وكانت الجماعة ملاحقة من قبل الأمن السوري أيامَ كان نشاطها سريًّا، وكانت المدرّسات اللواتي يلبسن زي القبيسيات في المدارس يتعرّضن لمضايقات وترفع بهن تقارير دورية للمخابرات، إلا أنهن وبعد السماح لهن بالتدريس في المساجد عام 2006 بقرار رسمي، أصبحن يمارسن نشاطاتهن بشكل واسع جداً من خلال حلقات العلم والاجتماعات الدورية العلنية.
وكانت سلمى عياش أول امرأة من الداعيات القبيسيات تُعيّن في منصب معاون وزير الأوقاف في سوريا، وذلك في ربيع عام 2014 في خطوة تمثّل مكافأة من النظام للجماعة على مواقفها من جهة واستخدامها سياسيا في ظل الثورة من جهة أخرى.
ومع بدء الثورة السورية عملت الجماعة بشكل شديد الوضوح على الابتعاد عن أي موقف سياسي مع الثورة أو مع النظام، إلا أن ما جرى على الأرض حينها من حراك ثوري لم يكن يسمح بضبط كامل للتنظيم، وكان لقاء ممثلات عن الحركة مع رأس النظام السوري بشار الأسد في كانون الأول 2012 بمثابة اعتراف بشرعيته، الأمر الذي أثار حركات انشقاق بين صفوفهن، وظهرت حالة نسوية جديدة تحت اسم "حرائر القبيسيات" في نهاية تشرين الثاني2011، وعملت على دعم الثورة السورية.
وبفعل الهجرة الحديثة من سوريا وصلت العديد من القبيسيات إلى دول أوروبية وعملن بها داعيات لكن بشكل أقل انتشارا وتأثيرا، وكان لهن نشاط في إسطنبول وأمريكا وأستراليا وفرنسا وانكلترا والكويت والأردن.