خلال إحدى التظاهرات في 30 أيار/ مايو 2011
خلال إحدى التظاهرات في 30 أيار/ مايو 2011

تدخل "الثورة السورية" عامها الحادي عشر، في 15 مارس الجاري، حيث انطلقت في مثل هذا اليوم من مدينة درعا جنوب سوريا. 

وبدأت التظاهرات في درعا، إثر اعتقال وتعذيب مجموعة من الأطفال، على يد عناصر من الأجهزة الأمنية السورية.

واتُهم الأطفال بكتابة شعارات مناهضة لحكم الرئيس بشار الأسد، على جدار مدرستهم الخارجي.

 

ثم توسعت رقعة التظاهرات لتشمل جميع المحافظات السورية، مطالبة بالإصلاحات وإسقاط النظام، خصوصاً بعد مواجهة النظام للتظاهرات السلمية بالقمع وحملات الاعتقال الواسعة بين النشطاء، وبعدها تطورّت لمواجهات مسلّحة بين قوات النظام ومجموعات سورية داعمة للثورة.

أحلام تتبدد

المواجهات المسلحة تحولت لحرب أهلية، دخلت فيها أطراف أجنبية وإرهابية، ما أدى لموجات نزوح ولجوء كبيرة، محاولة من المواطنين النجاة بأرواحهم من دوامة العنف المتزايدة في مختلف المحافظات.

وقُتل قرابة نصف مليون شخص، كما قتل وجرح نحو 12 ألف طفل في الصراع في العقد الماضي، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). كما أدى الصراع إلى أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية.

يقول موسى العبد الله، إن هذه العشر سنوات "مرت مثل حلم" كالحلم، وهو لاجئ سوري في تركيا، وصلها قبل ست سنوات، بعد تهجيره من مدينته دوما في ريف دمشق.

يقول موسى لـ"ارفع صوتك" إن أحلامه بالتغيير "تتبدد مع مرور كل سنة" مضيفاً "استقر بي الحال في مدينة غازي عنتاب، بعد أن نزحت إلى عدة مدن داخل سوريا. وهنا أنا مع عائلتي، بعد أن بعنا جميع ممتلكاتنا في سوريا، لم يبق لنا شيء فيها..."

"فقدنا الأمل بالعودة؛ فليس هناك حل للقضية السورية بين السياسيين، وليس هناك أي شيء واضح. بينما في غازي عنتاب، نشعر بالاستقرار" يتابع موسى.

 

الأمل بالعودة

في لبنان التي لجأ إليها أكثر من مليون ونصف المليون سوري، يعيش مضر الأسعد في بلدة تعلبايا منذ ثماني سنوات، بعد فراره من مدينته حمص إثر القصف العشوائي الذي طالها.

يقول لـ"ارفع صوتك": "حالي أرحم من حال الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون هنا في المخيمات، حيث استأجرت منزلاً وأعمل بشكل يومي، إلا أن لاجئي المخيمات يعانون الأمرّين في الصيف والشتاء".

ويأمل مضر "بانتقال سياسي في سوريا يمكنّه وعائلته من العودة في أقرب وقت".

يضيف "عشر سنوات مرّة، فقدنا الكثير وليس هناك أي سوري ربح اليوم مما حدث. لم نرَ أهالينا منذ سنوات. لم ولن نتخلى عن مطلبنا بالحرية، ولكننا سئمنا من هذا الوضع".

وفي حديثه لوكالة أسوشييتد برس، يقول محمد زكريا وهو لاجئ من حمص أيضاً "كان لدينا افتراض بأننا سنتمكن من الدخول والخروج"، لكنه يعيش في خيمة بلاستيكية في سهل البقاع شرق لبنان منذ بداية الحرب في بلاده.

وفرّ زكريا (53 عاماً) مع عائلته من القصف في عام 2012، معتقداً أن فترة غيابه عن وطنه ستكون قصيرة ومؤقتة، حين كانت حمص واقعة تحت الحصار وتخضع لحملة عسكرية سورية شرسة، إذ ترك منزله حتى دون أن يحضر معه بطاقة هويته.

واليوم، يكافح للنجاة من الانهيار المالي والاجتماعي في لبنان.

في نفس السياق، يقول خالد اللاجئ في تركيا "كانت بداية الحراك الشعبي جميلة جداً، تشاركنا أياما حلوة ومرّة، وكنا يداً واحدة، إلا أن ما حصل بعد ذلك أجبرنا على الفرار وعيش حياة اللجوء"، مستذكراً التظاهرات المناهضة للنظام البعثي بزعامة بشار الأسد.

ويضيف لـ"ارفع صوتك" إنه لجأ بمفرده إلى تركيا وأقام في مدينة إسطنبول بعد سيطرة قوات النظام على مدينته في ريف حماه وسط سوريا.

يتابع خالد "حلمت مع رفاقي بالحصول على حقوقنا الأساسية، فالشعب السوري يستحق أن يعيش وينال حريته، ولكننا لم نخرج من أجل ما وصلنا إليه اليوم.. نتمنى أن تتحقق أحلامنا".

"لن نندم على الكرامة"

وفي مواقع التواصل الاجتماعي، بادر عدد من الناشطين السوريين داخل سوريا وخارجها لإحياء ذكرى الثورة السورية عبر شعار تداولوه "تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة".

وكان أول من كتب هذه العبارة المخرجة السورية وعد الخطيب، صاحبة فيلم "من أجل سما" الذي فاز بجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون كأفضل فيلم وثائقي، وتم ترشيحه لجائزة الأوسكار عن الفئة نفسها. 

 

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".