تركيا: مراجعة الطبيب "ليست أولوية" في حياة لاجئين سوريين
تنتظر ندى الحامل بشهرها السادس، قدوم مولودها الأول بفارغ الصبر، ورغم شعورها بالألم بين الحين والآخر، لا تذهب للطبيب، إذ تعتمد على طمأنة حماتها لها بأن كل شيء "طبيعي".
ولم تقم ندى، اللاجئة السورية في مدينة أورفة جنوب تركيا، بزيارة عيادة النساء والتوليد إلاّ مرة واحدة، والمرة الثانية ستكون إلى المشفى عند المخاض.
تقول لـ"ارفع صوتك": "لا توجد ضرورة لزيارة للمراجعة الشهرية، فقط عند الولادة سأذهب للمستشفى".
وقد أدّى الجهل بأهمية المتابعة الطبية والكشف الدوري لدى الكثير من اللاجئين إلى إهمال الرعاية الصحية الأولية والمتابعة، ما فاقم الأزمات الصحية للعديد منهم، حتى وصلت مرحلة الخطر وفي بعض الأحيان كانت مميتة.
محمود لاجئ سوري مقيم في مدينة غازي عينتاب، يقول إنه عانى أسبوعاً كاملاً من الألم وكان يقصد الصيدلية لشراء المسكنات، ويأخذ بعض الوصفات المنزلية التي ينصحه بها الأصدقاء، وحين اشتد عليه الألم ذهب لقسم الطوارئ وهناك أجريت له عملية إزالة العصارة الصفراوية (المرارة).
هذه العملية الجراحية، أوقفت محمود عن العمل لمدة عشرة أيام، حسبما يضيف لـ"ارفع صوتك".
وأظهرت دراسة بحثية لكلية الطب في جامعتي أنقرة و"كوس إسطنبول" بالتعاون مع وزارة الصحة التركية، أن "السلوك العام عند اللاجئين السوريين يُظهر ميلاً لتخطي خدمات الرعاية الأولية والطلب على الرعاية الصحية الثانوية والثالثية".
وشددت على "أهمية تقوية العناية الصحية الأولية عبر رفدها بالمترجمين وتدريب طواقم طبية سورية لإزالة العقبات التي تواجه اللاجئين لتخفيف الضغط عن المستشفيات".
وفي دراسة أخرى، تبيّن أن "أكثر الأقسام زيارة بالنسبة للاجئين السوريين كان قسم الطوارئ"، مع التأكيد على "أهمية تسهيل الوصول للرعاية الصحية الأولية، لتخفيف العبء عن خدمات الصحة الثالثية، وعن أقسام الطوارئ في المستشفيات، بالتالي تخفيف كلفة العلاج الطبي".
ضعف الوعي الصحي
تدعم وزارة الصحة التركية حصول اللاجئين السوريين على العناية الطبية في المستشفيات العامة، لكن البيروقراطية وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية والاختلافات الثقافية والحواجز اللغوية وعدم استجابة بعض مقدمي الخدمة، وعدم مبالاتهم باحتياجات الرعاية الصحية للاجئين، يزيد عبء العمل على مراكز الرعاية الثانوية.
في نفس السياق، أكدت منظمة الصحة العالمية في دراسة عام 2020، على أهمية تكامل وقبول اللاجئين السوريين داخل المجتمع المضيف، ليس فقط لمنع التمييز، ولكن أيضا لتقوية علاقة العاملين الصحيين باللاجئين ومساعدتهم على الاستفادة بشكل أكبر من خدمات الصحة الأولية، لتحسين وضعهم الصحي العام.
ودعت الدراسة إلى التنظيم الفعال لخدمات الرعاية الصحية الأولية، واستخدام نظام الإحالة بين خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية.
ولفتت إلى أن أوجه القصور في النظام الصحي تنعكس في قلة الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية الأولية من قبل اللاجئين في تركيا، الذين يفضلون طلب العلاج في مراكز الصحة الثانوية والثالثية، وهي أمور مألوفة لمعظم اللاجئين الذين نشؤوا في بلاد لا تقوم بالتخطيط لخدمات الرعاية الصحية الأولية أو لا تستخدمها بشكل فعال، مثل سوريا.
وفي دراسة أخرى للمنظمة العام الماضي أيضاً، بالتعاون مع كلية طب جامعة غازي في أنقرة، تبيّن أن 84% من اللاجئين السوريين لديهم معدل مرتفع من الأمية الصحية ومعظمهم لا يفهم التعليمات والتوجيهات الصحية المتعلقة باستمارات الموافقة، وملصقات الأدوية، ومعلومات الرعاية الصحية، والمعلومات المكتوبة والشفوية التي يقدمها الأطباء أو الممرضات أو الصيادلة و غيرهم من أخصائيي الرعاية الصحية، ولا يعرفون التصرف وفقًا للتوجيهات.
كما أن 49.5% لديهم جهل في طرق الوصول إلى المعلومات الصحية وفهمها، من أجل إصدار الأحكام واتخاذ القرارات في الحياة اليومية المتعلقة بالرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة، حسب الدراسة.
وقالت إن "اللغة هي السبب الرئيسي لذلك، لذا يجب التوجه لهذه الفئة عبر توفير المعلومات الصحية باللغة العربية واستخدام الرسوم البيانية للاجئين الأقل معرفة بالقراءة والكتابة، كما يمكن أن يستفيد اللاجئون من التعليم والتدريب على البرامج الصحية التوعوية التي تقدم معلومات تعزز الصحة والوقاية"
بالأرقام
23.1% المشاركين بإحصاء منظمة الصحة العالمية وصفوا صحتهم بالسيئة، و34.1٪ لم يزوروا طبيبًا أو طبيب أسنان في آخر 12 شهراً.
و44.1% من المشاركين قالوا إنهم سيذهبون إلى غرفة الطوارئ للعلاج، وقال 22.1% أنهم يستدعون سيارة إسعاف في حالة الطوارئ، 47.5% فقط يعرفون رقم الخط الساخن للطوارئ 112.
و33.1% لا يفهمون ما يقوله الطبيب ويعتمدون على المترجمين، فيما لا يعرف 66% أماكن طلب المعلومات حول الخدمات الصحية في تركيا.
أما عن طريقة الحصول على المعلومات الصحية، فكان لوسائل التواصل الاجتماعي 45.6%، وعن طريق المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة 26.3%.
اتجاهات عامة للاجئين
حسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض وطرق العدوى (CDC) حول السلوك العالم للاجئين السوريين المتعلق بالرعاية الصحية الأولية، تبين أن لديهم ضعف الوعي بالأمراض المزمنة واحتمال حدوثها، إضافة إلى أنهم قد يتوقفون عن تناول الأدوية في حال ذهاب الأعراض، كما يقل احتمال عودتهم لمواعيد المتابعة إذا لم يعودوا يعانون من الأعراض المرافقة.
ويشير طبيب الصحة العامة معتز اليوسف في حديثه لـ"ارفع صوتك" إلى أن الرعاية الصحية الأولية هي خط الدفاع الأول للقطاع الصحي بأكمله، ومن الضرورة أن يقصدها المريض في البداية قبل التوجه إلى المراكز المتخصصة والطوارئ.
ويؤكد الطبيب على أن هنالك الكثير من اللاجئين السوريين الذين يهملون الرعاية الصحية الأولية، ولا تقوم نسبة كبيرة من النساء بالمراجعة أثناء الحمل وبعد الولادة وكذلك قلة منهن تقمن بالفحوصات الدورية، داعياً النساء للمتابعة خلال فترة الحمل وبعده".
"فمن الممكن أن تؤدي عدم المتابعة للإجهاض أو معاناة الطفل المولود من أمراض وتشوهات كان بالإمكان منعها بالفحص الدوري" وفق اليوسف.
ويرى أن "الإهمال لا يقتصر على حالات الحمل وأمراض النساء، بل يعمد الكثيرون إلى عدم إجراء فحص دوري للأمراض المزمنة ومتابعتها، وهذا ما يزيد المخاطر الصحية ويصعّب العلاج كما ويزيد معدل الوفيات بين اللاجئين واللاجئات".