سوريا

تركيا: مراجعة الطبيب "ليست أولوية" في حياة لاجئين سوريين

محمد ناموس
31 مارس 2021

تنتظر ندى الحامل بشهرها السادس، قدوم مولودها الأول بفارغ الصبر، ورغم شعورها بالألم بين الحين والآخر، لا تذهب للطبيب، إذ تعتمد على طمأنة حماتها لها بأن كل شيء "طبيعي".

ولم تقم ندى، اللاجئة السورية في مدينة أورفة جنوب تركيا،  بزيارة عيادة النساء والتوليد إلاّ مرة واحدة، والمرة الثانية ستكون إلى المشفى عند المخاض.

تقول  لـ"ارفع صوتك": "لا توجد ضرورة لزيارة للمراجعة الشهرية، فقط عند الولادة سأذهب للمستشفى".

وقد أدّى الجهل بأهمية المتابعة الطبية والكشف الدوري لدى الكثير من اللاجئين إلى إهمال الرعاية الصحية الأولية والمتابعة، ما فاقم الأزمات الصحية للعديد منهم، حتى وصلت مرحلة الخطر وفي بعض الأحيان كانت مميتة.

محمود لاجئ سوري مقيم في مدينة غازي عينتاب، يقول إنه عانى أسبوعاً كاملاً من الألم وكان يقصد الصيدلية لشراء المسكنات، ويأخذ بعض الوصفات المنزلية التي ينصحه بها الأصدقاء، وحين اشتد عليه الألم ذهب لقسم الطوارئ وهناك أجريت له عملية إزالة العصارة الصفراوية (المرارة).

هذه العملية الجراحية، أوقفت محمود عن العمل لمدة عشرة أيام، حسبما يضيف لـ"ارفع صوتك".

وأظهرت دراسة بحثية لكلية الطب في جامعتي أنقرة و"كوس إسطنبول" بالتعاون مع وزارة الصحة التركية، أن "السلوك العام عند اللاجئين السوريين يُظهر ميلاً لتخطي خدمات الرعاية الأولية والطلب على الرعاية الصحية الثانوية والثالثية".

وشددت على "أهمية تقوية العناية الصحية الأولية عبر رفدها بالمترجمين وتدريب طواقم طبية سورية لإزالة العقبات التي تواجه اللاجئين لتخفيف الضغط عن المستشفيات". 

وفي دراسة أخرى، تبيّن أن "أكثر الأقسام زيارة بالنسبة للاجئين السوريين كان قسم الطوارئ"، مع التأكيد على "أهمية تسهيل الوصول للرعاية الصحية الأولية، لتخفيف العبء عن خدمات الصحة الثالثية، وعن أقسام الطوارئ في المستشفيات، بالتالي تخفيف كلفة العلاج الطبي". 

 

ضعف الوعي الصحي 

تدعم وزارة الصحة التركية حصول اللاجئين السوريين على العناية الطبية في المستشفيات العامة، لكن البيروقراطية وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية والاختلافات الثقافية والحواجز اللغوية وعدم استجابة بعض مقدمي الخدمة، وعدم مبالاتهم باحتياجات الرعاية الصحية للاجئين، يزيد عبء العمل على مراكز الرعاية الثانوية. 

في نفس السياق، أكدت منظمة الصحة العالمية في دراسة عام 2020، على أهمية تكامل وقبول اللاجئين السوريين داخل المجتمع المضيف، ليس فقط لمنع التمييز، ولكن أيضا لتقوية علاقة العاملين الصحيين باللاجئين ومساعدتهم على الاستفادة بشكل أكبر من خدمات الصحة الأولية، لتحسين وضعهم الصحي العام. 

ودعت الدراسة إلى التنظيم الفعال لخدمات الرعاية الصحية الأولية، واستخدام نظام الإحالة بين خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية.

ولفتت إلى أن أوجه القصور في النظام الصحي تنعكس في قلة الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية الأولية من قبل اللاجئين في تركيا، الذين يفضلون طلب العلاج في مراكز الصحة الثانوية والثالثية، وهي أمور مألوفة لمعظم اللاجئين الذين نشؤوا في بلاد لا تقوم بالتخطيط لخدمات الرعاية الصحية الأولية أو لا تستخدمها بشكل فعال، مثل سوريا. 

وفي دراسة أخرى للمنظمة العام الماضي أيضاً، بالتعاون مع كلية طب جامعة غازي في أنقرة، تبيّن أن 84% من اللاجئين السوريين لديهم معدل مرتفع من الأمية الصحية ومعظمهم لا يفهم التعليمات والتوجيهات الصحية المتعلقة باستمارات الموافقة، وملصقات الأدوية، ومعلومات الرعاية الصحية، والمعلومات المكتوبة والشفوية التي يقدمها الأطباء أو الممرضات أو الصيادلة و غيرهم من أخصائيي الرعاية الصحية، ولا يعرفون التصرف وفقًا للتوجيهات.

كما أن 49.5% لديهم جهل في طرق الوصول إلى المعلومات الصحية وفهمها، من أجل إصدار الأحكام واتخاذ القرارات في الحياة اليومية المتعلقة بالرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة، حسب الدراسة.

وقالت إن "اللغة هي السبب الرئيسي لذلك، لذا يجب التوجه لهذه الفئة عبر توفير المعلومات الصحية باللغة العربية واستخدام الرسوم البيانية للاجئين الأقل معرفة بالقراءة والكتابة، كما يمكن أن يستفيد اللاجئون من التعليم والتدريب على البرامج الصحية التوعوية التي تقدم معلومات تعزز الصحة والوقاية"

 

بالأرقام 

 23.1% المشاركين بإحصاء منظمة الصحة العالمية وصفوا صحتهم بالسيئة، و34.1٪ لم يزوروا طبيبًا أو طبيب أسنان في آخر 12 شهراً.

و44.1% من المشاركين قالوا إنهم سيذهبون إلى غرفة الطوارئ للعلاج، وقال 22.1% أنهم يستدعون سيارة إسعاف في حالة الطوارئ، 47.5% فقط يعرفون رقم الخط الساخن للطوارئ 112.

و33.1% لا يفهمون ما يقوله الطبيب ويعتمدون على المترجمين، فيما لا يعرف 66% أماكن طلب المعلومات حول الخدمات الصحية في تركيا.

أما عن طريقة الحصول على المعلومات الصحية، فكان لوسائل التواصل الاجتماعي 45.6%، وعن طريق المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة 26.3%. 

 

اتجاهات عامة للاجئين 

حسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض وطرق العدوى (CDC) حول السلوك العالم للاجئين السوريين المتعلق بالرعاية الصحية الأولية، تبين أن لديهم ضعف الوعي بالأمراض المزمنة واحتمال حدوثها، إضافة إلى أنهم قد يتوقفون عن تناول الأدوية في حال ذهاب الأعراض، كما يقل احتمال عودتهم لمواعيد المتابعة إذا لم يعودوا يعانون من الأعراض المرافقة. 

ويشير طبيب الصحة العامة معتز اليوسف في حديثه لـ"ارفع صوتك" إلى أن الرعاية الصحية الأولية هي خط الدفاع الأول للقطاع الصحي بأكمله، ومن الضرورة أن يقصدها المريض في البداية قبل التوجه إلى المراكز المتخصصة والطوارئ.

 ويؤكد الطبيب على أن هنالك الكثير من اللاجئين السوريين الذين يهملون الرعاية الصحية الأولية، ولا تقوم نسبة كبيرة من النساء بالمراجعة أثناء الحمل وبعد الولادة وكذلك قلة منهن تقمن بالفحوصات الدورية، داعياً النساء للمتابعة خلال فترة الحمل وبعده".

"فمن الممكن أن تؤدي عدم المتابعة للإجهاض أو معاناة الطفل المولود من أمراض وتشوهات كان بالإمكان منعها بالفحص الدوري" وفق اليوسف.

ويرى أن "الإهمال لا يقتصر على حالات الحمل وأمراض النساء، بل يعمد الكثيرون إلى عدم إجراء فحص دوري للأمراض المزمنة ومتابعتها، وهذا ما يزيد المخاطر الصحية ويصعّب العلاج كما ويزيد معدل الوفيات بين اللاجئين واللاجئات". 

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".